خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني للأسرة الأردنية الواحدة
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني للأسرة الأردنية الواحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين.
إخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي، عائلتي وعزوتي الأردنية الكبيرة الواحدة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتحدث إليكم اليوم وأنا أعلم وأشعر بكل واحد منكم. أشعر بهمومكم ومخاوفكم، وبآمالكم وطموحاتكم، وأحلامكم بالمستقبل في ظل أحداث غير مسبوقة تمر بها منطقتنا العربية في تاريخنا المعاصر.
فنحن نقف اليوم أمام المستقبل الذي نطمح إليه ونستحقه. المستقبل الذي نختاره ونبنيه للأردن بأنفسنا، وليس المستقبل الظلامي الذي يسعى لفرضه من يمارس الإجرام، ويدعي الإسلام، من يمارس الإرهاب، ويدعي الإيمان. فالإسلام ليس أطيافاً وألواناً أو تطرفاً واعتدالاً. الإسلام الجامع هو دين الحق والسلام. وأما من خرج وقَتَل وعذَّب وانتهك الحرمات، فأولئك أعداء الإسلام، والإسلام منهم براء.
إن ما فرضته السنوات القليلة الماضية على منطقتنا من تحولات تاريخية، وتحدياتٍ تواجه العالم بأكمله اليوم تضع الإنسانية كلها أمام امتحانها الأصعب. وأنتم أيها الأردنيون والأردنيات، بعقولكم المستنيرة، ووعيكم الرافض لأن يكون أبناؤكم وبناتكم وقوداً للأطماع والظلام والأجندات التي لا تمثل إنسانيتكم، أنتم صمّام الأمان، وخط الدفاع الأول لهذا الوطن. فأطياف الوطن كلها ملتفة حوله، تلبي النداء مسلمون ومسيحيون، مواطنون من شتى المنابت والأصول، نعيش حياتنا معاً، مجتمعاً متآخياً ومتراحماً مثل العشيرة الواحدة، نبني مستقبلنا بتحصين أجيالنا بفكرٍ حضاري مستنير ضد الإنغلاق والتعصب، وتسليحهم بقيم المواطنة والمبادرة والطموح والتميز وحب العمل والإنجاز ونبذ مظاهر العنف، التي تجافي قيمنا وأخلاقنا وكل ما يمثلنا، فجوهر عقيدتنا قدسية الحياة، واحترام الذات والغير.
وأؤكد لكم أن الأردن قوي وصامد بثبات على مر العقود في وجه كل من راهن على سقوطه. وأثبت الأردن أنه أقوى وأكبر من كل ضعاف النفوس، الذين يتربصون بالوطن، أي فرصة للهجوم عليه، أو النيل منه بشتى الوسائل والسبل. وفي كل مرة كنّا على المحك، خرجنا أقوى. واليوم بالذات نحن أقوى من أي وقتٍ مضى. وعند المِحَن تظهر أصالة المعادن. ومعدن الأردنيين هو الأصفى والأبقى والأغلى، ينصهر ويتحد في أتون الأزمات.
إخواني وأخواتي،
إن قوتنا ودورنا المحوري في المنطقة والعالم ليس صدفة، بل هو من صنع الأيدي الأردنية المثابرة المبدعة، التي وضعت الأردن على خارطة التميّز والإنجاز، ورفعت راية الأردن عالياً في مختلف الميادين. لهذا نقف اليوم أقوياء بوحدتنا في محيطٍ يموج بالصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية، وفوق كل ذلك الإرهاب. وينعم الأردن بمنجزات الأمن والأمان، أساس الحياة، ولا مساومة ولا تساهل في ذلك. فسيادة القانون عماد الدولة الآمنة. الدولة التي نعيش فيها بكرامة متساوين في الحقوق والواجبات، والكل فيها مسؤول مواطنون ومؤسسات.
