ليس الفقراء وحدهم بحاجة للمساعدة
التقيت في البحر الميت الأسبوع الماضي عشرة من قادة الدول ذات الدخل المصنف في خانة الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، للتباحث حول موضوعات الازدهار المستقبلي والاستقرار الاجتماعي لدولنا. وهنا يجدر الإشارة أن دخل الفرد يزيد في دول المجموعة (مجموعة الاحدى عشرة) عن 875 دولارا، لكنه لا يتعدى 3465 دولارا في العام، ويقطن هذه الدول 40 بالمئة من سكان العالم.
أعتقد أننا بادرنا بفتح الطريق للخروج من الفقر نتيجة التزامنا المستمر تجاه تطبيق إصلاحات واسعة النطاق. ولكي نستمر في تقديم فوائد النمو الاقتصادي لشعوبنا اتفقنا على أن دولنا بحاجة إلى شراكة جديدة مع مجموعة الدول الصناعية الثماني لرفع دخولنا إلى مرتبة أعلى. لا شك في أن أجندة الدول الصناعية الثماني فيما يتعلق بالتنمية والمساعدات ركزت على الدول الأكثر فقرا. وهي الدول التي كثيرا ما تعاني من مشاكل كبرى في توفير الخدمات الحكومية الأساسية وحكم القانون وعدم الاستقرار السياسي.
ورغم ذلك، فإن الجهود الموجهة نحو الدول الأكثر فقرا لا تنفصل عن الهدف الأكبر المتمثل في التنمية الدولية للتأكيد أن الدول قادرة على تحقيق الازدهار واستمراره. ثمة اعتراف متزايد بالحاجة إلى دعم الدول ذات الدخل المتوسط من الشريحة الدنيا التي تبنت خيارات صعبة لتطبيق الإصلاحات وتحقيق النمو الاقتصادي.
لقد قطع الأردن وبقية دول المجموعة (كرواتيا وسلفادور وإكوادور وجورجيا وهندوراس واندونيسيا والمغرب وباكستان وباراغواي وسريلانكا) شوطا في هذا الاتجاه على نحو سيمكّن هذه الدول جميعا من الصعود في السلم الاقتصادي.
وهذا النجاح سيؤدي إلى إيجاد اقتصاد أكثر قوة واستقرارا وتعزيز القوة الشرائية وتوفير قدر أكبر من الموارد لعملية التنمية وفرص جديدة لدولنا ولشركائنا في التجارة والاستثمار. إن التقدم الذي أحرز في أكثر من مجال يساعد على إيجاد وضع اقتصادي يتسم بالازدهار والنمو لدولنا ولمناطقنا وللعالم.
وللوصول الى أهدافنا، قررنا تبنى خيارات اقتصادية صعبة يتطلبها النجاح. ففي الأردن اتبعنا استراتيجية وطنية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تركز على نظام سياسات اقتصادية فاعلة وقطاع خاص قوي ونظام تعليمي متقدم سبيلا لتحقيق الازدهار. وتظهر المؤشرات الاقتصادية الأخيرة لمجموعة الدول الإحدى عشرة نتائج ايجابية مشابهة بسبب الالتزام بالإصلاحات.
وبالرغم من ذلك تبقى الأخطار. ففي الوقت الذي نحن فيه بعيدون عن أن نكون أفقر الدول، فإن مواطني دولنا يشكلون 80 بالمائة من أفقر سكان العالم. وإلى أن نحقق النجاح فلا يمكن لبلادنا تخفيف تركيزها على احتياجات التنمية الأساسية والمكلفة في معظم الوقت، من التعليم إلى البنية الأساسية الى الإصلاحات المالية وغيرها.
كما أن العديد من بلادنا تعاني من تراث من الديون متأصل في الأزمات الاقتصادية الدولية التي وقعت قبل عدة عقود-ديون تم اعفاؤها بالنسبة للعديد من أفقر دول العالم. وهنا لا بد من التذكير أن ارتفاع أسعار النفط والنزاعات المحلية والإرهاب يمكن أن تضعف بنى الحكم الجيد وحكم القانون الذي يعزز النمو الناجح. ومن المفارقات أن هذا النجاح هو الذي يؤدي عادة الى سحب المساعدات الدولية التقليدية. لقد حددت مجموعة الدول الإحدى عشرة مجالات أربعة يمكن للدعم الدولي أن يساعد في تعزيز المكاسب والتقدم للأمام.
الأول، هو ترويج الاستثمارات، التي تدعم زيادة الإنتاجية والنمو التجاري. أما الثاني فهو التطوير التجاري بما في ذلك المساعدات التقنية وفتح الأسواق. والثالث: تخفيف وطأة الديون لتقليل الضغوط على مجالات الميزانية والمجالات المالية. والأخير: منح مساعدات مستهدفة لمواجهة الأزمات العالمية مثل الفقر والصحة، ولكن أيضا وبنفس الأهمية العمل على دعم التعليم والبنية الأساسية وغيرها من المبادرات التي تمكن الدول النامية من الاستفادة القصوى من تأثير المعلومات والتكنولوجيا والتحرر الاقتصادي.
وبعد هذه المنطلقات المحددة، فلا بد من وجود شراكة جديدة. ومع تقدم الدول نحو الازدهار، يجب انتقال المساعدات فيما وراء الآليات التقليدية إلى إطار تنمية بديل،إطار يكافئ ولا يعاقب التطورات الناجحة والإصلاح.
انتم قادة دول مجموعة الثماني، استجبتم لندائنا. وفي قمة الأردن، كان هناك مراقبون من ألمانيا واليابان، الرئيسان الحالي والمقبل للمجموعة. وفي أواخر العام الحالي، سيلتقي زعيما مجموعة الدول الإحدى عشرة والثماني في ألمانيا.
وأعتقد أنه يمكننا معا خلق نموذج عالمي. إن نجاح الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض سيؤدي إلى خلق أساس للاستقرار الإقليمي والازدهار ويقدم مثالا مهما لما يمكن ان تحققه الإصلاحات الاقتصادية والبنيوية. وبدعم هذه الإنجازات، ستبعثون بإشارة قوية إلى أفقر الدول بأن الالتزام العالمي بالتنمية سيصل إلى مبتغاه.