جلالة الملك عبدالله الثاني يدعو الى التزام حقيقي لتحقيق السلام في الشرق الاوسط

عمان
30 أيلول/سبتمبر 2003

تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني في العاصمة الفرنسية اليوم جائزة الشجاعة السياسية التي منحتها لجلالته جمعية السوربون الفرنسية للسياسة الدولية.

وقال جلالته خلال حفل تسليم الجائزة الذي حضرته جلالة الملكة رانيا العبدالله ووزير البلاط الملكي الهاشمي ووزيرا الخارجية والتخطيط ورئيس مجلس مفوضي منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة والسفيرة الاردنية في باريس "ان هذه الجائزة تكريم لشعبي ولشعوب منطقتي الشجاعة الذين يعملون بكل شجاعة على خلق مستقبل جديد."

واضاف جلالته ان هدفنا الاساسي هو بناء مجتمع يوفر القدرات امام افراده ويتيح الفرص للجميع؛ مجتمع مدني ديمقراطي يوفر الامل والاستقرار السياسي والاقتصادي.

وقال جلالته "ان النموذج الاردني يعتمد على قدرات مجتمعنا وعلى قيمه وتاريخه؛ معربا عن اعتقاده ان بامكان مثل هذا النموذج ان يكون مسارا فعالا نحو الديمقراطية والازدهار في منطقة كلت من الطرق المسدودة واليأس."

واكد جلالته ان الشباب الاردني يحفزون تصورنا للمستقبل؛ ويمدون مجتعنا بالطاقة ويلهموننا بمشاعرهم ومثاليتهم؛ ويثرون تواضعنا بتوقعاتهم.

واشار جلالته الى ان الاردنيين يشعرون بمسؤولية خاصة ازاء قضية السلام فمن؛ ارضنا من المشرق؛ انبثق الايمان بالله الواحد؛ الايمان الموحد بالاسلام والمسيحية واليهودية؛ وتجذر فيه وانتشر في العالم؛ ونحن اليوم نؤمن ايضا بقدرة هذه الارض على ان تكون مهدا لتسامح؛ وأمل جديدين.

وبين جلالته ان تحفيز الاعتدال وتطبيق الاصلاح في الشرق الاوسط غير ممكن اذا ما استمر النزاع العربي ـ الاسرائيلي؛ داعيا جلالته الى التزام حقيقي من قبل المجتمع الدولي لتحقيق السلام ؛ التزام يختبر قياداتنا وقدراتنا جميعا كما يختبر اعمق مبادئنا الاخلاقية.

وتهدف الجائزة التي انشئت من قبل جمعية السوربون للسياسة الدولية بالتعاون مع مجلة السياسة الدولية الى مكافاة الشخصيات العالمية التي تحلت بالشجاعة اثناء اداء مهامها وتركت بصماتها على الاحداث السياسية.

وقد منحت الجائزة الى عدد من رؤساء دول العالم وجاء في اسباب منح الجائزة لجلالته "ان جلالته حافظ على وحدة شعبه واستقراره في اوقات صعبة شهدت اندلاع الانتفاضة؛ وحرب العراق؛ وان جلالته اعاد ورسخ بشكل كامل صداقة وتحالف الاردن التقليدي مع الديمقراطيات في الغرب."

كما ان جلالته رسخ ثقافة الشفافية وروح الخدمة العامة ونظم اول انتخابات حرة ونزيهة في عهده مما عزز من التزام الاردن بالديمقراطية كاستراتيجية وطنية كما ان جلالته وجلالة الملكة رانيا العبدالله حشدا الدعم دفاعا عن حقوق المرأة.

وفي كلمة ترحيبية له عبر رئيس جامعة باريس موريس كيني عن اكبار المجتمع الجامعي الفرنسي لمواقف جلالته السياسية خاصة التزامه لمصلحة السلام والتعاون مابين دول حوض البحر الابيض المتوسط؛ مؤكدا ان وجود جلالته في هذا المكان ذا المعرفة والثقافة ليشرف هذه الجامعة الفرنسية.

من ناحيته؛ قال رئيس جمعية السوربون للسياسة الدولية تشارلز زور جبيب ان وجود جلالة الملك عبد الله الثاني والملكة رانيا في السوربون يعيد الى الاذهان صورة الشريف حسين بن علي حامي المقدسات وحفيد النبي وصورة عمكم فيصل وجدكم عبد الله الذي جعل من امارة شرق الاردن الدولة الاكثر استقرارا في المنطقة؛ واخيرا صورة والدكم ذو الهبة الربانية الذي ارتفع الى اعلى مستويات الانسانية وقيادات الشعوب بالشجاعة والشرف والقناعة القوية.

واضاف لقد جعل منكم القدر العاهل الجديد في هذه السلالة الهاشمية المجيدة ملكا اردنيا للقرن الحادي والعشرين؛ وهو تاج ورثتموه لانكم تستحقونه بجدارة ملكا للاردن النموذج المتسامح والمعتدل.

