خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى الحوار العربي الاسيوي

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في منتدى الحوار العربي الاسيوي

سنغافورة
27 نيسان/أبريل 2007
(مترجم عن الإنجليزية)
ألقى الخطاب نيابة عن جلالة الملك سمو الأمير فيصل بن الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الشكر لك [سعيد]، والشكر لكم جميعاً. ويسعدني أن أكون هنا، في الاجتماع الأول للحوار العربي الآسيوي.

اسمحوا لي أن أهنئكم جميعاً على انضمامكم إلى هذا الحدث الكبير، فهذا المنتدى جزء من حوار عالمي بدأت معالمه بالظهور، وتشارك فيه شخصيات رفيعة من مختلف أرجاء العالم. وهو مركز بصورة فريدة على القيادات الشابة التي يمكنها أن تضع أجندة للعمل. وهذا أمر في منتهى الأهمية لبلداننا ومنطقتينا.

ويشرفني أن أتيحت لي الفرصة لأتحدث أمامكم بكلمات قليلة قبل أن تبدأوا اجتماعات العمل. وآمل أن أترك معكم ذلك الحس بالتطورات التاريخية التي تشكلون جزءًا منها. وأولاها هي تلك العروة البالغة الأهمية التي بدأت معالمها بالظهور، ما بين آسيا والشرق الأوسط. وثانيتها هو ذلك الإسهام الأساسي القيم الذي يقدمه قادة القطاع الخاص والمجتمع المدني، مثل العديد منكم، من خلال عملهم على إيجاد الشراكة بين منطقة وأخرى، وإدامتها.

إن العلاقة بين آسيا والعالم العربي علاقة قديمة عريقة. ولكن الارتباطات الحديثة بيننا تستمد طاقتها وحيويتها من النظام العالمي متعدد الاقطاب، والذي نشهده في أيامنا هذه. ففي العقود الأخيرة، انخرط المزيد من اللاعبين في تشكيل التوجهات العالمية. وغدا للدول الصناعية والدول النامية حديثاً أيضاً تأثير ذو شأن على السوق العالمي وعلى السياسات العالمية. ولا يقتصر ما يعكسه هذا التأثير على الإنجازات التي حققتها كل دولة بمفردها، بل يتجاوز ذلك بأن يعكس أيضاً مستوىً حديثاً من التعاون ما بين مناطق العالم. فنحن غدونا، بوتيرة متزايدة، شركاء في التقدم والازدهار - نرفع من سوية قوانا، ويشرك بعضنا بعضاً في الحلول التي نتوصل إليها للتحديات المشتركة، ونزيد من تأثيرنا في الأحداث العالمية.

ويمكننا أن نرى هذا في الروابط المتنامية بين آسيا والشرق الأوسط. فالتجارة البينية بين المنطقتين تسجل أرقاماً قياسية جديدة؛ والاستثمار الذي يتجاوز الحدود، والتفاعل ما بين منشآت الأعمال، والصلات الاقتصادية الأخرى، في تزايد. وقد عملت بلداننا معاً في المنتديات العالمية لوضع اهتماماتنا المشتركة ، مثل إمكانية الوصول إلى الأسواق، وسياسة الدين، والموارد اللازمة للتنمية - في موقع الصدارة. وبما يتجاوز ذلك كله، هناك تعاون ملحوظ في التعليم، والتنمية، والقضايا المحورية الهامة الأخرى - بما في ذلك المجال الأساسي المتمثل في الأمن والسلام.

وأنا أعتقد أن ما أنجزناه ليس إلا البداية. فهناك مستقبل للشراكة في العديد من المجالات الأساسية الهامة. وهناك مزايا مشتركة منظورة من العمل معاً في مواجهة التحديات التي تجتاز الحدود، مثل الصحة، والبيئة، والأمن. ولدينا اهتمامات أساسية متقاطعة في مجالات رئيسية من الطاقة إلى التكنولوجيا. ومنطقتانا ملائمتان بصورة فريدة للتبادل التجاري: إذ أنهما تجمعان ما بين موقع العالم العربي كبوابة بين الشرق والغرب، والإمكانية المتوافرة لدى آسيا للتواصل مع العالم كمنتج ومستهلك؛ وبين الرصيد الأعظم الذي تحظى به المنطقتان، وهو حيوية شعوبنا ومواهبها.

وفي جميع هذه المجالات، وفي كثير غيرها، يمكن لشراكاتنا أن تسخر أوجه التعاون بيننا لتعمل من أجل مستقبل أفضل لشعوب آسيا والعالم العربي. ومعاً، يمكننا إيجاد تحالفات جديدة للتنمية- استراتيجيات إبداعية للنمو الاقتصادي- ونماذج عالمية تحتذى للحوار والاحترام- وجبهة مشتركة من أجل السلام. إنّ ما يهدي خطانا في العالم العربي، فيما يتصل بهذه الشراكة، هي قيم الإسلام الاجتماعية التي نعتز بها كثيراً - التسامح، والتعايش، واحترام الآخرين. وهذا هو ما يدعونا إلى التشارك في العمل من أجل تحقيق تقدم الإنسانية في عصرنا. وليس هناك من شريك أهم لدينا من آسيا.

