كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر"الابتكار والإبداع الأردني" في جامعة كاليفورنيا - بيركلي
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر"الابتكار والإبداع الأردني" في جامعة كاليفورنيا - بيركلي
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لك رون. أنا سعيد لوجودي هنا، وأود أن أتوجه بخالص الشكر لمضيفينا في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، خصوصا المستشار ديركس والأستاذ جيف.
تشتهر هذه الجامعة بأنها موئل للتفكير الإبداعي الخلاق، وما تنظيم هذا الحدث إلا مساهمة في تعزيز هذه الصورة. ولذا، فأنا أتقدم بالشكر منكم جميعا لمنحنا وقتكم والتواجد معنا اليوم، واسمحوا لي أن أخص بالشكر حاضنة الأعمال، سكاي ديك، حيث أن النموذج الذي أسسته لحضانة الشركات والأعمال الناشئة يخدم مستقبل العالم فعلا.
لقد كنت دائما معجبا بقدرة رجال الأعمال الرياديين على بدء العمل بلبنة واحدة ... لنراها بعد ذلك وقد صارت بيتا، ثم مدينة كاملة. لكن المشاريع الجديدة تحتاج إلى أرضية صلبة للبناء عليها. وهذه هي رؤية الأردن: أن يكون اقتصادنا منفتحا على النمو الغني بالوظائف والموجه نحو التصدير، والقائم على التنافس العادل، والاستثمار في التعليم، والبحث والتطوير، والبنية التحتية، وتوفير المساعدة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة الأخرى، وكل ذلك عبر بناء حاضنات أعمال للمشاريع ومناطق تنموية ومسرعات الابتكار، وغيرها من المرافق الضرورية.
لكن السؤال هنا: لماذا كل هذا الالتزام؟ أما الجواب فبكلمتين: المصلحة الوطنية، ذلك أن بلدنا يحتاج بشكل عاجل إلى وظائف - وظائف جيدة - خصوصا لشبابنا الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان. ويعد تشجيع روح الابتكار في القطاع الخاص عاملا أساسيا لتحقيق ذلك.
ولدعم هذه الأهداف، بدأ الأردن قبل خمسة عشر عاما في اتخاذ بعض الخطوات المدروسة جيدا، حين أدركنا الحاجة الملحة لتحقيق إصلاح شامل مستدام، وتعزيز المواطنة الفاعلة... وخلق الفرص الجديدة... ورفع مستوى المعيشة في البلاد بأسرها.
ولقد مُهدت الطريق أمام الأردن كي يكون البلد الذي هو عليه الآن، حيث رحبنا بقيم الاعتدال والانفتاح واحترام الأخر والمشاركة الجماعية والحرص على المستقبل. ومن خلال هذه القيم، استطاع الأردن أن يطرح نفسه كشريك في صنع السلام الإقليمي، وحفظ السلم العالمي، وفي الحوار بين الأديان وأن يكون داعما أساسيا لروح الريادة في منطقتنا.
وبالعزيمة نفسها استمر الأردن واحة أمن لشعبنا بقدرة على التكيف مع المستجدات بمرونة. وقد شهدنا مؤخرا تدفقا للاجئين الباحثين عن ملاذ آمن في بلدنا، حيث يبلغ عدد اللاجئين السوريين حاليا 1.3 مليونا، ما يشكل 20 بالمئة من عدد السكان الكلي، ما زاد الضغط بشكل كبير على موارد المملكة. ونحن نستجيب لهذا الواقع من خلال العمل بشكل وثيق مع المجتمع الدولي لتوفير مستويات كافية من المساعدة الإنسانية، ولكن هناك حاجة كبيرة للمزيد من الدعم.
ولإدامة النمو الاقتصادي، نتطلع إلى تنفيذ مخطط اقتصادي عشري يجري إعداده حاليا من خلال عملية تشاورية وطنية. وسوف يجمع مشروع "الأردن 2025" بين خطة عمل وإدارة صارمة للأداء تضمن تطوير قدرة الحكومة على الإنجاز وتحقيق نتائج تلبي التوقعات.
ونحن نستفيد أيضا من موجودات ومزايا وطنية، حيث يعد الأردن نقطة وصل بين ثلاث قارات، ويتمتع بعلاقات دولية مميزة واتفاقيات تجارة حرة متعددة. ويضمن هذا الموقع لمشاريع، تتخذ من الأردن مقرا لها، إمكانية الوصول إلى مليار مستهلك في العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة وآسيا.
