النزاع المحوري الرئيسي والقيم المحورية الرئيسية: الملك عبدالله الثاني حول الشباب واحتمالات السلام
وأنا أكتب، يتطلّع الأردن والعالم العربي إلى "طفرة الشباب" التي تحمل لنا وعدا بتحويل تاريخ منطقتنا كما حوّلت طفرة النفط، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تاريخ المنطقة. فمن بين سكَّان المنطقة البالغ عددهم 325 مليونا، هناك ما يزيد عن 200 مليون دون سن الرابعة والعشرين. ونسبة السكَّان المُشكّلة من الشباب تتنامى ولن تصل ذروتها إلاّ بعد عام 2040م.
وهذا يعني أنه في العقود الأربعة أو الخمسة المقبلة ستكون غالبية قاطني الشرق الأوسط، وهي منطقة ذات إمكانات عظيمة وإن كان معظمها لم يُفجّر بعد، من مواطنين في قمّة حياتهم الإنتاجية. وهؤلاء الشبّان والشابات يمكن أن يحققوا لأنفسهم ومجتمعاتهم مستويات معيشية كتلك السائدة في أوروبا، وأميركا الشمالية، والكثير من بلدان آسيا. ولكن نجاحهم سيعتمد على ما يتم عمله الآن لتمكينهم من خلال التعليم، وتوفير الفرص، وقيامهم بدور في إحداث التقدّم.
وفي الأردن، يعمل القطاعان الخاص والعام والمنظمات غير الحكومية معا لتلبية تلك الحاجات. وقد اتّخذت بلادنا فعلاً قرارات صعبة متصلة بالإصلاحات الهيكلية والاقتصادية، كي نضمن توريث الأجيال القادمة اقتصادا مستقرا يتّسم بالتنافسية طويلة المدى على المستوى العالمي. وفي الأردن، أدّت السياسات المالية والاقتصادية السليمة، والتزامنا بالقطاع الخاص، والنمو الذي تقوده التجارة، إلى نتائج ملموسة: اقتصاد أكثر انفتاحا، تنوّع متنامٍ في الصادرات والاستثمارات، المزيد من الفرص، ومستويات معيشية أعلى للأردنيين، وسبع سنوات من النمو الاقتصادي بمعدّل نمو يبلغ نحو 6% سنويا (كان 6.4% في عام 2006م).
مثل هذه النتائج تعكس عملية تتيح للحكومة أن تركّز على الحكم، وتتيح للقطاع الخاص أن يدفع بالنمو الاقتصادي إلى الأمام، وتجمعهما معا لتعظيم التأثير في مجالات تشكّل حاجة وطنية هامة ملحّة. وأحد مجالات التعاون هو التعليم.
لقد حظي النظام التعليمي في الأردن باعتراف وتقدير عالميين لما وفَّره من إمكانية وصول متساوية، وما حققه من إنجازات، من مرحلة الروضة إلى الجامعة. ونريد أن نبني على هذا التاريخ لتلبية حاجات القرن الحادي والعشرين. وهذا يتطلَّب توسيع المعرفة ومجموعات المهارات لشبابنا لإعدادهم لسوق العمل المعاصر، ودعم إبداعهم ومواهبهم.
وجهود القطاعين العام والخاص مثل مبادرة التعليم الأردنية عملت على إدخال أحدث تكنولوجيا للمعلومات والاتصالات في غرفة الصف. والإصلاحات التي أجريت على المناهج المدرسية تستهدف المهارات الفنية والمهنية، كما يجري توسيع فرص التدريب.
وفي مرحلة مبكِّرة من هذا العام، عملت وزارة العمل والقوات المسلّحة الأردنية ومنشآت القطاع الخاص على البدء في برنامج فريد يربط بين الوظائف والمهارات، سيتيح للأردنيين أن يتلقّوا تدريبا أثناء العمل في المهن التي يحتاجها قطاع البناء الذي يشهد طفرة واندفاعة تقف وراءهما استثمارات قياسية في الأردن.
نعلم أن الإبداع والقيادة الإنسانيين هما قلب التنمية في القرن الحادي والعشرين – وهما العامل المحرِّك لنجاح مجتمعات الأعمال والمجتمعات الثقافية في الأردن. ونريد أن نشجِّع الشبَّان ونُشْركهم على جميع المستويات. وأعتزّ بالقول بأن صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية لديه صندوق مكرّس لإبداع الطلاب وتميّزهم.
كما أن صانعي السياسة وقادة الأعمال يعملون على مساعدة الشبّان الأردنيين على تطوير قدرات صنع القرار التي تبرز الحاجة إليها في الاقتصاد الحديث، من مثل برنامج "إنجاز" الذي يعمل على بناء المهارات في مجالات مثل الاتصالات، وممارسة الأعمال، وحل المشكلات. وقد أطلق قادة الثقافة في الأردن مبادرة جديدة تتصل بالإنسانيات، لفتح مجالات وفرص جديدة أمام الشبان الأردنيين للتميّز في صناعة الأفلام، والتصميم والفنون الجميلة والأدائية – مما يغني الحياة الوطنية ويؤدي إلى التواصل مع مجموعة عالمية من الأقران والجماهير المتلقية.
