خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة القادة حول أزمة اللاجئين (على هامش الاجتماع الحادي والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة)

خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في قمة القادة حول أزمة اللاجئين (على هامش الاجتماع الحادي والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة)

الولايات المتحدة الأميركيةنيويورك
20 أيلول/سبتمبر 2016
(مترجم عن الإنجليزية)

جلالة الملك يلقي كلمة في قمة القادة حول أزمة اللاجئين - أيلول 2016 | RHCJO

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد،

السيدات والسادة،
اسمحوا لي بداية أن أشكر الرئيس أوباما على قيادته في هذه المرحلة الفاصلة من مسيرة مجتمعنا الدولي.

الرئيس أوباما،
أشكرك دوما على كلماتك، وتذكيرنا بالواجب الأخلاقي الذي علينا جميعا القيام به لإحداث فرق إيجابي للإنسانية. إن باستطاعتنا جميعا العمل معا أكثر في هذا المجال، وأود، باسم العديد منا هنا، أن أعرب عن تقديرنا لحديثك الحافل بالحكمة، آملين أن نكون بمستوى الطموح.

إن أزمة اللاجئين الدولية، التي نشهدها اليوم، غير مسبوقة، وباتت تشكل كارثة إنسانية تثبت أنها خطر متنام يهدد الأمن والتنمية والنمو الاقتصادي العالمي. وبالتالي، فإن الاستجابة لها مسؤولية جماعية، إذ نحن بحاجة إلى أن نرتقي إلى المستوى المطلوب من الانخراط الدولي دون تباطؤ، ونحن بحاجة إلى الأفكار المبدعة. وأود أن أعرب عن شكري للدول التي تساهم معنا في استضافة هذه القمة، ولكل المشاركين معنا اليوم.

وأود أن أطرح ثلاث نقاط محددة.

الأولى: تتمثل في أهمية أن نبني استجابتنا على أساس الحقائق على الأرض، وليس على ما نتمناه أو ما يلائمنا.

إن بلدي الأردن يضع أمام هذه القمة خبرته الطويلة والمباشرة في هذه المسألة التي تتسم بالتعقيد. فعلى مدى سنوات طويلة، شجع ما يتمتع به الأردن من أمن واستقرار وتعاطف شعبي اللاجئين على طرق أبوابنا. وفي السنوات الخمس الأخيرة أدت أزمة اللاجئين السوريين إلى تفاقم العبء الواقع على الأردن إلى مستويات مرتفعة، فقد عبر الأردن نحو 2.5 مليون لاجئ سوري منذ عام 2011، واليوم نستضيف 1.5 مليون لاجئ، ما يشكل خمس عدد السكان. وبالنتيجة، شكل هذا الأمر عبئا على أبناء وبنات الوطن في جميع أنحاء البلاد. ولا يحق لأحد أن يشكك في التزامنا أو في التضحيات التي بُذلت في هذا الصدد.

كما أن الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة اللجوء طالت كل القطاعات والمجتمعات المحلية، وتسببت في تراجع الإنجازات التي كان قد حققها اقتصادنا في مجالات التنمية وتوفير فرص العمل وتخفيض الديون، حيث ننفق ما يعادل ربع الموازنة الوطنية الآن على الكلف ذات العلاقة باللاجئين.

وبكل بساطة، فإنه من المستحيل إدامة هذا الوضع، وجميع الدول متفقة على أن أزمة اللجوء السوري ستظل قائمة أمامنا جميعا لسنوات، وبالتالي فلا بد من حل مستدام. وإذا ما تخلى العالم عن الدول المستضيفة للاجئين وتركها لمصيرها، فإن هذا لا يعني أن المشكلة ستختفي، بل أن الأزمة ستمتد وتنتشر، وهو الأمر الذي سيطيل من الوقت الذي نحتاجه لإنهاء هذه المحنة، ولا يمكن حينها أن نتخيل حجم المعاناة الإنسانية الناتجة.

وعليه، يجب أن نتحرك من خلال جهد جماعي لنستجيب بشكل ملائم للاحتياجات الحقيقية، والأثر الفعلي الممتد للأزمة، والمدة الزمنية المتوقعة لها فعليا. ولهذه الغاية، وضع الأردن خطة مستدامة وفعالة تعتمد على تحقيق أهداف تنموية لدعم المجتمعات المستضيفة واللاجئين على حد سواء. ويقوم منهجنا على الشراكة الدولية والتجارة والاستثمار لخلق الفرص وتوليد مصادر الدخل التي يحتاجها كل من الأردنيين والسوريين.

أما النقطة الأساسية الثانية فتتمثل في ضرورة العمل كفريق واحد. فأزمة اللاجئين لا تتطلب الالتزام فقط، بل المتابعة الحثيثة أيضا. فأي حلّ فعّال طويل الأمد وقائم على أسس تنموية يحتاج إلى انخراط الدول المستضيفة والجهات المانحة والقطاع الخاص كذلك؛ حيث سيؤدي نقص التمويل، وانعدام المشاركة إلى تقويض الأهداف المشتركة.

كما يجب أن نعمل معاً لترجمة التعهدات التي صدرت عن مؤتمر لندن، وما سيتبلور عن هذه القمة إلى نتائج ملموسة على الأرض، وحيثما استدعت الحاجة لتعزيز القدرات والمنعة الاقتصادية على المستويات الوطنية وعلى نطاق المجتمعات المحلية. وهنا لا بد من التأكيد أن للقطاع الخاص دور مهم يلعبه.

إن الأردن يعمل مع المجتمع الدولي لتنفيذ برامج جديدة. ومن ضمن المبادرات المهمة تبسيط شروط قواعد المنشأ الأوروبية، ودعم النشاط التجاري المولد للوظائف في ظل شروط أسهل وأبسط.

إن أولويتنا توفير الوظائف في المجتمعات المحلية، خصوصا تلك الأكثر تضررا من تدفق اللاجئين. وخلال الشهور القليلة الماضية أصدرنا أكثر من 28 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين، في حين ينتظم الآن أكثر من 160 ألف من الأطفال السوريين في مدارسنا. ونأمل، مع نهاية العام الحالي، أن نتمكن من استيعاب 40 ألف طفل جديد. وهذا سيسمح لهؤلاء الاطفال من اكتساب الأدوات الضرورية ليساهموا في إعادة بناء وطنهم بعد انتهاء الصراع.

والنقطة الثالثة والأخيرة، التي أود الإشارة لها، هي أن الحل المستدام الحقيقي يجب أن يبدأ بحماية النساء والأطفال داخل سوريا ضد الاستغلال البشع لهم من قبل داعش والعصابات الإرهابية الأخرى، الذين يمارسون الاتجار بالبشر ويستغلون موجات النزوح. فمن واجب المجتمع الدولي أن يقدم العون والدعم للمواطنين داخل سوريا، وأن لا ينتظر حتى تتفاقم أزمة اللاجئين بشكل أخطر.

أصدقائي،
لقد قدم الأردن الكثير، وهو ملتزم بالقيام بواجبه، وأرجو أن يكون هذا موقف الجميع  هنا اليوم. وأتطلع إلى نجاح قمتنا.

وشكرا.