خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر دول عدم الانحياز
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤتمر دول عدم الانحياز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أصحاب السعادة
الحضور الكرام
إنه من دواعي فخري أن تتاح لي اليوم فرصة مخاطبتكم . اسمحوا لي سيد ماهاتير أن أهنئكم على تقلدكم رئاسة حركتنا لعدم الانحياز. السيد الرئيس إننا على ثقة أنه بتوجيهاتكم ومساعدتكم ستحقق الحركة نجاحاً عظيما. نتوجه والوفد المرافق بالشكر لكم، وللشعب الماليزي، على كرم استضافتكم لهذه القمة، وعلى الاستقبال الدافئ الذي أحطتمونا به في هذه المدينة الجميلة، كوالا لامبور.
اسمحوا لي أن أعبر عن تقديرنا لصاحب السعادة، تابو مبيكي، الرئيس السابق لحركة عدم الانحياز. لقد منح مواهبه لهذه الحركة خلال الأربع سنوات الماضية الحاسمة، ونعلم أنه سيستمر في كونه مصدراً للقوة والحكمة. نشكركم يا صاحب الفخامة.
السيد الرئيس
هذه هي أول قمة لنا في القرن الحادي والعشرين. قد يحمل القرن هذا وعوداً عظيمة، للتنمية الحقيقية، وللحرية والأمن، والعدالة والسلام. لكن ، بينما نجتمع هنا، تعيش العديد من شعوبنا واقعاً مغايراً - واقعاً من المعاناة، الفقر المدقع، والعنف. كيف نرفع هذه الأعباء عن كاهل شعوبنا؟ وكيف نتولى زمام أقدارنا، لنوفر مستقبلاً أفضل، وأكثر حكمة لشعوبنا؟
الجواب في رأينا يكمن في المبادئ العميقة لهذه الحركة: احترام متبادل لكرامة الأمم..التعاون والتضامن في مسألة التنمية..وإيجاد أجندة عالمية جديدة، أجندة تعزز حقوق شعوبنا وتخدم مصالحها.
هذه هي المبادئ التي ساعدت أممنا على الخروج من العالم الاستعماري القديم ، وعلى ارتقائها فوق انقسام القطبين في الحرب الباردة. اليوم، ستحملنا المبادئ ذاتها نحو المستقبل، تضمن دورنا كلاعبين مؤثرين على الساحة العالمية.
ما من مكان أكثر خطورة من الشرق الأوسط، حيث تهدد أزمتان سلام الأمم.
اليوم، يستمر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في كامل اندفاعه ، وتستمر هذه الدوامة الشريرة من الاحتلال والقمع والعنف في إدامة الدمار والظلم. إن الناس من كلا الطرفين في حاجة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى السلام.
عمل الأردن جاهداً على تحقيق "خارطة الطريق" التي يمكنها جعل السلام الحقيقي واقعاً ملموساً . إن المبادرة العربية البارزة التي طرحت في بيروت في العام الماضي تشكل جزءاً هاماً من الخطة. وهي تمثل تصوراً لسلام عادل، ودائم وشامل - لدولتين، جنباً إلى جنب، على أرض فلسطين التاريخية؛ ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي، والانسحاب من الأراضي العربية التي احتلت في حزيران 1967، بما فيها مرتفعات الجولان السورية، وباقي الأراضي اللبنانية، وضمانات عربية جماعية للأمن. تعكس تلك الضمانات واقعاً حاسماً: يعتمد الطريق إلى التعايش على حدود آمنة لكل من العرب، والفلسطينيين والإسرائيليين .
لكن لنكن واضحين. عامل الزمن هو جوهر القضية. يعيش الفلسطينيون حالياً في أوضاع يائسة من المعاناة والصعوبات. إن مصائب الحياة المتمثلة بالاحتلال، والفقر الشديد، والبطالة المرتفعة، ومصادر حرمان أخرى تقلل من شأن الحقوق الأساسية في الحياة.
في هذه الأزمة، مد الأردنيون أيديهم مجدداً بقلوب تفيض بمشاعر صادقة. يقدم بلدنا يد العون للفلسطينيين نظراً لكونه السبيل الوحيد للإمدادات الإنسانية من الأغذية ، الدم للجرحى، وحتى المساعدات الطبية . لكن المساعدات الإنسانية التي قد يوفرها العالم كافة لا تغني عن أوضاع تسود فيها الحرية والسلام وهما أساس الحياة والأمل.
في واقع الأمر، تعب الطرفان من النزاع. لم يعد أي منهما يرغب في عيش كهذا . إسرائيل تواجه الآن نمواً اقتصادياً سلبياً ، لأول مرة منذ سنوات. الجميع يعانون. وهذا يكفي. نحن بحاجة للتقدم الآن على طريق السلام.
السيد الرئيس
الوضع في العراق يشكل تحدياً كبيراً آخر. فالعراق عضو هام في الحركة، وفي الجامعة العربية أيضاً. الأزمة التي تتكشف في العراق تحمل في طياتها نتائج رهيبة على العالم.
السلام، وليست الحرب، هو ما يحتاجه الشرق الأوسط. يخدم الحديث عن الحرب في تحويل تركيز جهودنا على المعركة الهامة ضد الإرهاب العالمي. تلك المعركة هي عملية قائمة ، وتستدعي اهتمام أممنا الكامل وتعاونها المستمر.