كما يوجد لدينا ثروة أكثر أهمية، وهي شعبنا الشاب الطموح الملم بثقافة العالم وأحواله. والأردنيون مقبلون بنشاط على استخدام شبكة الانترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة. وهم مدركون للحاجة الإقليمية للمحتوى والتطبيقات والمنصات الإلكترونية – بل هم من يسهمون فعلا في تعزيز هذا الطلب.
وتشكل هذه المواهب بمجموعها مصدرا وفيرا للعمالة الجاهزة لتلبية متطلبات قطاعات متعددة، خصوصا قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. فهذه الصناعة التي بدأت في الأردن متواضعة قبل خمسة عشر عاما قد أصبحت الآن القطاع الأسرع نموا في اقتصادنا، والذي يساهم باثني عشر بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، كما استطاع هذا القطاع أن يولد نحو 80 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. ورغم التحديات التي يواجهها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد تضاعفت صادرات هذه القطاع ثماني مرات، وتصل منتجاته الآن إلى حوالي 60 بلدا.
وقد استطاع الأردن من خلال قدراته الإبداعية أن يكتسب لقب "وادي السليكون". وأصبحت عمان العاصمة الإقليمية للشركات الناشئة، وعاشر أفضل مكان لإنشاء شركة تكنولوجيا في العالم. ونجد أن الشركات القائمة تنمو وتتوسع في أعمالها، وتنجح في بناء شراكات عالمية مع أبرز قادة هذه الصناعة. كما أن الأردن هو موطن لبوابات المحتوى الإلكتروني العربي الثلاثة الأكثر شعبية في العالم العربي، وفيه يدار 75 بالمئة من محتوى الشبكة الذي ينشئه المستخدمون باللغة العربية.
إن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هو واحد من الصناعات التي تستفيد من موقع الأردن كبوابة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – وهي المنطقة التي يقطنها 350 مليون مستهلك يتحدثون لغة واحدة، هي العربية، وأكثر من 70 بالمئة منهم في سن الثلاثين أو أصغر. وتشكل هذه المنطقة سوقا ناضجة ومتنامية غير مستغلة تماما من قبل الشركات الأمريكية. وتوفر لكم القوة العاملة الأردنية التي تتمتع بالمعرفة والمتفوقة تكنولوجيا، وإتقان لغة ثانية، موقعا ممتازا للوصول إلى هؤلاء المستهلكين.
واسمحوا لي أن أتوقف هنا قليلا لأشكر جميع من آمنوا بنا ونحن ننطلق في رحلتنا - منهم مسرعات الأعمال في خليج سان فرانسيسكو مثل "فايف هندرد ستارت أبس" و"بلج آند بلاي" و"ألتشيميست"؛ والمستثمرين مثل إنتل كابيتال؛ وشركات مثل سيسكو سيستمز؛ وغيرهم. كذلك لعب الأردنيون العاملون في منطقة خليج سان فرانسيسكو دورا مهما في مساعدتنا على إطلاق العنان لإمكانياتنا وقدراتنا.
أصدقائي،
إننا نريد دفع هذه الجهود إلى الأمام، وأبعد من ذلك بكثير. وهذا يتطلب قيادة من القطاعين العام والخاص. وفي هذا السياق، فقد سرني أن أرى الأردن وقد تقدم ثلاث مراتب على مؤشر جاهزية شبكات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ما يؤكد من جديد على قدرتنا القيادية. ونحن عازمون على أن نستمر في هذا التوجه.
إننا ملتزمون بالعمل عن قرب مع القائمين على صناعة تكنولوجيا المعلومات وشركات أخرى جديدة. فنحن نريد لكم النجاح، وسنبذل كل ما في وسعنا لمساعدتكم في كل خطوة تتخذونها على هذه الطريق.
وأدعوكم جميعا للانخراط مع طاقاتنا الناشئة الشابة كشركاء في الأعمال أو مستثمرين أو مرشدين. وستجدون الترحاب بكم في مجتمع التكنولوجيا الأردني الذي يتميز بالإبداع والشغف والحماس للمستقبل. ولذا، فأنا أدعوكم لزيارة الأردن والانضمام إلينا.
واسمحوا لي أن أقول إن خير مكان تبدأون منه هو منتدى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي سيعقد في عمان في تشرين الثاني المقبل. وستلتقون هناك بالمبدعين من مختلف أنحاء الأردن والمنطقة، إلى جانب شخصيات عالمية فاعلة. وعليه، أدعوكم للمشاركة كي تتبادلوا الأفكار وتستكشفوا الفرص والإمكانات. وأنا على قناعة بأنكم ستجدون شركاء يساهمون في تحويل أفكاركم الإبداعية الخلاقة إلى واقع ملموس.
أشكركم جميعا.