خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في وزارة الخارجية الكندية
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في وزارة الخارجية الكندية
بسم الله الرحمن الرحيم
دولة رئيس الوزراء،
الضيوف الأفاضل،
أصدقائي،
أشكركم على ترحيبكم الحار كما يشرفني أن أكون معكم اليوم. إنني أدرك تماما وأنا في هذا المبنى الذي يحمل اسم لستر بيرسون دور كندا المتميّز كرائدة في الشؤون الدولية، وبصورة خاصة إسهاماتكم العديدة في بناء مستقبل الشرق الأوسط. إن شراكة الأردن مع كندا حظيت بمنزلة خاصة في قلب والدي المغفور له الملك الحسين بن طلال وستظلّ كذلك لنا جميعا. واسمحوا لي أن أتقدم بالشكر لكم جميعا نيابة عن كل الأردنيينً.
أصدقائي،
عندما تسلّم بيرسون جائزة نوبل للسلام، وصف التحدّي الذي يواجه عالمنا ليس بمجرد العمل على إحلال سلام خلاّق، بل على أنه يكمن في كيفية إيجاد أساس للأمن الدائم أيضاً. وقد كان بيرسون على قناعة بأن الطريق للمضي للأمام يجب أن يشمل مجتمع دولي يجتمع أعضاؤه على الوفاق والاحترام المتبادل.
لقد كان هذا قبل خمسين عاماً. أما اليوم، فما زلنا نواجه تحدّي السلام والأمن والاحترام العالمي. وغدا، أوضح من أي وقت مضى، أن الأسلوب الذي نتبعه لتحقيق النجاح ما زال يعتمد على قدرتنا في أن نجتمع ونتفهم مصالحنا المشتركة ونتصرف باعتبارنا وحدة واحدة.
أما الحقيقة الماثلة فهي أننا في عالمَ القرن الحادي والعشرين نشترك في قَدَرٍ اقتصادي وسياسي واحد مثلما نشترك بنفس الدرجة في مستقبل هواء الأرض ومائها. وبالقَدْر ذاته، نحمل مسؤولية عظيمة مشتركة في أن نعمل معاً للحفاظ على كل ما هو قيّم لدينا، ولتشكيل المستقبل الذي نريد ان يشعر فيه شعبنا بالأمان وتزدهر فيه الحياة الاقتصادية ونتمكن فيه من أن ننقل موروثنا الذي نعتّز به إلى أطفالنا وتزدهر فيه، في جميع أرجاء العالم، المجتمعات المدنية الحديثة التي يشارك الناس في صنع قرارها.
وفيما يتصل بكندا والأردن، فقد شكلت هذه الرؤية المشتركة الأساس لشراكة قوية باقية. وقد عمل بلدانا معاً لتشجيع الأمن الإنساني من خلال المؤسسات العالمية للسياسات وأنشطة أخرى كإزالة الألغام وتدريب قوات الدفاع المدني العراقية وغيرها كثير. إننا نشترك في الالتزام بتوفير الفرص الاقتصادية العالمية وخاصة لشباب العالم. وعلى مدة عقود عديدة، عملنا معاً من أجل قضية إحلال السلام.
أما أهم المجالات التي نشترك في الاهتمام بها والتي تستدعي التعاون بيننا فهو دون شك منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة كان لكندا فيها تأثير عميق وموقف أساسي قائم، كما أعتقد، على التأثير والاحترام. فقد ارتبط اسم أوتاوه ببعض القضايا العالمية الهامة والـمُلحّة إلى درجة كبيرة ومنها ميثاق أوتاوه ضد الألغام الأرضية، وبالطبع، عملية أوتاوه لتحقيق العدالة للاجئين الفلسطينيين. وحيثما كان هناك فُرْقة وانقسام، فإن تقاليد كندا العظيمة في التعددية ساعدت على تجاوز الانقسامات. وحيثما كانت هناك بذور للأمل، فإن ريادتكم ساعدت على نموّ التقدّم.
واليوم ، أطلب من كندا، صديقتنا، أن تساعد في تشكيل مستقبل قوامه السلام وتوفير الفرص في الشرق الأوسط. وأنا أعلم إنه لتحدٍّ في حد ذاته أن نفكر في المستقبل في وقت الأزمات. ولكن هذا التفكير ضروري الآن أكثر من أي وقت آخر.
لقد مضى الآن أربعون عاماً على الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ونشأ أكثر من جيلين في ظل العنف والإحباط. أما أخر عملية سياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقد حدثت قبل مدة طويلة، حيث هناك أطفالاً في المدرسة اليوم لم يكونوا قد ولدوا عندئذ. واحتمال الفُرْقة المحتملة بين الشعب الفلسطيني يهدد السلام مُجدداً في كل يوم.
إن هذه المخاطر حقيقة واقعة ولكنها ليست كل الحقيقة. فخلف العناوين البارزة، هناك ملايين الأشخاص، لدى الجانبين، ممن يحتاجون ويرغبون في رؤية نهاية للنزاع. كما أن هناك ملايين الفلسطينيين المتّحدون في حلمهم بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، مثلما أن هناك الملايين من الإسرائيليين الذين يتطلعون إلى اليوم الذي يستطيعون فيه العيش بسلام مع جيرانهم.