فنحن أردنيون، وجيشنا عربي منذ أن وجد. نفاخر بأننا حملنا العروبة أمانةً وانتماءً، جيشاً وشعباً، ولم نهن يوماً، رغم ثقل ما نتحمل. نحن لا نشكو، بل نفاخر. فالأردن "أرض العزم، وحدّ سيفه ما نبا"، حمل راية الثورة العربية الكبرى، كما حمل شرف مسؤولية حماية القدس ومقدساتها، وقضايا الأمة والإنسانية، وقيم التسامح والوسطية. وشهداؤنا يشهد لهم التاريخ أنهم قضوا في سبيل الله دفاعاً عن رسالة الإسلام، وثرى الأردن، وكرامة شعبه، وحلقوا عالياً رموزاً لكل أردني. لذا، يحق لكم أيها الأردنيون والأردنيات أن تفاخروا بوطنكم، أن تفاخروا بأنفسكم وإنجازاتكم. فمن كان له هذا التاريخ المشرف، والحاضر الواثق، والغد الواعد، يحق له أن يفخر به.
ولكن لا تنسوا يوماً أن التفاخر هو بالعمل وليس بالقول، وهو إنجازٌ وعملٌ جماعي. إن بناء مجتمعٍ متميز يقتضي الإيمان بقدراتنا، فالإنجازات الإنسانية جميعها بدأت بأحلام، وتحققت بطموح وعزم أصحابها، وإيمانهم بأفكارهم وإخلاصهم ومثابرتهم. فالنجاح يُبنى برعاية المواهب والقدرات، وتبنّي الأفكار الواعدة، ودعم المشاريع الريادية، واحترام المثابرة، وتخطي الفشل.
ونحن ماضون معاً. ماضون رغم كل التحديات لتعزيز مسيرتنا الديموقراطية، وتنمية مجتمعاتنا. ماضون في تعميق المواطنة الفاعلة على أساس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فهذه هي المبادئ الراسخة في الضمير الأردني.
إخواني وأخواتي،
أتحدث إليكم وأعرف أن الأجيال من شعبنا الأردني يستمعون إليّ. منهم أجدادٌ وضعوا الأسس ورسخوا قواعد البناء، وآباءٌ وأمهاتٌ حملوا رايات التحديث، وما زالوا يعملون لتبقى رايات الوطن خفاقةً شامخة، ومنهم أيضاً شباب هم أمل الأردن، وبعلمهم وطموحهم ووطنيتهم التي تسبق كل الإعتبارات، مستقبلنا بخير والأردن بستاهل كل الخير. ولذلك، لكل أردني وأردنية أقول:
إرفع راسك. إرفع راسك بكل شابة وشاب يحقق نجاحاً يتوج جبينه كل صباحٍ ومساء، وبكل طفلٍ يتعلم كلمة، وكل معلم يؤدي أنبل رسالة.
إرفع راسك بكل أردنية وأردني مثابر مؤمن بعمله، أمينٍ على وطنه.
إرفع راسك بعمّان، عاصمتك التي ضمت أبناء البلد الواحد، وجمعت أحرار العرب، فصارت موئلاً ومقصداً لكل العرب.
إرفع راسك، فقد رفعت راية الأردن في كل محافظة ومدينة وقرية وبادية ومخيم، إحتضنت الملهوفين والمظلومين، وكانت الحمى لهم، وشاركتهم كل ما لديها حين ضاقت عليهم أوطانهم، وتركوها رغماً عنهم.
إرفع راسك، لأنك رفعت راية الأردن في ميادين العمل الإنساني في أرجاء العالم المنكوبة.
إرفع راسك لأن في قلبك نسرٌ يا أيها الأردني الباسل، تتحمل المسؤولية، وتضحي وقلبك دائماً على وطنك وأمتك.
إرفع راسك، لأن في كل أسرة أردنية معاذ نفاخر به.
إرفع راسك، لإن العالم كله يقف احتراماً لك فقد بنيت هذا البلد بيديك، وكتبت مجده وتاريخه ليكون عنواناً ناصعاً لأمتنا، وليكون صرحاً في الإنجاز أمام العالم كله.
والأهم أن ترفع راسك لاستشراف المستقبل الذي يجسد طموحاتنا الكبيرة. وبإمكاننا أن نحقق ما هو أعظم بكثير. ففي كل طفلٍ وشابة وجندي وأم وعائلة وحيّ ومدينة قدراتٌ بإمكانها أن تحقق لهذا الوطن ما لم يحلم به أحد. فالأردنيون والأردنيات حدودهم السماء. وما كان قدر هذا البلد يوماً، إلا أن يكون بدايةً لما هو أعظم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.