في حين؛ تحدث رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية باتريك فايجمان الذي سلم جلالته الجائزة مبتدئا كلمته بالقول "الجمهورية الفرنسية تحب الملوك خاصة اذا كانوا ديمقراطيين على شاكلة جلالته وهي تحب ايضا القادة الشجعان."

واضاف ان التجربة الفكرية والعملية لجلالته اكتسبها في كنف الملك الحسين وفي وسط شعبه الاردني وقال "لقد ابيتم الا ان تنخرطوا طواعية وببساطة رفيعة في صفوف افضل وحدات القوات المسلحة وفي صدر ارفع الكليات العسكرية البريطانية والاميركية وكذلك ضمن ارقى الجامعات العالمية."

ومضى قائلا "ستنجحون لانكم وخلال فترة قصيرة تمكنتم من فرض نفسكم كشخص قادر على استثمار الارث السياسي والاخلاقي الذي آل اليكم؛ وستنجحون لان خياراتكم واضحة وشجاعة؛ ولانه لا توجد حدود لارادة الانجاز."

وكان جلالة الملك عبدالله الثاني اجرى مقابلة صحفية مع مجلة السياسية الدولية التي تتوجه للنخبة السياسية وتخصص في العادة صفحاتها لمقابلة زعماء العالم وقياداته السياسية البارزة لاثراء الحوار الفكري والسياسي حول قضايا العالم.

وتناول جلالته في المقابلة الصحفية مع رئيس تحرير المجلة فايجمان مجمل القضايا الدولة الراهنة وخصوصا قضيتي فلسطين والعراق.


وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها باتريك فايجمان رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية:

يا صاحب الجلالة،

الجمهورية تحب الملوك خاصة اذا كانوا ديمقراطيين على شاكلتكم وهي تحب ايضا القادة الشجعان. كان نابليون يقول "البسالة تتأصل من الدم اما الشجاعة فتأتي من الفكر" وانتم تمتلكون هاتين الصفتين معا. تعلمون افضل من اي كان ان العاهل يفترض فيه ان يكون الخادم الاول للدولة وان ملك الشعب الحر فقط هو ملك قوي.

وقد تطبعتم بالفطرة على اننا نستطيع التحلي بالقناعات العميقة مع محافظتنا على المعايير وامتلكتم بالفطرة ايضا ان القوة الحقيقية هي القوة المعتدلة وان العظمة الحقيقية هي التي يمكن تحديدها.

سأعود بعد قليل الى السياسة التي طبعتموها بهذه السمة منذ اربعة اعوام ونصف لكنني كنت اود ان اؤكد جيدا منذ البداية اننا ولهذه الفضائل بالذات نكرمكم اليوم فانتم هنا في بيتكم.

في البداية كانوا يقولون "ان ملك الاردن عبدالله ما زال يافعا ولن تكون له الحكمة التي تقتضيها المحنة." وخلال اربعة اعوام ونصف اثبتم عكس ذلك اثبتم لهم ان عدد السنين ليس بالضرورة مقياسا للموهبة اثبتم لهم ان العمر الذي نقيس شبابنا به ليست له اية اهمية وان شبابنا هو الحياة فالرسام ليس له عمر شرايينه بل عمر لوحاته وكذلك الشاعر له عمر اشعاره اما رجل الدولة فعمره هو حماسه وخياله ورؤيته للمستقبل.

وبونابارت كان عمره سبعة وعشرون عاما عندما وقف على جسر الاركول. اما وليام بيت الذي دخل في عداد اعظم رجال الدولة البريطانية في عصره فقد اصبح رئيسا لوزرائها وعمره اربعة وعشرون عاما.

واضيف ان هذه التجربة الفكرية والعملية كسبتموها ولا شك على مدى سني عمركم في كنف الملك الحسين وفي وسط الشعب الاردني حيث ابيتم الا ان تنخرطوا طواعية وببساطة رفيعة في صفوف افضل وحدات قواتكم المسلحة ثم في صدر ارفع الكليات العسكرية البريطانية والامريكية وكذلك ضمن ارقى الجامعات العالمية مثل اوكسفورد وجورج تاون حيث درستم العلاقات الدولية.

لقد تحدثت توا عن الحكمة وعن الرؤية وكما تعلمون فقد اضطررتم الىعمل الكثير وبشكل صحيح من اجل الحفاظ على استقرار ووحدة مملكتكم ضمن اطار غالبا ما كانت السيطرة عليه بعيدة المنال فانتم تجدون انفسكم بين الانتفاضة الفلسطينية الثانية من جهة؛ والدوامات العراقية من جهة اخرى.

اقول في هذا الاطار بقي الاردن "واحة سلام" باعجاز لكن يا صاحب الجلالة اليست هذه المعجزات تبنى باليد؟ اضيف هنا انكم وفي نفس الوقت استطعتم ان تبنوا علاقات ثقة مع العديد من دول المنطقة بالاضافة الى تعزيز علاقاتكم مع اصدقائكم التقليديين والضروريين ومع الديمقراطيات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

واذكر في هذا الصدد انكم قاومتم وبشجاعة ضغوط الجهات التي حاولت القطيعة مع اسرائيل وفضلتم مرة اخرى ومن اجل مصلحة الجميع ان تقوموا بدور الاعتدال والمراهنة على الحوار ( كما جرى في العقبة ) ورفضتم احيانا ما كاد ان يتحول الى مواجهة قاتلة مؤسفة.

