مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع وكالة فرانس برس
فرانس برس: كان هناك جدل واسع حول تصريحات جلالتكم المتعلقة بالهلال الشيعي.. فما الذي أردتم قوله بالضبط.. وما هي مخاوفكم؟
جلالة الملك: للأسف.. البعض ذهب بعيدا في تفسيراته وتأويلاته.. في محاولة يائسة لتزييف الحقائق، وتحقيق ما يخططون له من مطامح وأجندات خاصة.. فنحن ندرك الخطر الكبير الكامن في حالة انقسام العراقيين.. ومن واقع حرصي كملك عربي هاشمي.. على لحمة الشعب العراقي الشقيق.. وتوحيد صفوفهم وكلمتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم.. حذرت من محاولات البعض زرع الفرقة وإشعال الفتنة الطائفية في العراق.. خاصة بعد أن تعالت بعض الأصوات هنا وهناك في العراق، تتحدث عن إقامة فيدرالية مستقلة في الجنوب العراقي.. وهذه دعوة صريحة ومشبوهة للبتر والتقسيم.. وواجبنا يحتم علينا أن نحذر من أية محاولة هدفها تمزيق وحدة الشعب العراقي أو إيجاد تفرقة طائفية بغيضة مهما كانت.. فنحن الأقرب إلى الشيعة.. فهم تشيعوا لآل البيت.. وأنا كملك هاشمي عندما أتحدث أشعر بأنني أتحدث عن جميع المسلمين.. سنة وشيعة. وكما قلت سابقا نحن حريصون على أن يبقى السنة والشيعة معا كما كانوا دائما، وسنقف في وجه أي فئة تحاول المساس بهذه العلاقة المتميزة.. وسنقف بقوة بوجه أي كان، يحاول المساس بالعلاقة التاريخية الراسخة التي تربطنا بإخواننا الشيعة.. وأنا وأسرتي العربية الهاشمية، من آل البيت الذين أكرمهم الله بنسبهم.. نحن حملة رسالة وأمانة.. نداؤنا ظل على مر السنين نداءا عربيا مسلما خالصا.. حملنا دوما هم الأمة التي تبقى مصالحها فوق كل الاعتبارات.. ولن نقبل أن تكون هناك أي مزايدات علينا من قريب أو بعيد.
فرانس برس: الانتخابات العراقية على الأبواب.. فماذا تقولون جلالتكم؟
جلالة الملك: إن جهودنا موصولة من أجل الحفاظ على وحدة الأهل في العراق، وسيادتهم الكاملة على أرضهم.. كما نحن حريصون على مسيرة هذا البلد لبناء نفسه وغده المشرق وبناء إنسانه القادر على الإسهام في مستقبل المنطقة والإنسانية جمعاء.. وكما أكدت مرارا نحن ندعم ونساند جهود العراقيين المخلصة في التماسك والتوجه بخطى ثابتة نحو تقرير مصيرهم ومستقبلهم الحر الآمن، والمشاركة في الانتخابات التي هي الطريق الواقعي الجديد لتحقيق الأمن والاستقرار، ولقيام عراق ديمقراطي تعددي، يتبوأ مكانته المتميزة في العالم، ويواصل دوره التاريخي والحضاري، وتكون فيه آفاق الحياة الكريمة متاحة لجميع العراقيين.. ما نسعى إليه هو مشاركة جميع العراقيين في تحقيق الأمن والديمقراطية وصياغة الدستور الجديد، وهذا يصب في مصلحة العراق ومصلحتنا جميعا ومصلحة مسيرة السلام برمتها في المنطقة.
