كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال استقباله المشاركين في مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب"
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني خلال استقباله المشاركين في مؤتمر "التحديات التي تواجه المسيحيين العرب"
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء، يسعدني أن أرحب بكم في بلدكم الأردن، وأن أتوجه إليكم جميعا، بتحية الاعتزاز، والتقدير لجهودكم الخيرة.
تواجه منطقتنا حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر. وهذه التحديات والصعاب المشتركة التي نواجهها كمسلمين ومسيحيين، تستدعي منا جميعا تضافر الجهود، والتعاون الكامل لتجاوزها، والتوافق على منظومة سلوك تجمع ولا تفرق.
والهاجس الأكبر لدينا هو أن تترسخ النظرة السلبية والانعزال بين أتباع الديانات، ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي. وهذا يتطلب منا جميعا التركيز على موضوع التربية والتنشئة لحماية الأجيال القادمة، وهذه مسؤولية الأسرة وباقي المؤسسات التربوية، إضافة إلى المساجد والكنائس.
إننا ندعم كل جهد للحفاظ على الهوية المسيحية العربية التاريخية، وصون حق حرية العبادة، انطلاقا من قاعدة إيمانية إسلامية ومسيحية، تقوم على حب الله وحب الجار، التي أكدت عليها مبادرة " كلمه سواء".
وعلى ذلك، فإنني أدعوكم إلى تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان، والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب. وقد كنا سباقين في طرح العديد من المبادرات مثل (رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي) التي تصب في هذا الاتجاه.
ونحن نعتز بأن الأردن يشكل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين، كما نؤمن أن حماية حقوق المسيحيين واجب وليس فضلا أو منة، فقد كان للمسيحيين العرب دور كبير في بناء مجتمعاتنا العربية، والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة.
المسيحيون العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال.
إن مدينة القدس التي تتعرض اليوم - مع الأسف- لأبشع صور التهويد، شاهد عيان ومنذ أربعة عشر قرنا، على عمق ومتانة العلاقة الإسلامية المسيحية الأخوية، التي وثقتها العهدة العمرية، وأوصى بها جدنا الشريف الحسين بن علي، رحمة الله عليه. وقد سار على نهجه والدي الحسين، رحمه الله، وأنا مستمر بالسير على هذا النهج، بعون الله.
وعلينا نحن جميعا واجب الدفاع عن هوية القدس العربية وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، كما أن على المسيحيين العرب التمسك بهويتهم العربية. وواجبنا جميعا الوقوف في وجه كل الممارسات الهادفة إلى تهجيرهم أو تهميشهم.
وفي الختام، أتمنى لكم التوفيق والنجاح، والتوصل إلى توصيات عملية، نتشاور بشأنها مع إخواني القادة العرب، والمجتمع الدولي لتوفير الدعم المطلوب لها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.