كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تسلمه جائزة مصباح السلام في كاتدرائية أسيزي
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تسلمه جائزة مصباح السلام في كاتدرائية أسيزي
بسم الله الرحمن الرحيم
الأب غامبيتي،
الكاردينال باسيتي،
رئيس الوزراء كونتي،
المستشارة ميركل،
الرئيس تاياني،
أصحاب المعالي والسعادة،
الأصدقاء الأعزاء،
عندما أنظر حولي في هذه الكاتدرائية الرائعة في موسم الصوم الكبير، أتأمل الروح الجميلة التي تجمعنا هنا معاً في سلام وأمل، وأشعر بالامتنان الكبير للمشاركة في هذه المناسبة.
إن روح السلام التي تجمعنا هنا هي سبب وجيه لنستذكر ضحايا الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا قبل أسبوعين ولنتضامن مع أسر هذه الضحايا. إن مثل هذا الشر، وغيره أينما نزل وضرب، فهو في الواقع يمسّنا جميعاً. أدعوكم لتقفوا معي دقيقة صمت نستذكر فيها هؤلاء الضحايا وجميع ضحايا الكراهية.
أصدقائي،
أتسلم جائزة مصباح السلام بامتنان وتواضع، باسم كل من يعملون من أجل مستقبل أفضل، وعلى الأخص، باسم شعبيَ الأردني، مسلمين ومسيحيين، وهم الذين يقدمون التضحيات كل يوم في سبيل مستقبل أفضل للجميع.
وأتقدم بالشكر للأب غامبيتي ولكل من ساهم في تنظيم هذا اللقاء. واسمحوا لي أن أحيّي (الرهبان) الفرنسيسكان الذين يعملون بجد وإخلاص في كل مكان، وليس فقط هنا في أسيزي، بل في جبل نيبو في الأردن وفي كل أنحاء العالم.
واسمحوا لي كذلك أن أعبّر عن عميق تقديري لرئيس الوزراء كونتي؛ فإيطاليا بلد صديق للأردن، وشريك مهم في جهود السلام، خاصةً في الشرق الأوسط.
وأود أن أشكر بشكل خاص الكاردينال باسيتي على ما تقوم به الكنيسة الكاثوليكية من جهود بالشراكة مع المسلمين للانخراط في حوار بين أتباع الأديان. فالمسلمون والمسيحيون يشكلون أكثر من نصف سكان العالم. وإننا في هذا الوقت أحوج ما نكون لتحقيق الوئام فيما بيننا.
أصدقائي،
إن مصباح القديس فرانسيس للسلام يرمز، في نظري، لنور السلام الذي يضيئ طريقنا نحو مستقبل أفضل لجميع البشر، من كل الأديان والبلدان والمجتمعات.
لكن علينا جميعا أن ندرك أن تأمين الوقود اللازم لإدامة هذا النور هو مهمتنا جميعا، وأن وقود السلام العالمي هو الاحترام والتفاهم المتبادلان. ولهذا، فإن تسلمي مصباح السلام من شخص بذل جهودا كبيرة في سبيل تحقيق التفاهم والاحترام بين الشعوب، الصديقة العزيزة المستشارة ميركل، هو أمر له مكانة خاصة لدي.
إن تضافر جهودنا هو السبيل الوحيد الذي سيمكن الإنسانية من التصدي للتحديات الخطيرة التي تواجهنا الآن، وفي مقدمتها الوصول إلى حلول للأزمات العالمية، والمحافظة على بيئة كوكبنا، وضمان أن يكون لكل واحد منا، خاصة شبابنا، نصيب من الفرص والأمل.
إن القديس فرنسيس، الذي يرقد في هذه الكاتدرائية، معروف في جميع أنحاء العالم بتعاطفه مع كل شخص وكائن حي. هذه المحبة هي نموذج مهم يرشدنا. فليس من الضرورة لشعوب العالم أن تكون متشابهة لكي تتشارك في نفس الهموم، أو نفس الاحتياجات، أو نفس الآمال. وحتى نصل إلى مستقبل أفضل، علينا أن نجد طريقا مشتركا.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
صدق الله العظيم
نحن اليوم بحاجة لحوار حقيقي لتتعرف شعوب العالم على بعضها البعض، وذلك يتطلب التواصل بصراحة، والإنصات بتمعّن، وترجمة القيم الإيجابية المشتركة بيننا إلى عمل ملموس.
