مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفة الوطن السعودية
الوطن: بعد ثلاث سنوات من توليكم مقاليد الحكم خلفاً للراحل والدك الحسين كنتم قد أعلنتم عن رؤى جديدة للمملكة خاصة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي فما مدى ما تحقق من ذلك حتى الآن؟
جلالة الملك: حددنا في البداية مجموعة من المرتكزات اللازمة للتحديث الاقتصادي والاجتماعي، مثل تنمية الموارد البشرية من خلال التدريب والتعليم التقني والمهني المتقدم، تخفيض عبء المديونية، تخفيض عجز الموازنة العامة، تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي والاندماج الإيجابي في الاقتصاد العالمي، الإسراع في برامج وعمليات التخاصية، تنمية المحافظات ومكافحة الفقر والبطالة من خلال برامج قائمة على الإنتاجية، وغيرها من القضايا التي شكلت أولويات هامة في رؤيتنا للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي.
وكما تعلمون، فقد كان حرصنا كبيرا على أن يتم تنفيذ الأنشطة التنموية وعمليات الإصلاح من خلال شراكه حقيقية بين القطاعين العام والخاص، ليلعب القطاع الخاص الدور المطلوب في تنفيذ هذه الأنشطة ورسم سياسيات وإستراتيجيات الإصلاح المختلفة.
وتمشياً مع هذا النهج، فقد أتحنا الفرصة للقطاع الخاص للعب دور رئيسي، صناعة مستقبل الاقتصاد الوطني الذي يحدد إلى حد كبير الوضع الاجتماعي للمواطن ( ومن الأمثلة على ذلك الملتقى الاقتصادي الوطني الأول والثاني، تشكيل المجلس الاقتصادي الاستشاري، تبني العديد من المبادرات التي طرحها القطاع الخاص الذي ساهم أيضاً في تعديل التشريعات).
وقد كانت الإنجازات جيدة حيث تمكن الأردن من:
- دخول الأردن في عضوية منظمة التجارة العالمية.
- توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأميركية.
- اتفاقية الشراكه الأردنية الأوروبية التي استكملت عملية مصادقة البرلمانات الأوروبية عليها مؤخراً.
- تحويل العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة.
- تبني العديد من المبادرات والتي ساعدة على تحفيز وتحريك عجلة النمو الاقتصادي المستدام مثل مبادرة تطوير تكنولوجيا المعلومات(ريتشي) ، مشروع الحكومة الإلكترونية، مأسسة عملية اتخاذ القرار الاستثماري من خلال إنشاء هيئة عليا للاستثمار.
- لدينا سياسات اقتصادية ومالية ونقدية وبيئة تشريعية أكثر مرونة للاستجابة لمتطلبات العولمة والانفتاح الاقتصادي.
- بدأت عمليات الإصلاح المالي والإداري تؤتي ثمارها.
- بدأنا بتنفيذ برنامج طموح للتحول الاقتصادي والاجتماعي من شأنه الإسراع في إحداث أثر مباشر على مستوى معيشة أبناء وبنات الوطن في كافة مناطق المملكة، ركزنا فيه على وضع خطط طموحة لتنمية الموارد البشرية وتحسين وتطوير الخدمات الحكومية الأساسية والإسراع بعمليات الإصلاح بكافة أشكالها.
كل ذلك ساهم في تحقيق مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني، وطموحنا أكثر مما تحقق ، (ولكن الظروف السياسية في المنطقة والعالم، وتراجع عملية السلام، الحصار على العراق الشقيق، وأحداث 11 أيلول، والركود الذي يشهده الاقتصاد العالمي) كل ذلك شكل تحدي كبير للإقتصاد الوطني، ورغم ذلك فإن ما حققناه من مؤشرات إيجابية خلال العام الماضي كان جيداً مقارنة بالظروف العالمية، ولكننا دائماً نطمح للأفضل، والمستقبل مشرق، بإذن الله.
الوطن: على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه الأردن لكنكم وضعتم خططاً وبرامج من شأنها النهوض بالوضع الحالي، خاصة في مجال تقنية المعلومات والدخول في شراكة تجارية مع دول أوروبية والولايات الأميركية، وتحويل العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة فإلى أي مدى ممكن أن تساهم الخطوات بالنهوض بالاقتصاد الوطني؟
جلالة الملك: هذه الخطوات في غاية الأهمية، فبالنسبة لتكنولوجيا المعلومات فقد جاءت المبادرة استجابة لرغبة القطاع الخاص، ونفذنا جزء كبير من مطالبه... قمنا بتعديل العديد من القوانين، مثل تشجيع الاستثمار، والعمل، وبراءات الاختراع وغيرها، وقوانين الملكية الفكرية، وقعنا على اتفاقية تكنولوجيا المعلومات مع منظمة التجارة العالمية، استكملنا إعفاء مدخلات القطاع من الرسوم الجمركية، الآن يساهم القطاع الخاص في تطوير مناهج وبرامج الحاسوب لطلبة المدارس والجامعات الذين يدرسون الآن مهارات تكنولوجيا المعلومات، ويجري تنفيذ مشروع الحكومة الإلكترونية وفق الخطط الموضوعة.
