رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
سعادة السيّد بول بادجي
رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرّف للشعب الفلسطيني
تحيّة طيّبة وبعد،
يسرّني في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني أن أبعث لكم وإلى أعضاء لجنتكم الموقّرة خالص الشكر والتقدير على الجهود المتواصلة والأصيلة التي تبذلونها من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق غير القابلة للتصرّف، وفي مقدّمتها الحق في تقرير المصير وفي إنشاء الدولة المستقلة على التراب الفلسطيني.
ومع مرور هذا العام ينقضي ستّون عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني، التي نشأ في ظلها أجيالٌ تنتظر العدالة والوعود العالميّة بالإنصاف، وتتوق إلى العودة إلى وطنها رغم ما تعانيه من اضطهاد وعنف، وما عايشته من قتل وتدمير ومصادرة للممتلكات وهضم للحقوق الأساسيّة... وهذه الانتهاكات شكلت حالة اعتداءٍ صارخ ومستمرّ على القانون الدولي الإنساني وقواعد حقوق الإنسان.
وهذه الأجيال كغيرها من المجتمعات الإنسانيّة تستحّق فرصتها في حياةٍ كريمة، وفي بناءٍ دولةٍ مستقلّة، تساهم عبرها مع باقي شعوب الأرض في بناء الحضارة الإنسانيّة، وتقدّم البشريّة ورخائها.
وقد بذلت لجنتكم الكريمة، مشكورةً، وما تزال؛ جهوداً مميّزة لزيادة الوعي الدولي بحجم مأساة الشعب الفلسطيني وما لحقه من ظلم، كما نبّهت على الدوّام لمخاطر استمرار الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني كما على الشعوب المجاورة له والمتضامنة معه.. إلا أن الشعب الفلسطيني بات يعيش ظروفاً اقتصاديّة واجتماعيّة مأساويّة تتنافى مع قيم العدالة العالميّة وضمير الإنسانيّة الحيّ.
كما عبّرت لجنتكم الموقّرة في برنامج عملها لهذا العام عن القلق إزاء ظروف طالما حذّرنا من خطورتها، إذ أشارت لجنتكم إلى خطورة ثقافة التطرّف التي جاءت نتيجة أوضاع معيشيّة وظروف لا إنسانيّة، وحالة إحباط عامة تأسر الشعب الفلسطيني، وتتحكّم في خياراته.
وناشدت لجنتكم بدورها المجتمع الدولي داعيةً كما دعونا في العديد من والمنابر والمناسبات إلى ضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤوليّاته وواجباته لوقف هذه المأساة ومعالجة تبعاتها إنصافاً للشعب الفلسطيني. وذلك عبر تركيز الجهود الدوليّة لتوفير أرضيّة عمل مشتركة تؤدي إلى وقف العنف واعتماد الحوار والمفاوضات سبيلاً وحيداً للوصول إلى حل شامل وعادل ودائم للقضيّة الفلسطينية- القضيّة العربيّة المركزيّة والأكثر إلحاحاً في الإقليم.
أمّا ما عانيناه من عنف وحروب وانعدامٍ للثقة، فما زاد الوضع إلا سوءاً وتعقيداً كما شكّل سببا رئيسيّا لإطالة أمد النزاع وفشل الحلول والمبادرات.. وما نشهده اليوم من قبل إسرائيل من استمرار للاعتداءات على الأرض وأصحابها، وبناء للمستوطنات وتوسيعها، وفرض لواقع الجدار العازل وآثاره المدمّرة، وتكرار الحصار الاقتصادي وتعقيد حركة الفلسطينيين عبر الإغلاق سيقودنا إلى مزيد من الإحباط، وتوالي العنف واستمرار دوّامته، ولا بد من إنهاء هذه المظاهر والاستغناء عن هذه السياسات إذا ما أريد لشعوب المنطقة أن تنعم بالسلام.
واليوم، نكرر مجدّداً دعوتنا لاستغلال الفرصة التاريخيّة التي تتيحها المبادرة العربيّة للسلام لوقف هذا الصراع، وإحلال السلام الشامل والعادل، وضمان الأمن لشعوب المنطقة، وتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من ممارسة حقه الطبيعي والأساسي في تقرير مصيره وتكريس استقلاله على ترابه الوطني.
ونشدّ على أيدكم ونوجّه الدعوة والمناشدة لأصحاب الضمائر الحيّة للوقوف إلى جانب الحق والعدل، وإنصاف أجيال الحاضر والمستقبل لترسيخ منطق العيش المشترك في الإقليم وصيانة الأمن والسلام، وذلك عبر بذل كل جهد ممكن لوقف الظلم والانتهاكات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني الشقيق، وللعمل على إنهاء هذا الصراع وفتح باب الأمل بغد وبمستقبل أفضل لأبناء المنطقة.
ختاماً، نقدّر عاليّاً جهود لجنتكم البنّاءة، وندعو لكم بدوام التوفيق وتوالي النجاحات وصولاً إلى الأهداف النبيلة التي تنشدون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله الثاني ابن الحسين
ملك المملكة الأردنية الهاشمية
عمان في 2 ذي القعدة 1428 هجرية
الموافق 12 تشرين الثاني 2007 ميلادية