الملوك الهاشميون: الشهداء والمشرعون وقادة البناء
© Royal Hashemite Court Archives
© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي
مقدمة
يقول عجاج نويهض، في مقدمة كتاب محمد العجلوني، (ذكريات عن الثورة العربية الكبرى):
"كانت ثورة الحسين [بن علي] غايتها تحرير الأقطار العربية الآسيوية، وإنالة العرب استقلالهم، وتمكينهم من بناء الدولة العربية الكبرى التي فقدوها منذ قرون، فيستأنفون حياتهم الحرة، كأمة كريمة".
ويقول الملك المؤسس عبدالله المؤسس ابن الحسين رحمه الله:
"نحن آل البيت إنما السبب في كل الممالك والزعامات العربية التي نراها اليوم".
وهذه صورة من الرؤى الهاشمية والثوابت، وتأكيد الحق العربي، فهم الهاشميون الدعاة إلى الحق، الرافضون للظلم، المتسامون عن مطالب الدنيا، الكاظمون الغيظ، وهم في كل محفل يدعون إلى تحقيق حياة أفضل للإنسان العربي بكل كرامة وعزة، مع نبذ العنف والتطرف، وهي سيرة بدأها الشريف الحسين بن علي ومضت دستور حياة من الملك المؤسس عبدالله المؤسس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني.
الملك المؤسس عبدالله بن الحسين (1882-1951م)
ولد جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، طيب الله ثراه، في مكة المكرمة في الرابع من نيسان/ أبريل من عام 1882م، ومنذ الطفولة اطلع الأمير عبدالله - آنذاك - على تاريخ القبائل وأعراف البدو، فنال من ثقافتهم وعرف العادات القبلية، وكان لذلك أثره البالغ في شخصيته في ما بعد؛ إذ غدا قصر رغدان الذي بني عام 1927م في عمان مقصداً للشعراء والأدباء الذين بادلهم الشعر وناظرهم فيه.
وتلقى جلالته علومه في مكة وإسطنبول، فمنحته الأولى الإيمان العميق، ومركزية الوعي وحمل طموحات العرب والمسلمين وآمالهم، وأعطته الثانية الخبرة في السياسة والحنكة والحكمة.
وتجسدت في شخصية جلالته الخبرة السياسية، والقدرة الفائقة على اجتياز الأزمات والتدخل الحاسم، فخلال الثورة العربية غدا الملك المؤسس، واحداً من قادتها، وبعد أن أعلن فيصل ملكاً على سوريا ظل الأمير عبدالله في صحبة والده في مكة، ولكن نهاية الحكم العربي في دمشق بعد معركة ميسلون 24 تموز/يوليو 1920م، دفعت به للقدوم إلى شرق الأردن؛ لتبقى راية الثورة العربية مرفوعة، ولتأسيس قاعدة انطلاق لدعم الثوار العرب ضد الانتداب الفرنسي وتحرير سوريا.
جاء الملك المؤسس إلى أرض الأردن مجاهداً، وقضى شهيداً على أرض القدس الطاهرة، التي دافع عنها فسال دمه الزكي عند عتبات المسجد الأقصى، في العشرين من تموز/يوليو 1951م، وعلى مقربة من ضريح والده الشريف الحسين، الذي ضحى بعرشه في الحجاز على أن يفرط بذرة من أرض القدس وفلسطين، يوم كان ذاهباً إلى صلاة الجمعة التي كان يحرص على أدائها في الأقصى، وكان برفقته حفيده الشاب جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهما.
وكان القدر يواجه الملك المؤسس، ويفتح عين الشاب الملك الحسين أمام حدث كبير ومصاب جلل، قال عنه الملك الحسين بعدها: "في هذا اليوم قد تساوت عندي قيم الحياة والموت".
وقد ترك الملك المؤسس مجموعة من الآثار الأدبية وهي: مذكراتي، الأمالي السياسية، من أنا، بين الدر المنثور والمنظوم، جواب السائل عن الخيل الأصائل، وقد جمعت في كتاب الآثار الكاملة.
الملك طلال بن عبدالله (1909 - 1972م)
ولد جلالة الملك طلال بن عبدالله طيب الله ثراه في مكة في 8 كانون الثاني/يناير 1909، وتلقى دراسته الأولية في عمان، وعين مرافقاً لوالده أمير البلاد برتبة ملازم فخري، التحق بكلية ساند هيرست العسكرية في بريطانيا، وتخرج برتبة ملازم، التحق بجده الشريف الحسين بن علي أثناء فترة نفيه إلى قبرص حتى عودته إلى عمان، ونودي به ملكا دستوريا على المملكة الأردنية الهاشمية في 6 أيلول/سبتمبر عام 1951.
