كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة شرق آسيا الاقتصادية 2003

كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة شرق آسيا الاقتصادية 2003

سنغافورة
13 تشرين الأول/أكتوبر 2003

البروفسور شواب

حضرات الأعضاء والضيوف الأكارم

أشكركم على استقبالكم الحار وأشكر شعب سنغافورة على استقبالهم الكريم وحسن ضيافتهم. لقد جعل بلدكم من نفسه مثالاً عالمياً للمسؤولية والتميز والنجاح. إن جميع الحاضرين هنا في هذه القمة سوف يصغون ويتعلمون.

إنه شرف لي أن تتاح هذه الفرصة للمشاركة في هذا الحدث الهام جداً، فالديناميكية الاقتصادية أمر حاسم لمستقبل شرق آسيا. لكنها ملحة أيضاً للعالم ككل. ونحن نتطلع إلى قيادتكم وحسن بصيرتكم.

إننا نعرف أنه حتى في أيام الشدّة، و حتى في أزمة اقتصادية، اثبتت اقتصاديات شرق آسيا قدرة على التحمل، اليوم يقود كثير من دولكم العالم في مجالات اقتصادية حيوية. في المؤشرات المعتمدة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية في تحقيق النمو، تحتل تايوان المرتبة الثالثة، وسنغافورة المرتبة الرابعة، وتحتل كوريا الجنوبية مكانة بين البيئات الاقتصادية العشرة الأولى في النظام العالمي.

بدأت اقتصاديات النمو لآسيا مسيرتها باستثمار في رأس المال البشري: التعليم، الصحة وما هو أكثر من ذلك. ووظف الابتكار المعارف الجيدة في خدمة الاقتصاد. وكوفئ التميز. وتعلمت الدول الناجحة أن الإصلاح بعيد المدى لا يمكن تحقيقه دون الاعتراف بحقوق الإنسان وتطلعات شعوبها.

إن الرسالة واضحة: الديناميكية وسيلة للنجاح الاقتصادي وليست غايته.و هي ذات الوسيلة التي تحرك الاقتصاديات إلى الأمام. تماما كما هو الحال مع محرك القطار، إذا أريد له أن يحرك كل المجتمع، فلا بد من ربطه بكل عربة في القطار.

إنكم في هذه القمة تجددون هذا الالتزام بالديناميكية. وأنا هنا لأخبركم أننا في الأردن وفي العالم العربي معكم. فشعبنا الفتي الطموح حريص على المشاركة في أفضل ما يقدمه القرن الحادي والعشرين. ونحن نعرف أن هذا يتطلب الشجاعة للتغيير، الشجاعة للبحث عن شراكات جديدة، بدايات جديدة وطرق جديدة للتفكير.

إن القدرة على رؤية المسار المقبل تبدأ بفهم أين نحن الآن.، فبهذه الطريقة فقط نستطيع أن نتعامل مع القضايا والهموم التي تشكل نظامنا العالمي.

من المؤكد أن هذه لحظة حاسمة في التاريخ العالمي. فالأعمال التي نقوم بها، السياسات التي نضعها، القرارات التي نتخذها، سيكون لها جميعاً أثر بعيد المدى على المستقبل. إنه مستقبل نشترك فيه جميعا، أغنياء وفقراء، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً. لأننا مترابطون بشكل لا فكاك منه: في التجارة، المال والهجرة، في البيئة، المرض والصراع، وبالتأكيد في معركتنا المشتركة ضد الإرهاب. إننا معاً سنقيم ديناميكية جديدة، سلاماً وازدهاراً، أو نعاني معاً من تبعات الانقسام واليأس العالميين.

إنني أقول الانقسام لأن عالمنا أيها الأصدقاء سيظل رغم روابطنا مقسماً جداً. فالقلة القليلة تسيطر على الكثير، وكثيرون جداً من الناس لا يجدون سوى القليل يعلقون عليه الأمل. لقد وصف رئيس البنك الدولي، السيد جيم ولفونسون، وضعنا بأنه "مختل التوازن". وهو مصيب في رأيه. ففي عالم من ستة مليارات نسمة، يملك مليار واحد 80% من أجمالي الناتج المحلي العالمي. وعلى الطرف الآخر، يكافح مليار إنسان للبقاء على قيد الحياة بأقل من دولار في اليوم.

