الصدام بين الحضارات والمتطرفين
على مدى خمس سنوات، كانت وجهة نظري أن النضال العالمي ضد الإرهاب لا يمكن أن يتم بالوسائل العسكرية وحدها. فهو، إضافة إلى الجهد العسكري، جهد أخلاقي وفكري واجتماعي أيضا. ولكي يتسنى لنا هزيمة هؤلاء المتطرفين، علينا أن نقاوم جهودهم لإثارة صراع وصدام بين الحضارات، قد يؤديان إلى إحداث شرخ بين ذوي النيات الحسنة وإضعاف مسيرة التقدم نحو تحقيق السلام العالمي والازدهار. وعلينا جميعا أن نتحمل المسؤولية لرفض الكراهية، والجهل، والعنف وهذا يتطلب حوارا مخلصا متواصلا بين الغرب والعالم الإسلامي.
وفي نطاق مثل هذا الجهد، سنجتمع اليوم، زوجتي جلالة الملكة رانيا وأنا، مع قداسة البابا بنيدكيت السادس عشر. وستكون محادثاتنا بمثابة دفعة إلى الأمام نحو حوار إيجابي بين أدياننا يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر. وفي الواقع، ينخرط الأردن بصورة معمقة في مثل هذا الحوار التاريخي. فقداسة البابا يوحنا بولس الثاني، الذي بدأ حجه بمناسبة يوبيله الفضي في عمان، دعانا "الأخوة الذين ينتسبون إلى إبراهيم". وبلدنا الإسلامي وطن لمجتمع مسيحي عربي يمتد تاريخه إلى ألفي عام. وأفراد شعبنا، معا، بمثابة الفرد الواحد في تعاضدهم وإسهامهم في حيوية بلدنا، ومستقبلها، وفي السعي لإحلال السلام فيها.
إن الحرية الدينية التي كفلها الدستور في الأردن تعبر عن القيم العربية الإسلامية الأساسية،التي تتمثل في الدعوة إلى إحلال السلام، واحترام الآخرين، وبالعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا هو صوت الإسلام الذي تعلمه الناس ومارسوه على مدى ما يزيد عن ألف عام، وهو نقيض الأيديولوجية الجاهلة التي تضج بالكراهية وتطلقها ألسنة العناصر المتطرفة في هذه الأيام. إن غالبية المسلمين، اليوم، مصممون على استعادة دينهم التاريخي. و"رسالة عمان" التي أطلقت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تعيد طرح تعاليم الإسلام فيما يتصل بالخضوع لله، والتساوي في الكرامة بين جميع الناس، والتعاطف والتكافل، والتعددية، وهي تدين التطرف والإرهاب باعتبارهما انحرافا عن الإسلام ومخالفة لأوامر الله تعالى ونواهيه.
إن هذا الجهد، وغيره من الجهود، تسعى جميعها لتوحيد أصوات الاعتدال، التي تشكل في الواقع الغالبية العظمى من المسلمين، هنا في إيطاليا، وفي الأردن، وفي جميع أرجاء العالم. وقد نهض علماء الدين المسلمون البارزون في أوروبا والشرق الأوسط إلى إدانة الإرهاب بصورة حاسمة، منوهين بأن واجب المسلمين العمل على حماية الأبرياء. ولقد استضاف الأردن، في تموز/يوليو الماضي المؤتمر الإسلامي العالمي الأول. وشارك فيه ما يزيد عن 170 من العلماء والخبراء، من السنة والشيعة، من أكثر من 40 بلدا، بينها عدد من الدول الأوروبية. وقد أكد المشاركون القيم الأساسية التي عبرت عنها "رسالة عمان"، واتخذوا إجراءات محددة لوقف الإساءات إلى ديننا.
إن الإسلام لا يعزل المؤمنين به خلف جدران الكراهية والفرقة. فهو يشجع أهلنا على المشاركة مع جميع بني البشر في المسيرة العالمية للتقدم والسلام. وقد تقيد الأردن بهذا الالتزام. إذ لعب بلدنا دورا رئيسيا في جهود السلام الإقليمية، ونحن نشعر بالسعادة لقيام إيطاليا بدعم دورنا البناء. واليوم، وبدعم إيطالي من خلال "اللجنة الرباعية" و"الدول الصناعية الثماني"، أصبح لدينا خريطة طريق للسلام في النزاع العربي-الإسرائيلي. وتوفر خريطة الطريق، التي تستند إلى المبادرات الريادية للسلام التي أعلنت عنها الدول العربية في قمة بيروت العربية عام 2002، حلا شاملا يقوم على وجود دولتين، وهو النمط الوحيد للسلام الذي يمكن أن يدوم: دولة فلسطينية ذات سيادة، ديمقراطية، وقابلة للحياة، وضمانات أمنية لإسرائيل، وعملية تؤدي إلى تسوية شاملة تشمل المسارين السوري واللبناني. علينا ألا نسمح لأعداء السلام أن يوقفوا هذا الجهد بالغ الأهمية.
ويعمل الأردن وإيطاليا معا أيضا لتحقيق الأهداف الإقليمية الأخرى. فبلدانا ملتزمان بالأمن وإعادة الأمور إلى طبيعتها في العراق؛ وفي نطاق هذا الجهد، استشعر الأردنيون بعمق تضحيات بلدكم النبيلة. كما أننا نتعاون أيضا في الإصلاح والتنمية الإقليميين. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للسلام العالمي أن يتمكن الناس في الشرق الأوسط، وخاصة جيل الشباب لدينا، من المشاركة في ما يحمله هذا القرن من وعد الحرية والازدهار. وقد عمل الأردن، من أجل هذه الغاية، على تأسيس أنموذج غير مسبوق للإصلاح والتقدم الإقليميين.ونحن نقوم بإحداث تغييرات هيكلية لبناء الحياة السياسية الديمقراطية، وتجذير حقوق الإنسان، وتوفير إمكانية الوصول إلى الفرص المتاحة على جميع المستويات في المجتمع. وفي مجال الاقتصاد، شجعنا الإبداع، وعززنا البنية التحتية التربوية والاجتماعية لتشجيع التنمية والنمو. وكانت إيطاليا شريكا تجاريا يحظى بالأولوية، ونحن ممتنون لدعم بلدكم المستدام للتنمية في بلدنا والمنطقة. كما لعبت إيطاليا دورا بالغ الأهمية في الأمم المتحدة وفي نطاق اجتماعات الدول الصناعية الثماني، لدعم تقديم المساعدات الدولية وخفض الديون للدول ذات الدخل المتوسط، مثل الأردن، والتي برهنت على وجود الإرادة لديها للسير قدما فيما تنهض به.
علينا أن نعمل معا لإحداث التغيير العالمي الإيجابي الذي يسعى بلدانا لتحقيقه. وتعكس الشراكة بين الأردن وإيطاليا صداقة قوامها المثل التي نشترك فيها معا، إضافة إلى المستقبل المشترك.
وأعتقد أننا بعملنا معا يمكننا أن نساعد في تحقيق السلام والأمن اللذين يحتاجهما ويستحقهما شعوبنا، وجميع الناس.