كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في حوار بورلوغ الذي تنظمه مؤسسة جائزة الغذاء العالمية
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في حوار بورلوغ الذي تنظمه مؤسسة جائزة الغذاء العالمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيسة ستينسون، شكرا لك،
أصدقائي،
أشكركم على فرصة المشاركة في مؤتمركم هذا الأسبوع، خاصة في هذا اليوم، الذي يتزامن مع يوم الأغذية العالمي، وهو مناسبة للاحتفاء بالذين يوفرون الطعام على موائد الأسر حول العالم، بزراعته، ونقله، وتخزينه، وصولاً إلى توزيعه، ويحافظون على سلامتنا خلال جائحة كورونا.
ولكن علينا أن نتذكر أن الملايين من البشر يقضون هذا اليوم بلا طعام، فهو بالنسبة لهم يوم آخر من الجوع. فلنسأل أنفسنا، لماذا يعاني قرابة 690 مليون شخص من نقص الغذاء في القرن الحادي والعشرين؟ لماذا يموت في وقتنا هذا حوالي 9 مليون شخص من سوء التغذية كل عام؟ لذا، علينا مواصلة بذل الجهود لمعالجة شح الغذاء.
وكما كان جلياً خلال نقاشاتكم في الأيام الماضية، فإن الخطر لم يبدأ مع "كورونا". هذه الجائحة أثرت بشكل كبير على النظم الغذائية التي نعتمد عليها، إلا أن عدداً من التحديات الخطيرة التي تواجه الأمن الغذائي كانت موجودة من قبل، كالتغير المناخي، وشح المياه الصالحة للشرب حول العالم، والأزمات الاقتصادية العالمية، والاضطرابات الإقليمية، وأزمة لجوء عالمية غير مسبوقة، ألقت بظلالها على الإمدادات الغذائية للاجئين والمجتمعات المستضيفة، على حد سواء، وهي تحدٍ يعرفه الأردن جيدا.
لذا، فإن السؤال الذي يجب طرحه هو ليس: هل علينا اتخاذ أي إجراء؟ بل، ما هي الإجراءات التي علينا اتخاذها لنصل إلى النتيجة المرجوة؟ بعد "كورونا"، لن يكفي أن نعود إلى ما كان الوضع عليه قبل الجائحة؛ إذ ينبغي علينا اغتنام الفرصة، لبناء نظام عالمي أفضل وأكثر فاعلية وشمولاً. ولهذا، ما زلت أدعو إلى إعادة ضبط العولمة، أي تعزيز العمل العالمي المشترك، لمنفعة الجميع، والتركيز على روح الابتكار التي يتطلبها المستقبل. من شأن إعادة ضبط العولمة، أن تساعد على توجيه الموارد العالمية، وفقا لما تقتضيه الحاجة، لدعم قطاعات محورية، كالبنية التحتية الزراعية.
فلندعم الأفكار المتقدمة في مجالات الإنتاج، والتزويد، والتخزين، وتبادل الخبرات، ففي الوقت الذي يتم فيه استثمار الكثير من الموارد في التسلح، دعونا نجعل صحة الشعوب على رأس الأولويات؛ إذ لا بد من دعم المزارعين في البلدان النامية، ليتمكنوا من الحصول على التمويل والتدريب بشكل أفضل، ويخدموا مجتمعاتهم، ولنسخّر الحلول التي توفرها التكنولوجيا الجديدة في مجال الزراعة لتنويع المحاصيل، وإنشاء شبكات أمن غذائي متينة.
إن التعاون أساس العمل الإقليمي والعالمي، ولطالما وقف الأردنيون إلى جانب الشعوب في المنطقة وقدموا الدعم لهم؛ إذ إن موقعنا الاستراتيجي، في نقطة تلاقي إفريقيا وآسيا وأوروبا، يمكّن الأردن من تسهيل وتنسيق العمل الدولي، بالإضافة إلى إمكانية عمله كمركز إقليمي للغذاء. وهذا من شأنه أن يسارع ويعزز الاستجابة العالمية للأزمات الغذائية والكوارث، كالانفجار المأساوي الذي وقع في بيروت في آب الماضي، والذي دمر صوامع الغذاء ومرافق المرفأ الحيوية.
إن الاستجابة للمخاطر العالمية تتطلب إعادة ضبط عالمنا ونُظمه. ولبناء الأمن الغذائي على مستوىً عالمي، لا بد من أُطر عمل تنظيمية متينة، تشمل توفير الأدوات المالية المطلوبة، وتبادل الخبرات العالمية في تقنيات الزراعة، وزيادة الاستثمار في البحث العلمي، فعلينا أن نمضي قدماً والآن؛ لأن التنسيق ضروري لمنع نشوب أزمة نقص غذاء وسوء تغذية عالمية قد تطرأ إن لم نكن مستعدين لمواجهة أوبئة وتحديات جديدة في المرحلة القادمة.
أصدقائي،
إن مفهوم الأمن الغذائي والحياة الكريمة التي يمكن أن يوفرها، راسخ في تاريخنا في منطقة الشرق الأوسط، فقبل حوالي عشرة آلاف سنة، شهد إقليمنا انطلاق أول ثورة زراعية، حين بدأ الإنسان بزراعة المحاصيل والتجارة بها. وتلك الشعوب آنذاك، في منطقتنا وغيرها، كانت تسعى لتطوير الأساليب التقليدية، وساهمت بابتكاراتها في تمكين البشرية من التطلع إلى المستقبل. واليوم، علينا أن نعمل بنفس الجرأة، وأن ننظر إلى مستقبلنا بعيون جديدة.
قبل الحصاد، يكون العمل، من تخطيط وزراعة وري وعناية، وتكيف مع المتغيرات، وتطوير طرق جديدة للمساهمة في ازدهار الحياة. ونحن، في هذا العصر، مسؤولون عن حماية الحقول والمزارع والمحاصيل، كما علينا غرس بذور جديدة، ليتسنى للأجيال المقبلة أن تحيا وتزدهر.
وعبر هذا الحوار، وغيره من الجهود الرامية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي، أنتم تغرسون البذور للمستقبل. وبمشيئة الله، سيثمر عملكم محصولاً عالمياً، يتمثل في توفير غذاءٍ مستدامٍ وقليل التكلفة ورفيق بالبيئة، يكون في متناول الجميع.
علينا أن نستمر في العمل معاً إذا أردنا النجاح. شكراً لكم.