خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في نادي الكومنولث بعنوان بالرؤيا واصحاب الرؤى يمكن ان نجد اسبابا جديدة للأمل

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في نادي الكومنولث بعنوان بالرؤيا واصحاب الرؤى يمكن ان نجد اسبابا جديدة للأمل

الولايات المتحدة الأميركيةسان فرانسيسكو، كاليفورنيا
16 نيسان/أبريل 2004
(مترجم عن الإنجليزية)

اشكرك سيد ريتشارد. انني ممتن جدا لكلماتك اللطيفة سيد شولتز ولمفتاح مدينة سان فرانسيسكو العمدة نيوسم وأشكركم جميعاً على استقبالكم الحار، ويشرفني قبول هذه الجائزة التي آمل أن لا تسترجعوها، إذا أخبرتكم أنني لم أعد مؤهلاً لها، إذ أنني بت في الجانب الثاني من الأربعين. يقولون أن المرء في هذا العمر يحتاج الى جهد كبير لتعلم الجديد، لكنني لست متأكداً من صحة هذه المعلومة. لذا ارجو ان تقبلوا بي كما انا وارجو ان تقبلوا مني عميق الشكر.

إنه من دواعي سعادتي أن أكون هنا في سان فرانسيسكو وإنه امتياز عظيم أن أشارك في منتدى نادي الكومنولث. نلتقي هنا اليوم بعد مرور العام الأول بعد المائة، على تأسيس هذا النادي، وهذا يعني مرور أكثر من مائة عام منذ الحوارات والنقاشات حول جل الاحداث الرئيسة في القرن العشرين، وفي القرن الحادي والعشرين ايضا. مؤسسو نادي الكومنولث ما كانوا ليدركون التغيرات الهائلة التي ستحدث في عالمهم، ولكن لديهم رؤيا أكثر أهمية: لقد ادركوا قوة المعرفة، والحاجة للحوار، ودور المواطنة المسؤولة في تشكيل العالم. نلتقي اليوم لننظر معاً الى الامام ويمكنني أن أضمن لكم أننا حتى وإن لم نكن نعرف ماذا سيكون عليه حال الأرض بعد مائة عام من الآن، إلا أننا نعرف شيئاً واحداً هو ان الحوار، والنقاش، والمواطنة، على نطاق عالمي، ستكون مجتمعة المفتاح لتحقيق ما نصبو إليه بشكل سليم.

هذه في الحقيقة هي أوقات اختبار، فتهديد المواجهة النووية الهائل بين القوى العظمى المتنافسة بات خلفنا. لكن برزت مجموعة جديدة من التحديات، أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب العالمي، العنف والحرب، المشكلات الصحية والبيئية، الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية.

ومع ذلك، فإن هناك املا كبيرا.. تقدماً في المعرفة البشرية، والابتكار، والاتصال والتعليم.. أدوات حديثة للتنمية الاقتصادية، ورغبة جديدة في تحدّي الافتراضات والانقسامات، والتي توفر بمجموعها فرصا للتحرك في اتجاهات جديدة وإيجاد حلول حقيقية لعالمنا.

زمننا هذا لا حدود له فهو الاغنى بالمعلوماتية والاكثر سرعة عبر التاريخ إن. المفكرون المبدعون، والرياديون، ودعاة حقوق الإنسان، والمجازفون، لديهم القوة لتغيير حياة الناس، ليس في إطار زاوية صغيرة من عالمنا وحسب، ولكن في كل مكان، مما يضع على عاتقنا مسؤولية خاصة، مسؤولية تقتضي أن نعمل معاً لتحقيق المصلحة المشتركة، مسؤولية أن نتأكد من أن كافة الشعوب تشارك في تحقيق الامل الذي يقدمه القرن الجديد.

إن تحقيق هذا الامل الجديد يتطلب وجود الرؤيا وأولئك الذين يمتلكونها، يتطلب وجود قادة موهوبين قادرين على تبصر أنماط الفوضى في عالمنا الراهن، ويرتكزون على رؤاهم لتنوير وإلهام الآخرين. أولئك الذين يستشرفون المستقبل من أمثال المدير التنفيذي لشركة سيسكو، جون تشامبرز، الذي يؤمن أن التقنية قادرة على تجسير الفجوة بين الأغنياء والفقراء. رجال حكماء مثل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي تنير كلماته وأفعاله الدرب نحو عالم أكثر عدلاً وأمناً. مرشدون أخلاقيون من أمثال شيرين عبادي، التي فازت بجائزة نوبل للسلام في العام الماضي وتسعى لإرساء أدوار ديناميكية للنساء المسلمات.

في منطقتنا من العالم، مثلما هو الحال عندكم، نتطلع إلى أولئك الذين يمتلكون الرؤيا، أناس يمتلكون الشجاعة لتصور التغير الإيجابي، ولديهم الالتزام لتحقيقه. ذلك هو موروث أعظم صانعي السلام لدينا، والدي المرحوم جلالة الملك الحسين، والمرحوم اسحق رابين.

لقد أثمرت جهود جلالة الملك الحسين التي لم تعرف الكلل في جعل الأردن رائدا في السعي نحو العدل والتقدم. واليوم، لدينا نحن وأنتم الفرصة لدفع هذه العملية قدماً، وهذا يعني وضع رؤيا واضحة وإيجابية للشرق الأوسط، كما يعني تجديد القيم التي نادت بها ببلاغة الديانات الثلاث، والتي انطلقت من الأراضي المقدسة، كما يعني ذلك التزاماً اصيلا بالعمل من أجل صنع سلام حقيقي.