ومؤشرات أداء هذا القطاع تعتبر إيجابية، إذ ارتفع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر فيه إلى أكثر من 60 مليون دولار، تضاعف عدد العاملين في القطاع، نمت صادرات القطاع بنسب كبيرة، وتضاعف عدد مستخدمي الحاسوب والإنترنت، والأهم من ذلك أننا وفرنا خدمات تكنولوجيا والمعلومات في كافة مناطق المملكة من خلال تأسيس مراكز مجتمعية لتكنولوجيا المعلومات لخدمة أبناء وبنات الوطن.
اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة يعول عليها الكثير في دعم مسيرتنا الاقتصادية، خاصة في مجال جذب الاستثمار وتوطين التكنولوجيا وخلق فرص العمل وزيادة الصادرات، وتجربتنا في المناطق الصناعية المؤهلة تعطينا مؤشراً إيجابياً للآثار التي يمكن أن تعكسها الاتفاقية على اقتصادنا الوطني.
بالنسبة للشراكة الأردنية الأوروبية، فقد تم استكمال المصادقة عليها من قبل البرلمانات الأوروبية مؤخراً، ومع أن الجانب الاقتصادي ليس الإطار الوحيد للتعاون بموجب هذه الاتفاقية (إذ تشمل التعاون في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي وغيرها) إلا أننا نتوقع أن يكون لها أثر ملموس على حركة التجارة والاستثمار وسوق العمل.
بالنسبة لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، فقد تبنينا فكرة إقامة مثل هذه المنطقة كأسلوب اقتصادي لتوفير بيئة استثمارية نموذجية منافسة، لجذب حجم كبير من الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، وتعظيم معدلات النمو الاقتصادي وخلق عدد كبير من فرص العمل .
الحمد لله، فرغم كافة الظروف والتداعيات التي تشهدها المنطقة والعالم، فإن المؤشرات تدعو للتفاؤل، حيث يجري الآن تنفيذ مجموعة من المشاريع الاستثمارية تبلغ استثماراتها مئات الملايين من الدنانير، وتملك العقبة من المزايا التنافسية ما يؤهلها لتكون داعم رئيسي لتحقيق معدلات نمو اقتصادي واجتماعي مستدام تدعم التنمية في باقي مناطق المملكة.
الوطن: تعرض الأردن إلى هزة بسبب قضية التسهيلات المصرفية، وقد تعاملتم معها بجزم وشفافية، هل لمثل تلك القضية أن تقوي أو تضعف الاقتصاد الأردني؟
جلالة الملك: في الحقيقة، كان لقضية التسهيلات في لحظة ظهورها أثر بسيط وقصير الأمد على الجهاز المالي والمصرفي وسوق رأس المال، إلا أن تعاملنا معها منذ البداية بحزم وشفافية مطلقة، ساهم في تعزيز مناعة جهازنا المالي والمصرفي، خاصة بعد أن تبين أن القضية محصورة على نطاق ضيق، ويمكن التعامل معها من قبل البنك المركزي والحكومة.
إنني مطمئن على سلامة الجهاز المالي والمصرفي وودائع المودعين لدى البنوك، والمؤشرات تؤكد، والحمد لله، على أن الجهاز المصرفي في المملكة على أحسن مستوى، وأن المالية العامة للبنوك جيدة، والموضوع الآن لدى القضاء الذي سيقول الكلمة الفصل في هذه القضية.
الوطن: الأردن تبنى خطاً واضحاً ومعلناً في مقاومة الإرهاب، ومن المعروف أنه عانى خلال العقد الأخير من الإرهاب حتى أنه كاد يصل إلى شخصكم في محاولة فاشلة أعلنتم عنها سابقاً، هل تشعرون أن الأردن ما زال مستهدفاً من دول وجماعات إرهابية؟
جلالة الملك: الأردن كغيره من البلدان، استهدف من قبل مجموعات إرهابية، ولكن وعي شعبنا ويقظة الأجهزة الأمنية حالت بحمد الله دون تحقيق الإرهابيين مآربهم في زعزعة أمن الأردن واستقراره... وعلى كل حال فإننا حين نعمل من أجل تحقيق تطلعات شعبنا وطموحاته، فإننا لا نخشى أحد أبداً. ولكن أود أن أوضح حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي أن الإسلام بريء من محاولات إلصاق الإرهاب به، وإننا قادة وشعوب يجب أن ندافع عن الإسلام الحقيقي الذي ينبذ العنف وقتل الأبرياء، فهو دين تسامح ومحبه، لا يمكن لمن يمارسون الإرهاب أن يدعو أنهم يمثلونه.