فرانس برس: الشعب الفلسطيني مارس خياره الديمقراطي.. وانتخب محمود عباس رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية.. فكيف تنظرون جلالتكم لهذه التجربة.. وهل " أبو مازن" هو الرجل القادر على صنع السلام؟
جلالة الملك: الشعب الفلسطيني الشقيق حقق إنجازا عظيما.. تجلى في ممارسته الديمقراطية الرفيعة، وتجسيد إرادته الحرة.. واستطاع بهذه الخطوة أن يمهد الطريق لمجابهة تحديات المرحلة بكل شجاعة وعزم وإيمان.. وتحقيق تطلعاته الوطنية في الحرية والرفاه وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني... وهذه الانتخابات التي جرت بسلاسة شكلت انطلاقة جدية نحو رسم ملامح فجر جديد للفلسطينيين.. والأخ أبو مازن لديه رؤية ولديه أجندة وأولويات.. فهو دائما كان ضد العنف.. ويؤمن بالحوار.. وهو يحتاج إلى أن نمنحه الدعم حتى يتمكن من إعادة بناء مؤسسات الحكم وتنظيم الأجهزة الأمنية وتأكيد سلطته على كافة المناطق الفلسطينية.. وهو قادر على أن يكون شريكا قويا وفاعلا في عملية السلام.. فهناك الكثير من الصعاب التي تواجهه.. وهو قادر على تجاوزها.. وعلينا أن نمنحه كل المساعدة والدعم والوقت، حتى يتمكن من التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني.. وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل.. للعودة مجددا إلى استئناف مفاوضات السلام.. فإسرائيل إذا أرادت السلام فعلا فهي مطالبة بتقديم كل المساعدة للقيادة الفلسطينية.. والتخفيف من معاناة الفلسطينيين الاقتصادية.. واغتنام الظروف الحالية لفتح قنوات الحوار معها بالسرعة الممكنة.. ونرى الآن بعض البوادر المشجعة، التي من شأنها أن تسهم في دفع عملية السلام للأمام.. والبدء بتحقيق أحلام الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في السلام العادل والدائم والازدهار والتعايش.
فرانس برس: الزيارة التي يقوم بها "أبو مازن" اليوم إلى عمان.. ماذا عنها؟
جلالة الملك: زيارة الأخ " أبو مازن" تأتي في إطار التشاور المستمر بيننا.. ونحن حريصون على تقديم كل الدعم والمساندة للقيادة الفلسطينية في جهودها الرامية إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة في إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة.. فالفلسطينيون هم أهلنا وأشقاؤنا.. وسنعمل ما بوسعنا من أجل مساعدتهم على نيل حقوقهم، وتجاوز ظروفهم الصعبة ومعاناتهم القاسية.. حتى يتمكنوا من العيش بأمن واستقرار.
فرانس برس: هل أنتم متفائلون بالنتائج التي ستحققها برامج الإصلاح في الأردن؟
جلالة الملك: نعم وإلى أقصى درجات التفاؤل.. لنا رؤيتنا من أجل تمكين الأردن من أن يثبت أركان تجربته الجديدة.. وعناصر قوة الأردن في المستقبل هي الحفاظ على تميزه كنموذج في الانفتاح السياسي والاقتصادي والأمن والاستقرار والديمقراطية وتبني مفهوم التنمية الشاملة بأبعادها المختلفة.. العالم من حولنا يتغير.. والجميع منهمك في عمليات التطوير.. لمواكبة تحديات العصر، بأدوات وأساليب جديدة.. ونحن أيضا نتعامل مع الواقع بلغة جديدة.. حتى نتمكن من السير للأمام بخطوات واثقة لتحقيق المستقبل الذي يليق بأبناء وبنات شعبنا.. من خلال ضمان مشاركة مختلف الفعاليات والقواعد الشعبية في عملية التنمية وإحداث التغيير.. وهاجسي الأول، هو تحسين الوضع المعيشي للمواطنين وتأمين المستقبل الآمن لهم.. وتطوير الاقتصاد وإبقاء الأردن على خريطة العالم مركزا متميزا في المنطقة ونموذجا يحتذى في مختلف المجالات.. ونحن واثقون من أن برامجنا الإصلاحية، ستحقق نتائجها المرجوة.. ومصممون على المضي قدما في سعينا نحو بناء الأردن الحديث المنفتح القائم على التعددية والديمقراطية والاعتدال واللا مركزية.. ولدينا رؤيتنا وبرامجنا الواضحة لتحقيق ذلك.. وكما قلت بالأمس فلا بد من توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في مسيرة الإصلاح والتنمية والتي تحتاج إلى جهد ودعم كل واحد وواحدة من أبناء وبنات الوطن.. ونجاحنا سيمهد الطريق أمام الكثيرين في المنطقة.. للإصلاح والتغيير، وهذه العملية تأتي في سياق عملية تنمية شاملة مستمرة ومتكاملة وذات أهداف مدروسة.