إن هذه هي بذور المستقبل التي علينا رعايتها، وما سيحدث على الأرض في الأيام والأسابيع القادمة سيكون له أهمية كبيرة. ولكن الفريقين لا يعملان في عُزلة، فالمجتمع الدولي قادر ويجب عليه العمل لتشكيل التوجّه الاستراتيجي للأحداث. وهذا يبدأ بإبقاء التركيز منصباً على الهدف الرئيسي وهو تحقيق تسوية دائمة تستطيع وقف توسّع العنف وتفتح الطريق أمام حياة مدنية مزدهرة مستقرة.
وقد عمل القادة العرب بصورة حثيثة للسير بهذه العملية قُدُماً. وفي شهر آذار المنصرم، جدّدت بلداننا، بالإجماع، مبادرة السلام العربية التي تعد فرصة تاريخية لتحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة، تسوية تضع نهاية للنزاع وتوفّر ضمانات أمن جماعية لجميع بلدان المنطقة بما فيها إسرائيل وتحقق، أخيراً، الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة ذات السيادة التي طال انتظارها.
أصدقائي،
إن هذه مبادرة حان وقتها كما أن الأوان لتصوّر وخلق مستقبل جديد لمنطقتنا. ولتلبية هذه الحاجة، يجب أن يكون هدفنا تحريك عملية سياسية ذات اتجاهات ومُخرجات واضحة. ولا بدَّ من وجود جدول زمني لقيام دولة فلسطينية حتى تصل إلى خط النهاية. كما يجب أن تسرع العملية تنفيذ إسرائيل ما هو مطلوب، بما في ذلك الانسحاب من الضفة الغربية ووضع نهاية للاحتلال.
ولكن حتى يحدّث هذا كله، فلا بدَّ من إشراك المجتمع الدولي في الأمر. ومن الخطوات الأولى الملحة في هذا السبيل التي يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذها دعم السلطة الوطنية الفلسطينية وخاصة في جهودها لتخفيف المعاناة، وتعزيز عمل المؤسسات الوطنية. ويجب دعم الشرعية الفلسطينية في توفير الحكم الرشيد الذي يمكن أن يلبي تطلعات الناس وحاجاتهم وتؤمّن الثقة العامة وتحفظ الوحدة الفلسطينية.
أصدقائي،
إن تحقيق السلام ليس إلا البداية. فالسلام لا يمكن إدامته إلا إذا حظي الناس في منطقتنا بفرصة لحياة مُنتجة مُرْضية. وكي يكون ذلك ممكناً، فلا بدَّ لاقتصاديات منطقتنا من أن تعظّم إمكاناتها. وهناك فرص للاستثمار في البُنى التحتية وللمشاركة في القطاع الخاص المتنامي ولتطوير الأسواق. أما الرجال والنساء والشبّاب في الأردن فهم منخرطون جميعاً في السير بهذه الجهود الوطنية إلى الأمام. والنتيجة لذلك هي وجود إستراتيجية مُحدّدة للتنمية والإصلاح.
كما أنه ليس هناك ما هو أهمّ من هذا بالنسبة للمستقبل. وفي منطقتي، فإن أكثر من ستين بالمائة من السكان البالغ عددهم 325 مليونا في الرابعة والعشرين من العمر أو دون ذلك. وهذا يمثل حوالي 200 مليون من الشباب الذين يحتاجون ويستحقون إلى أن تتوافر لهم الفرصة ليحيوا حياة مُنتجة ومجزية.
إن هؤلاء الشباب، من رجال ونساء اليوم هم بالفعل جيل ما يمكن أن يعرف بجيل تقاطع الطرق. فهذا جيل يمكنه أن يختار احترام الآخرين والتواصل معهم لمد جسور التعاون وهو جيل يمكن أن يُغْني المستقبل بما لديه من مواهب وقدرات خلاّقة وطاقات ويمكنه أن يطوّر اقتصادنا الإقليمي ليغدو كياناً عالمياً قوياً. ولكي يشارك في وَعْد القرن الحادي والعشرين، فإنه بحاجة لدعمكم.
أصدقائي،
إن بلدكم العظيم حظي دائماً بالإعجاب لالتزامه العميق بالإنصاف والعدالة على مستوى العالم. وأحوج ما نكون إليه الآن هو هذه الريادة.
وليس هناك من شكّ أن الوضع اليوم صعب، ولكن لن نسمح لهذا الأمر أن يحول دون نهوضنا إلى العمل. فعلينا أن نكون جاهزين لاتخاذ قرارات جريئة وخطوات حاسمة.
وأطلب من كندا، صديقتنا، أن تمدّ يد المساعدة وأطلب منكم أن تساعدوا في تمهيد طريق السلام في منطقة شهدت الكثير من النزاع وأن تفتحوا أبواب الازدهار للملايين الذين لم تبلغ طاقاتهم بعدُ أقصى مداها. وأن ترحبوا بمنطقتنا كشريك يسعى لأن يتبوأ المكانة التي يستحقها في مسيرة التقدّم العالمي.
وبالعمل معاً، يمكننا أن نساعد على تحقيق ما يحتاجه الشرق الأوسط وما يحتاجه العالم والمتمثل بمستقبل مِلْؤه الأمن لهذا الجيل والأجيال القادمة.
وشكرا لكم.