واصل جلالة الملك طلال بن عبدالله، طيب الله ثراه، مسيرة البناء والحكم برؤية استشرافية، استنادا إلى ما أرساه الملك المؤسس من أُسس بنيت على قواعد الوسطية والاعتدال والعدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.
خلال أقل من سنة حكمها جلالة الملك طلال بن عبدالله، أنجز الدستور الأردني لعام 1952م، الذي جسد آفاق التطور السياسي، المرتكز إلى ضرورة مشاركة الشعب في صنع القرار، وأرسى من خلاله دعائم الوحدة الوطنية والقومية، ووطد الركن النيابي، وأقر في عهد جلالته حق التعليم المجاني، وأنجزت العديد من التشريعات، وسعى جلالته إلى توطيد العلاقات الأردنية مع السعودية وسورية ومصر، حيث تم في عهده توقيع" اتفاقية الضمان الجماعي العربي".
ولكن تعذر استمرار جلالته في الحكم بسبب مرضه، فكان القرار الدستوري بتشكيل مجلس الوصاية في 11 آب/أغسطس 1952م، ريثما يبلغ الملك الحسين السن القانونية، بموجب الدستور، وهو اليوم ذاته الذي تمت فيه مبايعة جلالته ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية.
الملك الحسين بن طلال (1935 - 1999م)
على مدى سبعة وأربعين عاما من قيادة جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، شهد الأردن نهضة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان جلالته رجل حرب وسلام، بما امتلكه من شجاعة ورؤية استشرافية.
ولد جلالة الملك الحسين بن طلال في عمان في 14 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1935م، وحظي برعاية جده الملك المؤسس، حيث تلقى علومه التربوية والعسكرية في مدارس الأردن وخارجها، واعتلى جلالته في 11 آب/أغسطس من عام 1952م، عرش المملكة الأردنية الهاشمية، فيما تولى في الثاني من أيار/مايو 1953م، سلطاته الدستورية في ظروف عربية ودولية حرجة ودقيقة.
واستطاع جلالته أن يحقق أعلى مستويات النهوض السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون الباني لأردن الاعتدال والوسطية، ويحقق أفضل نوعية حياة لشعبه، مثلما واصل الأردن، في ظل قيادته، أداء دوره العربي والإقليمي والدولي بتكامل وتأثير وبرؤية المستقبل.
وعمل جلالته على تحسين المستوى المعيشي للمواطن الأردني، انسجاما مع الشعار الذي رفعه (الإنسان أغلى ما نملك)، كركيزة أساسية في توجيه الخطط التنموية، وتأكيد ضرورة توزيع مكتسبات التنمية لتشمل كل المناطق وجميع فئات الشعب.
وأولى جلالته القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي - اهتماما خاصا، والتي سطر منتسبوها في معركة الكرامة الخالدة، في 21 آذار/مارس 1968م، أعظم انتصار، أعاد روح الثقة والانتصار لكل العرب، بعد حرب حزيران بين العرب وإسرائيل عام 1967م.
ولما كان اجراء الانتخابات النيابية مستحيلا في الضفة الغربية، التي كانت جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، نتيجة احتلال إسرائيل لها، جاءت المجالس الإستشارية لملء الفراغ الدستوري.
وعندما كانت إرادة الأشقاء بأن يتولوا المسؤولية بأنفسهم، كان القرار الأردني في مؤتمر الرباط عام 1974م بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، وليتبع ذلك قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية عام 1988م، وبالتالي تسنى للأردن استئناف مسيرته الديمقراطية الدستورية، فكان عام 1989م بداية الديمقراطية الأردنية الحديثة، على قاعدة التعددية السياسية، وتأكيد نهج الشورى، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لتشمل المرأة، مرشحة وناخبة.
وعلى الصعيد الإقليمي والعربي، كان الأردن من المؤسسين لجامعة الدول العربية، والملتزم والمحترم لقراراتها، وأدى جلالة الملك الحسين دورا محوريا في وحدة الصف والعمل العربي المشترك، ودعم القضايا العربية خاصة القضية المركزية، فلسطين.
وكان جلالته رجل حرب وسلام، ويمتاز بالشجاعة وبعد الرؤية، وظهر ذلك جلياً في كتابه "مهنتي كملك"، بقوله: "..لقد قاتل الهاشميون منذ أربعة أجيال، في سبيل القضية نفسها والهدف والغاية نفسهما، كان الشريف الحسين في مكة أول من رفع الراية، ثم جاء بعده الملك عبدالله وتلاه والدي، أما أنا من أبناء الجيل الرابع الذي قاتل في القضية نفسها والهدف والغاية نفسهما".
ترك الملك الحسين مجموعة من الآثار الأدبية والسياسية وهي: "ليس من السهل أن تكون ملكاً"، "حربنا مع إسرائيل"، "مهنتي كملك".