ويجري توسيع الفرص الكبيرة الملموسة من خلال مبادرات تنموية رائدة مثل سُلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. وتستفيد سُلطة العقبة الاقتصادية الخاصة من مزايا العقبة التنافسية، وما فيها من نشاط سياحي وتسهيلات لوجستية – كما يجري دفع النمو إلى الأمام من خلال الحكم المحلي بعيدا عن المركزية، ومن خلال الحوافز الاستثمارية ذات المستوى العالمي. فهناك هيئة تنموية موحّدة تقوم بعملها لإيجاد بيئة اقتصادية جاذبة للاستثمار والإبداع وخلق الوظائف. وقد نجحت أكثر مما توقّعنا، وبدأنا في العالم الماضي بنقل هذا الأنموذج إلى مجتمعات أخرى. وجرت تسمية مناطق أخرى: في منطقة أقل حظّا في محافظة المفرق، وفي المدينة الجامعية في إربد، وندرس أيضا تطبيق هذه المبادرات في وادي الأردن ووادي عربة.
وهذه الجهود وغيرها لا تعمل فقط على استحداث وظائف جديدة، ولكنها تفتح أيضا آفاقًا جديدة للشبّان الأردنيين، مما يمكّنهم من الخلق والإبداع، والمشاركة في بناء المستقبل الذي يستحقّونه. ومع ذلك، فإننا نتبيّن أيضا بأن المستقبل لنا وللمنطقة بكاملها يعتمد على تحقيق السلام الإقليمي.
وكما برهن التاريخ في مناطق أخرى، مثلما برهن في منطقتنا، فإن النزاع المتواصل يشكّل حاجزا هائلاً أمام التعاون الذي يتجاوز الحدود، وتبادل المعرفة والتكنولوجيا، والاستثمار، والتجارة، وجميع العناصر الأخرى اللازمة لتكوين الاقتصادات الإقليمية الديناميكية المستدامة.
إن خطر العنف يشوِّه الثقة بعمق، مثلما يشوّه الأمن والقانون؛ وهي جميعها عناصر تعتمد عليها المجتمعات المستقرّة المزدهرة.
إن الشبّان العرب والإسرائيليين، من المسلمين والمسيحيين واليهود يجب أن يمكّنوا بالسلام. وضمان هذا يشكّل أعظم دعوة يمكن أن تصدر عنا لجيل القادة في أيامنا هذه، ويجب أن تبدأ بحلٍّ للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
إن هذا هو النزاع المحوري المهم في منطقتنا، وهو نزاع يؤثر على الحياة والمواقف عبر جميع الأجيال. والآن هو الوقت الحرج المهم كي ننهض إلى العمل، لمنع انتشار الفُرْقة والعنف في المنطقة وما يتجاوزها. وفي الواقع، هناك فرصة لتحقيق تسوية نهائية لهذا النزاع التاريخي.
ففي آذار الماضي، جدد القادة العرب بالإجماع مبادرة السلام العربية. وهي توفّر إطارا للمفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية شاملة دائمة للنزاع العربي- الإسرائيلي، بدءا من النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتطبيق هذه المبادرة سيشكل دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام- إسرائيل، وأخيرا، وبعد صبر طال أمده، دولة فلسطين المستقلة، وذات السيادة، والقابلة للحياة – إضافة إلى حل مُتّفق عليه لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، وضمانات أمن جماعية لجميع بلدان المنطقة، بما فيها إسرائيل.
اتخذ الأردن زمام المبادرة في السعي إلى تحقيق التزام عالمي متجدد بالسلام في الشرق الأوسط الذي يتطلّب إحلاله عملاً شاقا مضنيا. وفي هذا النهج، كما في غيره من الطرائق التي تقود إلى المستقبل، نرى دورا رئيسيا للقيادة من مختلف شرائح المجتمع – لا الحكومة فحسب، بل وأيضا عالم الأعمال، والوسط الأكاديمي، والمنظمات الإنسانية، وغيرها. ويجب أن يُشرك الجميع في التعامل مع هذه القضية باعتبارها أولوية عالمية، وفي بناء الإطار لتحقيق النجاح، وفي إيجاد عالم ما بعد الحرب.
ستوفر شراكتنا بداية جديدة لملايين الناس، وبخاصة الشبّان، الذين يحتاجون ويستحقّون المزايا التي يوفّرها القرن الحادي والعشرون، وينعم بها الكثيرون من أقران هؤلاء الشبّان في أرجاء العالم: تعليم جيّد، وعمل مُجْزٍ، والأمن والأمان لتربية أسرهم، والعيش بكرامة، والأردن ملتزم بتحقيق هذا الهدف.
إن لي مطلق الثقة بأن شبّاننا إذا ما مُكّنوا بالمعرفة والفرص والسلام والأمن والأمان، فإنهم سيعملون على تحويل منطقتنا بوسائل وطرائق متفرّدة تتجاوز حتى خيالنا.