الوطن: الوضع في فلسطين متفجر في ظل حكومة شارون، هل تعتقدون أن ثمة فرصاً ما زالت للسلام، وكيف يمكن بلوغ ذلك؟ وهل تعتقدون أن الجهد العربي كاف من أجل وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني؟
جلالة الملك: للأسف، الوضع في الأراضي المحتلة حرج للغاية، وأخشى من أن استمرار العنف والاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني سيخرج الأمور عن السيطرة، لقد حذرنا مراراً من سياسة التصعيد العسكري ونتائجها الوخيمة على الوضع والاستقرار في المنطقة، ونود أن نؤكد أن القتل والتدمير والحصار لن يجلب السلام، وأن أمن إسرائيل ومستقبل التعايش لشعوب المنطقة كافة يكمن في اعتراف إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني، وتطبيقها لقرارات الشرعية الدولية وبالأساس قرارات مجلس الأمن (242 و 338).
إن سياسة فرض الأمر الواقع الذي تنتهجه إسرائيل غير مقبول أبدا، ولن تتمكن إسرائيل بهذا الأسلوب من فرض إرادتها على الشعب الفلسطيني، وبرغم التدهور الأمني الخطير على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، فإننا نرى أن الحل الوحيد الذي يضمن الأمن ويوفر السلام هو بالحوار وحل القضايا بالطرق السلمية، والفرصة ما زالت سانحة لاستئناف عملية السلام. أما عن الموقف العربي، فنحن والقيادات العربية سواء في السعودية أو مصر لم نترك فرصة ولم ندخر جهداً للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي، وكانت جهودي خلال زيارتي الشهر الماضي للولايات المتحدة منصبة حول توضيح الموقف العربي وشرح معاناة الشعب الفلسطيني، ومطالبة الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف العدوان، وتهيئة الظروف الملائمة للعودة إلى عملية السلام.
الوطن: أعلن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله عن مبادرة سياسية لحل القضية الفلسطينية كيف ترون الإمكانية إلى تطبيقها؟
جلالة الملك: مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزيز، عبرت بشكل واضح عن الموقف العربي حول السلام في الشرق الأوسط ، لقد أيدنا المبادرة منذ إعلانها، حيث حظيت الآن بمؤازرة عربية واسعة وتأييد أميركي وأوربي ودولي، وهذا أمر إيجابي وعلينا أن نحشد كل الدعم لإنجاح هذه المبادرة، وإلزام إسرائيل بالاستجابة إليها، وكنت سابقاً طرحت موقفاً اعتقد أن العرب يدعمونه، وهو الاعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للبقاء إلى جانب دولة إسرائيل، التي يجب أن تعيش بأمن مع جيرانها العرب، والكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.
الوطن: يلوح في الأفق ضربـة مرتقبة للعراق، ألا تعتقدون أن من شأن ذلك أن يضر بالقضية الفلسطينية ويضعف الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب؟
جلالة الملك: ضرب العراق كارثة، هذا ما عبرنا عنه في أكثر من موقف، وما زلنا نؤكد أن لا سبيل لحل القضايا العالقة مع العراق سوى بإجراء حوار مباشر بين العراق والأمم المتحدة، يضمن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وينهي الحصار المفروض على العراق الشقيق، وبالتأكيد فإن أي ضربة للعراق ستكون لها نتائج خطيرة على استقرار المنطقة كلها، وعلى الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب أيضاً.
الوطن: أعلنتم عن النية لإجراء الانتخابات في أيلول المقبل، ما هي الضمانات للتيار الإسلامي والقوى السياسية التي قاطعت في الماضي انتخابات 1997 للمشاركة هذا العام؟
جلالة الملك: الضمانات للجميع، هي أن الانتخابات ستجري بحرية ونزاهة تامة، وقد أثبتت تجربة مقاطعة الانتخابات من قبل بعض القوى السياسية خسارة لهذه القوى، ونأمل من جميع المواطنين المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة لإختيار من يعتقدون أنه الأقدر على تمثيلهم والتعبير عن آرائهم.