اليوم ، يستشعر الأردنيون، مثلهم مثل باقي شعوب العالم، "إعياء الحرب". الرأي العام العالمي ضد الحرب. المجتمع الدولي يسعى إلى أساليب سلمية لحل النزاع، والتي تتجلى في تطبيق قرارات مجلس الأمن وإرادة المجتمع الدولي.
أما الأزمة العراقية، فيجب أن يواصل مجلس الأمن تحمل المسؤولية الأساسية. نأمل أن تستمر كافة الأطراف باحترام هذه الحقيقة، وأن تتحقق الأمم المتحدة من التطبيق الصادق لقراراتها.
السيد الرئيس
السلام هو الأزمة الحالية. لكن يجب أن لا نغفل عن التحديات الأعمق والمستمرة - تخلف التنمية، الديون، الإرهاب، الصراعات الإقليمية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. وإذا شئنا مواجهة هذه التحديات بجدية، علينا التحلي بالجرأة، وعلينا العمل بيد واحدة.
يجب أن تكون أولى أولوياتنا تخفيف الأسباب الكامنة للمعاناة والعنف. وهذا بدوره يتطلب وضع حد للفقر وشروره. هنالك خطوة هامة تتمثل في التزام دولي لخفض معدلات الفقر للنصف في الدول الأقل تطوراً ، وذلك بحلول عام 2015. لكن هذا الالتزام ليس سوى البداية، إذ على المجتمع الدولي تحقيق هذا الهدف. وفي هذا المضمار تضطلع دول عدم الانحياز بدور مركزي كمدافعة عن حقوق المليارات من الفقراء والمشردين.
ومن الخطورة بمكان اتخاذ ما يلزم لحل مشكلة الديون الساحقة. عديد من الأمم النامية ، يثقل كاهلها الديون التي تخنق نموها الاقتصادي وتمنعها من تحقيق التنمية المستدامة. وبدون شك، أجهزت خدمة الدين الخارجي، في العديد من أممنا، على كافة مستويات الاستدامة الاقتصادية.
آن الأوان لحل شامل، حل يضع الأمم المدينة على سبيل النمو المستمر والازدهار. ويعني هذا تصميم إجراءات للتخفيف من الدين والتي تتيح للدول النامية توفير الموارد اللازمة لتحقيق أهداف التنمية.
في هذا المجال وفي مجالات أخرى، يجب أن تسعى دول عدم الانحياز ليكون لها نفوذ أكبر في اتخاذ القرارات الدولية. والحقيقة البسيطة هي أن تحديات هذا القرن لا يمكن مواجهتها دون المساهمة والقيادة الفعالتين لأممنا. في القرن الحادي والعشرين، لن تحل مشاكلنا بسياسة القوة أو التنافر الأيديولوجي. لكنها ستحل بواسطة الإجراءات الثابتة الموجهة لحل انقساماتنا، واتخاذ خطوات حقيقية لترسيخ المساواة وتوفير الفرص لشعوبنا.
لتحقيق المزيد، يجب أن تطور دول عدم الانحياز أسلوب إدارتها لأعمالها. الخطوة الأولى تتمثل في التزامنا ، اليوم، بتوصيات قدمها وزراء خارجيتنا. دعوني أنتهز هذه الفرصة لأحيي جهود فخامة الرئيس مبيكي والرؤساء السابقين لحركة دول عدم الانحياز. إن التزامهم لإعادة إحياء وتمتين الحركة يتجسد في هذه الأفكار. دعونا نقف خلفهم بدعمنا وأصواتنا.
بينما ننظر قدماً، علينا أن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة حول كيفية قيامنا كحركة بتحقيق المزيد. ويتطلب هذا مراجعتنا لأولوياتنا، وتركيزنا الحاد على القضايا الجديدة الآخذة بالظهور. قضايا مثل حقوق الإنسان، الإرهاب، تجارة المخدرات، غسيل الأموال، تجارة الأسلحة وانتشار أسلحة الدمار الشامل - كلها قضايا بارزة في الأجندة الدولية. يجب أن يكون لدول عدم الانحياز صوت قوي لما فيه مصالح أممنا.
واحدة من اهتماماتنا الخاصة هي المحافظة على السلام. اليوم، أغلبية القوات المنتشرة في النقاط الساخنة في العالم هي من أفراد قوات دول عدم الانحياز.إن المخاطر والتضحيات لمثل هذا التواجد يقدم مساهمة ملموسة للمصلحة العامة. وهذا في اعتقادنا، يخول أممنا الاضطلاع بدور أكبر في نظام الأمن العالمي. يجب تطوير التعاون الراهن بين القوى الرائدة في الشمال وبين دول عدم الانحياز في هذا المفهوم بشكل أكبر. يجب أن يكون لأممنا دور أكثر نشاطاً، من المراحل الأولى للدبلوماسية الوقائية وحتى مرحلة حل النزاعات.
السيد الرئيس
حركتنا تمثل تضافر الجهود والتعاون، في وقت تكون فيه الشراكة العالمية للسلام أهم الآن من أي وقت مضى. إن أممنا تمثل نماذج هامة للتنمية والنمو، في وقت يستصرخ العالم فيه طالباً حلولاً جديدة.
دعونا نعمل معاً، ونتصرف بجرأة، من أجل عالم أفضل. ودعونا ننظر بتفاؤل نحو القرن القادم.
أشكركم،،،،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....