لا ادري ان كانت هناك كلمة تقال في ذلك لكن اسمحوا لي ان اقول ان صفة "مروض المصائب" هي التي يمكن ان نطلقها عليكم.

خلف هذه الخطوة هناك بالتأكيد ايمان بالانسان وبالتقدم الانساني وهذا ما نجده عندما نتابع سياستكم الداخلية. فقد جعلتم من العملية الديمقراطية استراتيجية وطنية وهدفا لا يمكن التراجع عنه بل هاجسا يهيمن على اعمالكم لقد قلت في البداية انكم دائما كنتم تؤمنون بان السياسة صنعت من اجل المواطن وليس لرجال السياسة وانتم بحق تؤمنون بسلطة المجتمع المدني.

كما انكم قمتم وقبل عدة اشهر بتنظيم اول انتخابات نيابية في عهدكم واقولها بحق واعتراف الجميع انها كانت لا تشوبها اية شائبة وانها كانت الاكثر شفافية واننا سوف نحفظها في ذاكرتنا.

انها اذن ليست مصادفة ان تضعوا الحرية السياسية في صميم عملكم وان تكمنوا ذلك بحرية اقتصادية حقيقية وبرنامج بالغ الحيوية وطموح عال للخصخصة لقد جعلتم نفكسم السيد الحقيقي "للاردن المؤسسة" وكما كررتم في الماضي فانكم تودون ان يصبح الاردن "سويسرا" او "سنغافورة الشرق الاوسط" وها انتم تقدمون لذلك كل الامكانات.

باختصار لقد وجدتم السر الذي جعل منكم الوريث الموقر لسلالة دخلت التاريخ منذ اكثر من ثمانية قرون ورجلا متطورا لعصر الانترنت مفتون بتحديات المستقبل.

حقيقة ان هذا التحول الجذري للاردن قد لايبدو واضحا للعين المجردة وقد لايعطي صورة اعلامية خارقة لكن في كل الاحوال فان التحولات الجذرية الهادئة غالبا ما تاتي باقدام الحمام. اعتدال دبلوماسي ديمقراطية سياسية انفتاح اقتصادي وتحضر واسمحوا لي ان اضيف ايضا محاربتكم للبيروقراطيين وللفساد وهو اكثر ما تكرهون ونضالكم ضد انتهاكات حقوق الانسان حيث انشاتم حديثا مركز مثيرا في هذا المجال ومحاربتكم من اجل المساواة الاجتماعية ولن انسى بالتاكيد نضالكم اليومي من اجل حماية وتعليم الاطفال والتطور الاخلاقي وترويج دور المراة في العالم العربي واكتفي بهذا حتى لا اطيل اكثر.

على كل حال وفي كل هذه المجالات التي ذكرتها لتوي الطفل المراة والاخلاق هناك شخص يلعب دورا هائلا الى جانبكم الا وهي الملكة رانيا والتي بذكائها وكرمها ورعايتها ساهمت بلاشك في مضاعفة بريق ملككم. نحن لانتجاهل ابدا ان امامكم الكثير من العمل خاصة وان الاردن لن يتطور لوحده في حالة انعدام الوزن في بيئة حيادية لكنني متاكد من نجاحكم.

ستنجحون لانكم وخلال فترة زمنية قصيرة تمكنتم من فرض نفسكم كشخص قادر على استثمار الارث السياسي والاخلاقي الذي ال اليكم. ستنجحون ايضا لان خياراتكم واضحة وشجاعة ولانكم تعلمتم المخاطرة باعتدال ولان الاعتدال هو الخيط الحريري الذي يربط معا لالىء الفضيلة.

ستنجحون ايضا لانه لا توجد حدود لارادة الانجاز وحيث يبقى دائما قوة كافية لدى كل شخص لتحقيق قناعاته باختصار كلنا ثقة بذلك.

نحن نعلم انه بفضلكم وبفضل امثالكم وكل من يدعمكم فقد بدأ المستقبل يأخذ شكل احلامكم وعليه.

- لاجل ما انتم عليه.
- ولاجل انجازاتكم.
- ولاجل ما ستنجزون فيما بعد.
اود ان اقول لكم باسمنا جميعا وبكل بساطة "احسنتم وليحمكم الله" باسم جمعية السياسة الدولية للسوربون؛ باسم مجلة السياسة الدولية؛ باسم العميد زور جبيب؛ باسم الرئيس سوبيلسا باسم لجنة هذه الجائزة؛ وباسمي شخصيا يسرنا جدا ان نقدم لكم هذه الميدالية الرفيعة والتي صممت خصيصا بيد النحات سنيلينغ وساما لتكريم رؤيتكم السياسية وشجاعتكم.