أصدقائي،

آن الأوان للخروج من دوامة العنف، دوامة تعيدنا باستمرار إلى ماض من اليأس والانقسام. آن الأوان لإسرائيل أن تنهي الاحتلال وتوقف محاولاتها التي لا طائل منها لإخضاع الفلسطينيين وإرغامهم على الاستسلام. وآن الأوان للقيادة الفلسطينية، أن تعمل بمسؤولية لتحقيق السلام وإصلاح مؤسساتها السياسية. وقد أن الأوان أيضاً للطرفين، أن يصغيا لشعبيهما الإسرائيلي والفلسطيني، اللذان يقولان لنا بوضوح تام: "امنحونا الأمن، والسلام والعدالة." إسرائيل يجب ان تجازف من أجل سلام تقام بموجبه دولتان تعيشان جنباً إلى جنب. كما يجب على الولايات المتحدة أن تلتزم بشكل واضح وصريح بإقامة دولة فلسطينية.

بعض المراقبين متشائمين حول المستقبل القريب ويتساءلون عن رغبة الولايات المتحدة في إعادة ارتباطها الجدي بعملية السلام والضغط من أجل تطبيق خارطة الطريق قبل انتخابات تشرين الثاني القادمة، ويتكهنون بانهيار السلطة الفلسطينية وبنهاية الأمل في اقامة الحل القائم على إقامة الدولتين.

هناك أسباب قوية تدعونا إلى الاختلاف مع كل هذا. اذ ان العالم العربي يشهد تغييرات من شأنها إزالة كافة التهديدات الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل، إذ يلزم إعلان السلام العربي كافة الدول العربية على قبول السلام مع إسرائيل، وفي التوصل إلى حل متوازن دائم للنزاع. وينص الإعلان على توفير ضمانات أمنية جماعية لإسرائيل، مقابل إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة. ويدعو إلى حل يتفق عليه لقضية اللاجئين وبأن تكون القدس مدينة مشتركه ومفتوحه أمام كل الديانات. هذا هو المستقبل الذي سيمنح الفلسطينيين والإسرائيليين الأمن والسلام الذي ينشدون.

اصدقائي

لم تعد الأرضية المشتركة التي اعتدنا الوقوف عليها ثابتة، فلنبحث عن أرضية مشتركة أخرى لجهودنا الجماعية. نحن الان بحاجة لتحقيق النجاح، والنجاح يتطلب قيادة نشطة من الولايات المتحدة، وتحالف دولي جماعي من أجل السلام.

في منطقتي، المخاطر واضحة. فقد أسدل النزاع العربي الإسرائيلي لفترة طويلة من الزمن غيوماً قاتمة على التنمية الإقليمية. الشرق الأوسط بحاجة ماسة للسلام، والازدهار والحداثة. ومواجهة هذه القضايا يتطلب رؤيا جديدة وأصحاب رؤيا يتمتعون بالشجاعة. أصحاب رؤيا يمكنهم تبني حكم متفاعل وشفاف، وتكريس أنظمتنا التعليمية للتميز، وتشجيع القطاع الخاص الحيوي الذي بإمكانه تسخير واستثمار إمكانيات المنطقة البشرية الهائلة.

مثل هذا الإصلاح في متناول أيدينا، وأؤكد لكم أنه قيد التنفيذ. لكن ما نقوم به يتأثر لدرجة كبيرة بما يقوم به المجتمع الدولي وما لا يقوم به. دعمكم قادر على تشجيع الإصلاح. والأهم أن أفعالكم يمكن أن ترعى السلام والعدل في المنطقة، وتعمل على توفير بيئة الأمل لشبابنا، وتتيح لهم المشاركة في وعد المستقبل.

نحن في الأردن ملتزمون مسبقا بالعمل من أجل الإصلاح. ويدفع هذا العمل رؤيا تبني على مواطن القوة في مجتمعنا، وقيمنا، وتاريخنا، وهي تسعى نحو الفرص العالمية المتاحة. ونحن نحقق النجاح في ذلك، فلدى الأردن حاليا قوى عاملة، أكثر معرفة بالحاسوب وبالريادة، وأفضل تعليماً من تلك الموجودة في معظم الدول النامية، قياساً للفرد الواحد. ونحن نتبنى الابتكار والمبادرة. والأردن أول بلد عربي يوقع اتفاقية منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية التي بدأت تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي وفي توفير الفرص. وبفضل هذه الجهود وجهود أخرى أصبح بلدي في وضع جيد يتيح له اغتنام فرص القرن الجديد.

أعتقد أن النموذج الأردني يمكن أن يصبح نموذجاً فاعلا يحتذى به في منطقتنا، وبإمكان النجاح في منطقتنا أن يمهد الطريق الى توسيع رقعة الأمن والسلام في العالم.

إن التحدي الماثل أمامنا كبير، وأصوات اليأس والانقسام عالية جداً، ولكن بوجود الرؤيا وأصحاب الرؤيا، اعتقد أننا سوف ننجح، ويمكنا أن نرفع أصوات الحوار والعقلانية.

يمكنا إيصال فوائد هذا القرن، للفئات الأقل حظا، ويمكنا تحقيق السلام والأمن لأولئك الذين يعانون.. واذا فعلنا ذلك، سنحول عصر الصراع والتشكيك هذا.. إلى عصر حقيقي للفرص والآمال.

أشكركم جزيل الشكر...