إن هذه التباينات، والتباينات العالمية الأخرى، قد حركت العمل العالمي وأحيانا أوقفت العمل. فمن الناحية الإيجابية شهدنا أهداف التنمية للألفية واعلاني مونتري وجوهانسبرغ. لكن التباينات العالمية انعكست أيضاً في انهيار محادثات منظمة التجارة العالمية في الشهر الماضي. وكانت كانكون امتحاناً للواقع: الأغنياء والمحرومون لا يعيشون في كوكبين منفصلين. فالسياسات في دولة معينة يمكنها أن تمسّ، وهي فعلا تمس الحياة اليومية للناس في كل أرجاء العالم. ولهذا فنحن بحاجة إلى شراكة ديناميكية جديدة من أجل التنمية، شراكة تعكس اندماج ومشاركة جميع اقتصاديات العالم.

إن الدول المتطورة والنامية على حدّ سواء تدرك أن التعاون هو الطريق إلى المستقبل. وفي حقيقة الأمر، كان هذا هو إحدى الرسائل من بالي في الأسبوع الماضي، وما هو مطلوب الآن هو تصميم عالمي لمعالجة الانقسامات القديمة وبناء شراكات من أجل التغيير. ولن يتحقق السلام الدائم والتنمية المستدامة إلا عندما نحقق تعاوناً أكبر، وتوازناً أكبر بين الأغنياء والفقراء. وهو يعني تصميماً جديداً وعميقاً على مخاطبة أزمات الثقة والعدالة التي تقوّض عالمنا.

أصدقائي

نلتقي اليوم في ظل صراع وضياع يجتاحان كثيراً من مناطق العالم، وخصوصاً منطقتنا. فما يزال الصراع العربي الإسرائيلي سببا رئيسيا في عدم الاستقرار وفي استقطاب التطرف والإرهاب العالميين بالإضافة إلى ما يسببه من معاناة وظلم لا حصر لهما.

إنني أقول: كفى. ولست وحدي في هذا. فالفلسطينيون والإسرائيليون، العرب وغير العرب، الشرق والغرب، يتشوقون لنهاية لهذا الصراع الهدام. وقد حان الوقت لخلق نمط فكري جديد وسلام حقيقي.

قبل أربعة شهور، أكدّ الإسرائيليون والفلسطينيون في العقبة نيتهم الصادقة في انتهاج الطريق إلى السلام. وحظيت خارطة الطريق بموافقة المجتمع الدولي، وجميع الدول العربية وجميع الذين يؤمنون بالإنسانية. تستطيع خارطة الطريق أن تحقق سلاماً ناجحاً: سلاماً دائما.

بطبيعة الحال، يأتي العمل طبعا بعد الكلام والخطابات. فالسلام الحقيقي يتطلب الثقة الحقيقية وذلك لن يتحقق من خلال أهداف بعيدة لا شكل لها. يجب أن يكون هنالك عمل فوري وجليّ - تحرك فعّال لصنع سلام ديناميكي. وذلك يعني وضع خارطة الطريق على مسار لا رجعة عنه - إلى دولة فلسطينية، أمن إسرائيلي، وازدهار للجميع في الشرق الأوسط. وفيما نفعل ذلك فإن علينا أن نقاوم الذين يمكن أن يعيدونا إلى الوراء. وفي مواجهة حلقة متجددة من العنف والإرهاب. علينا أن نعزّز التزامنا الجماعي لتحقيق السلام والأمل الذي يمكن أن يوفره.

والحاجة ماسّة إلى الأمل ليس فقط من قبل الذين يعانون من العنف، بل أيضاً من قبل جميع الذين يعانون من آثاره الجانبية. إن الصراع العربي الإسرائيلي في منطقتنا يشكل عقبة كبيرة أمام التنمية والإصلاح. فبحكم الحق والعدل يفترض و يتوجب أن يكون الشرق الأوسط مزدهرا. فبلدنا عالم ديناميكي من الشباب، حيث أن 60% من شعبنا دون سن الخامسة والعشرين. ومنطقتنا تملك إرثا غنيا من المعرفة والثقافة وإلا يمان ولديها إمكانيات اقتصادية هائلة فهي تملك أكثر من 65% من احتياطي العالم النفطي، و 36% من احتياطي الغاز. والدول العربية التي لا تملك مثل هذه الثروات الطبيعية تملك عدداً كبيراً من الموهوبين ذوي القدرة والتصميم.