ولطالما دعونا في الأردن لمثل هذا الحوار. فمن خلال رسالة عمّان، تواصلنا مع مسلمي العالم، مؤكدين قيم الإسلام الحقيقية المتمثلة بالتسامح والتراحم والاحترام المتبادل. ومن حول العالم توالت أصوات الاعتدال، التي تمثل الأغلبية من إخواننا وأخواتنا المسلمين والمسلمات، لتنضم إلينا في التصدي لمحاولات تشويه صورة ديننا السمح والحنيف.
وفي رسالة "كلمة سواء بيننا وبينكم"، تواصل علماء دين أردنيون وغيرهم من المسلمين مع جيراننا المسيحيين حول العالم، في دعوة إلى التلاقي حول القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية، خاصة وصيتي حب الله وحب الجار. فانضم إلينا المسيحيون من كل مكان في حوار صادق وإيجابي.
أصدقائي،
إن مبادئ العيش المشترك والوئام بين الأديان جزء أصيل من تراث الأردن؛ الذي مثّل عبر التاريخ وطنا راسخاً للمجتمعات المسيحية، يتعاون ويتشارك فيه مواطنوه في بناء أمة واحدة قوية. وما زال المسيحيون، منذ آلاف السنين، جزءا لا يتجزأ من نسيج مجتمعات الشرق الأوسط، ولهم دور محوري في مستقبل منطقتنا.
إن الأردن جزء من الأراضي المقدسة، وأولو العزم من الرسل، كما وصفوا في القرآن الكريم، ممن حملوا رسالة التوحيد والدعوة إلى الإسلام والمسيحية واليهودية، قد باركوا، عليهم السلام أجمعين، أرضنا بمسيرهم فيها. وقد ساهمت أنا شخصياً، بفضل من الله وبركته، في دعم ترميم موقع عمّاد السيد المسيح عليه السلام (المغطس). واستقبل الأردن بكل حفاوة وترحيب الزيارات البابوية منذ عام 1964، والتي كانت أول زيارة بابوية إلى بلد مسلم، وحتى عام 2014 حيث ابتدأ قداسة البابا فرنسيس حجه إلى الأراضي المقدسة بزيارة الأردن.
يرتكز دور الأردن في المجتمع الدولي على التزامه الراسخ بالوئام والسلام، ويتمثل ذلك في حربنا على الإرهاب والكراهية على مختلف الأصعدة ضمن نهج شمولي، وفي مساعينا للتوصل إلى حلول فاعلة للأزمات العالمية والإقليمية، وفي جهودنا المستمرة للتوصل إلى حل دائم للقضية المركزية في المنطقة، وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب دولة إسرائيلية تعترف بها الدول العربية والإسلامية حول العالم كجزء من المنطقة.
وليس هناك ما هو أهم في يومنا هذا من العمل من أجل حماية القدس. وكوني صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فإنني ملتزم التزاماً خاصاً وشخصياً بواجبي تجاه أمن ومستقبل المدينة المقدسة. ويساهم الأردن بشكل فاعل في عمليات الترميم التاريخي لأهم الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، بما في ذلك كنيسة القيامة. كما تربط أواصر المحبة والحرص مليارات المسلمين والمسيحيين حول العالم بالمدينة المقدسة؛ ولا بد أن تكون القدس كمدينة مقدسة رمزاً للسلام يجمعنا ويوحدنا.
أصدقائي،
في هذا اليوم، وفي جميع أنحاء العالم، يجتمع الملايين من المسلمين ليؤدوا صلاة الجمعة، كما اجتمع المسلمون في نيوزيلندا قبل أسبوعين ليقفوا بين يدي ربهم آمنين خاشعين في بيوت الله. وفي هذه الجمعة، كما في كل يوم، وكما في كل صلاة من صلواتنا الخمس، فإننا ندعو إلى السلام.
أدعوكم لتلبوا هذا النداء، وأن تكونوا مصابيح سلام تنير الدرب نحو التفاهم والأمل الذي ينشده ويحتاجه عالمنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم وبارك الله فيكم.