الملك عبدالله الثاني ابن الحسين (1962 - حتى الآن)
تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية ملكاً للمملكة الأردنية الهاشمية، في السابع من شهر شباط/فبراير 1999م، يوم وفاة والده جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، وهو الحفيد الحادي والأربعون للنبي محمد، -صلى الله عليه وسلم-.
ولد جلالة الملك عبدالله الثاني في عمان، في الثلاثين من كانون الثاني/يناير 1962م، وهو الابن الأكبر للملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، والأميرة منى الحسين. ولجلالته أربعة إخوة وست أخوات. تلقى جلالته علومه الابتدائية في الكلية العلمية الإسلامية في عمان عام 1966م، لينتقل بعدها إلى مدرسة سانت أدموند في بريطانيا، ومن ثم بمدرسة إيجلبروك وأكاديمية دير فيلد في الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الثانوية.
وفي إطار تدريبه كضابط في القوات المسلحة الأردنية، التحق جلالته بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة عام 1980م، وبعد إنهاء علومه العسكرية فيها قُلِّد رتبة ملازم ثان. وعين بعد ذلك قائد سرية استطلاع في الكتيبة 13/18 في قوات الهوسار (الخيالة) الملكية البريطانية، وفي عام 1982م التحق بجامعة أكسفورد، حيث أنهى مساقاً في الدراسات الخاصة في شؤون الشرق الأوسط.
ولدى عودته إلى أرض الوطن، التحق بالقوات المسلحة الأردنية برتبة ملازم أول، وخدم كقائد فصيل ومساعد قائد سرية في اللواء المدرع الأربعين. وفي عام 1985م، التحق بدورة ضباط الدروع المتقدمة في فورت نوكس في ولاية كنتاكي في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 1986م كان قائداً لسرية دبابات في اللواء المدرع 91 في القوات المسلحة الأردنية برتبة نقيب، كما خدم في جناح الطائرات العمودية المضادة للدبابات في سلاح الجو الأردني، وقد تأهل قبل ذلك كمظلي في القفز الحر وكطيار مقاتل على طائرات الكوبرا العمودية.
وفي عام 1987م التحق جلالته بكلية الخدمة الخارجية في جامعة جورج تاون في واشنطن،كما أنهى برنامج بحث ودراسة متقدمة في الشؤون الدولية، في إطار برنامج "الماجسيتر في شؤون الخدمة الخارجية".
خدم جلالته كمساعد قائد سرية وكقائد كتيبة في كتيبة الدبابات الملكية، ثم رفّع إلى رتبة رائد. كما حضر دورة الأركان في كلية الأركان الملكية البريطانية في كمبرلي في المملكة المتحدة.
خدم جلالته في الفترة من عام 1991م - 1992م كممثل لسلاح الدروع، في مكتب المفتش العام في القوات المسلحة الأردنية، وقاد كتيبة المشاة الآلية الملكية الثانية. وفي عام 1993م أصبح برتبة عقيد في قيادة اللواء المدرع الأربعين، ومن ثم أصبح مساعداً لقائد القوات الخاصة الملكية الأردنية، ثم قائداً لها برتبة عميد. وفي عام 1996م أعاد تنظيم القوات الخاصة لتتشكل من وحدات مختارة، لتكون قيادة العمليات الخاصة. وترقى جلالته إلى رتبة لواء عام 1998م، وفي العام ذاته خلال شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو، حضر جلالته دورة إدارة المصادر الدفاعية في مدرسة مونتيري البحرية.
بالإضافة إلى خدمة جلالته العسكرية كضابط، فإنه تولى مهمات نائب الملك عدة مرات في أثناء غياب جلالة الملك الحسين -طيب الله ثراه- عن البلاد. وقد صدرت الإرادة الملكية السامية في 24 كانون الثاني 1999م بتعيين جلالته ولياً للعهد، علماً بأنه تولى ولاية العهد بموجب إرادة ملكية سامية صدرت وفقاً للمادة 28 من الدستور الأردني يوم ولادة جلالته، في 30 كانون الثاني 1962م ولغاية 1 نيسان/ابريل 1965م.
واقترن جلالته بالملكة رانيا في العاشر من حزيران/يونيو 1993م، ورزق جلالتاهما بنجلين؛ هما سمو الأمير الحسين، ولي العهد، الذي ولد في 28 حزيران/يونيو 1994م، وسمو الأمير هاشم الذي ولد في 30 كانون الثاني/يناير 2005م، وبابنتين هما سمو الأميرة إيمان التي ولدت في 27 أيلول/سبتمبر 1996م، وسمو الأميرة سلمى التي ولدت في 26 أيلول/سبتمبر 2000م.