لكن الحقيقة الواضحة هي أن التنمية الاقتصادية لم ترق إلى الوعد، فجميع الدول العربية الاثنتين والعشرين تحظى بإجمال إنتاج محلي أقل من إسبانيا ويظل النمو الاقتصادي دون الإمكانات. يجب على اقتصادياتنا أن تنمو بما لا يقل عن خمسة بالمئة في السنة، إذا أرادت أن تستوعب العاطلين عن العمل وتوفر وظائف جديدة لملايين الشباب الذين يدخلون ساحة العمل سنوياً.ان الحاجة ملحة لإجراء إصلاحات هيكلية اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى.

إننا في الأردن لم ننتظر أن يتحقق السلام الإقليمي للبدء بمستقبلنا، فنحن منهمكون في عملية ديناميكية للإصلاح الداخلي، وهي عملية بدأت قبل بضع سنوات، وتتسارع حالياً. إن هدفنا الأساسي هو مجتمع مدني ديمقراطي يشمل الجميع، مجتمع يمكن أن يوفر الأمل والوعد لشبابنا الذين يمثلون مستقبلنا.

في حزيران الماضي عقد المنتدى الاقتصادي العالمي اجتماعه السنوي غير العادي في الأردن وكان أمام المشاركين فرصة لمشاهدة بلد يمرّ في فترة تحول. التقوا مع طلاب، وقادة مجتمع، ومديرين تنفيذيين من قطاعات المال والأعمال في بلدنا. وكان أمامهم فرصة لدراسة المبادرات الأردنية للتعليم الإلكتروني وحقوق الملكية الفكرية والصناعات الدوائية والخدمات وغيرها.

هذا هو أردن اليوم، بلد على الطريق إلى المستقبل، وعلى تماسٍ مع ماضيه، بلد قام بمجازفات من أجل السلام في منطقتنا وفي أرجاء العالم، بلد يجاهر بآرائه بشجاعة باسم التسامح والعدالة والتعاون العالمي.

سوف نستمر في التزامنا بالحوار العالمي. وقد اتفقنا مع البروفسور شواب على عقد اجتماع آخر على شواطئ البحر الميت في أيار القادم. وأنا أدعوكم جميعاً للانضمام أيضاً لرؤية الأردن الذي وصفته لكم.

أصدقائي

ندرك أن كل كوكب من كواكب النظام الشمسي يتأثر بقوى ومدارات الكواكب الأخرى كبرت أم صغرت، لان النظام الشمسي مجموعة ديناميكية يكون لكل جسم فيه دور. وهنا وعلى كوكبنا الأرضي يتأثر مسار كل دولة بالدول الأخرى صغيرة كانت أم كبيرة عبر الحدود والعالم.. فنحن معا نشكل نظاما عالميا متحركا ونرسم معا مسارات مستقبلنا وهو مستقبل يشترك فيه الجميع.

ما هو المستقبل الذي نريد؟ لنعمل معاً من اجل صنع الخيارات، فالخيار لنا كقادة عالميين نجتمع هنا، في هذه اللحظة الهامة والمكان الهام للعثور على مسار تعود الديناميكية من خلاله إلى آسيا، و لصنع نموذج تحتذي به المناطق الأخرى، التي يترتب عليها البدء بالإصلاح والنمو والتطور. ولدعم التعاون ليحل مكان النزاع والحوار مكان الانقسام، ومن خلال هذا كله لمواجهة الاختلالات العالمية التي تقلل من شأن طاقة ومستقبل الأرض.

إن تفكيركم الجديد، ومبادرتكم ورؤيتكم ستمهد لمسار جديد: إلى عالم من الحرية والانفتاح، مجتمع إنساني عالمي مبني على المساواة والعدالة والحوار. دعونا نصنع معاً مستقبلاً ديناميكياً يحقق الوعد لزماننا وعصرنا.

أشكركم جزيل الشكر،،