لقد قامت الحكومات بدور رئيسي في تمتين مكانة الصداقة الآسيوية - العربية وتشجيعها. ولكننا بحاجة إلى إشراك الناس في مجتمعاتنا - في إيجاد التفاهم بين ثقافاتنا، وفي إيجاد الآليات والمؤسسات التي ستعمل على إدامة الروابط بيننا. فالنجاح يحتاج إلينا جميعاً: الحكومة بسلطاتها وما فوضت به لتحقيق الصالح العام... والقطاع الخاص بتركيزه على الفعالية والإنجاز... والمنظمات غير الحكومية بما تتحلى به من خبرات والتزام... والمعلمين والعلماء بما أوتوا من معرفة ورؤية... والكثيرين غيرهم.

إننا شهدنا في الشرق الأوسط التأثير الذي يمكن أن يحدثه مثل هذا الإشراك. فالجماعات القيادية مثل القيادات العربية الشابة، ومجلس الأعمال العربي، وغيرهما، تسهم في الإصلاح، والتنمية، ونمو الفرص. وتعتبر منشآت الأعمال والمنظمات غير الحكومية من اللاعبين الرئيسيين في الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص الذين يحدثون فرقاً في التعليم والمبادرات الإنمائية الأخرى التي تولد النمو وتعمل على تحقيق الاستدامة للمجتمعات.

وما يستثير النظر هو النمو في أوجه التعاون المشابهة على المستوى الإقليمي. وهذا المنتدى هو إحدى هذه التجمعات التي تختزن إمكانية هائلة لإيجاد شبكات طويلة المدى للتعاون وجلب الفوائد للجانبين كليهما. إن القيادات الآسيوية الجديدة ومجلس الأعمال العربي يعملان معاً لإيجاد منابر للتنمية المشتركة. وقد عملت مؤسسة الحوار الآسيوي- الشرق أوسطي (أميد) على إيجاد هيكل مؤسسي جديد لمعالجة سلسلة واسعة من الاهتمامات المشتركة.

إن هذه المبادرات، وغيرها، توفر فرصاً هامة للعمل. وسنغافورة ناشطة في رعاية عملية الحوار الآسيوي- الشرق أوسطي، إضافة إلى رعاية المبادرات الإبداعية، مثل مركز التدريب المهني الإقليمي في الأردن، لمساعدة الشباب على اكتساب المهارات المطلوبة. وتعد اليابان عنصراً أساسياً بالغ الأهمية في مفهوم كوريدور السلام، الذي سيشرك القطاع الخاص في الأردن، وفلسطين، وإسرائيل، في التعاون الاقتصادي. أما في بلدي، فإن المبادرة الرائدة للتعليم في الأردن، جاءت نتيجة للشراكة بين شركات عالمية كبرى، وخبراء أردنيين، ومتخصصين في التعليم، والعديد غيرهم. والنهج المتبع في المبادرة الرائدة للتعليم في الأردن يجري تعميمه عالمياً، بما في ذلك تعميمه هنا في آسيا، حيث يتم تكييفه للتطبيق في الهند.

وهذه مجرد أمثلة قليلة للبرامج المحددة والعملية التي يمكن أن تجمع ما بين الناس لخلق الازدهار. ومن الواضح، أن أحد أهم الأمكنة التي يمكن أن يحدث هذا فيها هو في داخل القطاع الخاص نفسه. ففي جميع أرجاء الشرق الأوسط، بذلت جهود جدية لتسهيل النشاط الاقتصادي وتيسيره، وخلق الفرص والتنمية. ونحن نعرف أن هذا أساسي لتلبية حاجات الشباب لدينا- والذين يشكلون حالياً أكثرمن نصف السكان في بلدنا.

إن جيلاً جديداً يكبر ويترعرع ونفوس أبنائه تعج بالتوقعات العاجلة الملحة: للوظائف، وللأمل، وللاحترام. وعلينا أن نساعدهم على تحقيق النجاح، وأنا أعتقد أننا بالعمل معاً قادرون على ذلك. وفي الواقع، فإن الجماعات السكانية الفتية يمكن أن تشكل مخزون طاقة للنمو والتقدم. فالمعجزة الاقتصادية الآسيوية أجج أوَراها تجمع ديمغرافي فتي ذو شأن. وعمل المبدعون من الشباب في أرجاء العالم على تحقيق ذلك الفيضان من التكنولوجيات الجديدة التي شهدها القرن العشرون- مما أدى إلى إحداث التحول في الإمكانات العالمية.

وبالطريقة ذاتها، فإن السكان الشبان في العالم العربي يمكنهم دفع عجلة النمو والإنجاز الإقليميين، وسيعملون على تحقيق ذلك. والقادة من أمثالكم يمكن أن يكونوا رواداً - لا بالعمل معاً لخلق آليات للفرص الاقتصادية فحسب، بل أيضاً لتقديم أنموذج يحتذى في مسؤولية القيادة، واحترام الآخرين، والرضى الذي يملأ النفس نتيجة للشعور بأن إنجازاً حقيقياً قد تم.

أصدقائي،
إن الشبان، لدينا ولديكم، بحاجة للسلام أيضاً. والأزمة العنيفة في الشرق الأوسط تهدد العالم بأجمعه. وليس هناك من نزاع يتردد صداه بصورة أقوى من صدى النزاع المحوري بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا بد من إحلال السلام وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.

لقد جددت الدول العربية في الشهر الماضي التزامها بمبادرة السلام العربية - وهي حل منصف عادل للأزمة؛ إذ تقدم المبادرة حلولاً يمكن للطرفين أن يثقا فيها. وهي توفر ضمانات أمنية بين جميع الدول العربية وإسرائيل... والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967... وأخيراً، وبعد جهد جهيد، دولة فلسطين ذات السيادة، والقابلة للحياة، والمستقلة.

إن هناك حاجة ماسة لدينا جميعاً لنعمل معاً لتحقيق نتائج حقيقية - تسوية دائمة شاملة، هذا العام. ويمكن لجميع أصدقاء السلام والتقدم أن يقوموا بالدور المنتظر منهم من خلال الحث على إحداث التقدم ومساعدة الفريقين على التركيز على المستقبل.

أصدقائي،
قبل قرون خلت اجتاز التجار وغيرهم البحار والقارات بين آسيا والعالم العربي، وفتحوا الأبواب أمام قيام شراكة تاريخية. وفي تلك الأيام، كان مثل ذلك الجهد يتطلب الطاقات والإمكانات المتوافرة لدى الشباب. فقد كان الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة في السابعة والعشرين عندما بدأ رحلاته العالمية، وكان في بداية الأربعينات من عمره عندما وصل شرقي آسيا. (حسناً، كان هذا قبل 700 عام، أما هذه الأيام فالرحلة غدت أسرع قليلاً).

إن هؤلاء الرحالة والتجار كانوا، في تلك الأيام الخوالي، قادة الأعمال العالميين وصانعي الرأي العام. وما قاموا به كان انطلاقةً لعملية التفاهم ما بين الثقافات والتجارة العالمية، التي أصبحت الأساس للنظام العالمي في أيامنا هذه.

أما اليوم، فأنتم الرواد العالميون وقادة الفكر. أنتم صانعو الرأي العام الذين يستطيعون رؤية الثقافات الأخرى وجهاً لوجه، ويستطيعون أن يشركوا معهم جمهوراً أوسع، بدرجة أكبر كثيراً، في استجلاء حقيقة همومنا وقيمنا المشتركة. أنتم القيادات الشابة التي تستطيع أن تشحن الأجيال القادمة بالطاقة وتتواصل معها. أنتم أصحاب الإنجاز الذين يستطيعون خلق شراكات الغد.

وعلى مدى اليومين القادمين، ستدور في هذا المنتدى مناقشات حول القيادة الفكرية، والعمل الاقتصادي، وبناء الحوار. والحقيقة التي لا مراء فيها أن هذه ليست هموماً منفصلة. فالمكاسب الاقتصادية والتنموية لن تحدث دون تفكير يتطلع للأمام على جميع مستويات المجتمع- من المسؤولين التنفيذيين في منشآت الأعمال، إلى المعلمين، وخبراء التنمية، والعديد غيرهم. ومن مكونات هذا التفكير الذي يتطلع للأمام الحوار العالمي- الحوار الذي يجري بين الناس الذين يمكنهم عقد شراكات عبر المحيطات، والتفكير بصورة خلاقة، والتعاون، وتحقيق الإنجازات.

وتحملون على كواهلكم واجب خلق حوار جديد قوامه الاحترام بين الثقافات، وإيجاد حلول إبداعية للهموم المشتركة، ومؤازة ودعم شراكتنا من أجل التقدم والسلام، وتشجيع جميع أولئك الذين يتطلعون إليكم مستلهمين خطاكم.

إن الصداقة الممتدة بين آسيا والعالم العربي حية في قيادتكم. وأتمنى لكم ولهذا المنتدى النجاح والتوفيق.

وأشكركم جزيل الشكر.