خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة الثالثة لرؤساء دول وحكومات أمريكا الجنوبية والدول العربية
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة الثالثة لرؤساء دول وحكومات أمريكا الجنوبية والدول العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة الرئيس هومالا،
أصحاب الفخامة والدولة،
الضيوف الكرام،
شكرا لكم على استقبالكم الحار. إنه لشرف لي أن أكون بينكم جميعا.
اسمحوا لي أن أغتنم هذه الفرصة الطيبة لأعبر عن تقديري الكبير لكم، ولفخامة الرئيس، ولحكومة البيرو وشعبها على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال.
أصدقائي،
إن انعقاد القمة الثالثة لدول أمريكا الجنوبية والدول العربية يطرح سؤالا هاما أمام الجميع، ومفاده: من نكون وماذا نمثّل؟ إننا نمثل عشر سكان الأرض — ونضم فيما بيننا ما يزيد على 200 مليون شاب وشابة يحتاجون ويستحقون نصيبهم المشروع من الفرص، وأن يكون لهم رأي في صياغة مستقبل العالم.
إننا نمثل مناطق جيوإستراتيجية رئيسية تربط بين مختلف القارات، ونتمتع بأهمية حيوية لها دور أساسي في تجاوز العالم لأزماته وتحقيق الازدهار، ونتمتع كذلك بنفس القدر من الأهمية في مجالي الأمن والسلام الدوليين، وكذلك في رسم مستقبل عالمنا.
كما أننا إخوة وأخوات يجمعنا تاريخ قديم ومشترك، ومستقبل يمكن أن يجلب المزيد من الخير لشعوبنا، إذا استند إلى شراكة قوية وفاعلة.
واسمحوا لي أن أؤكد أنه من حق منطقتينا أن تشعرا بالإعتزاز، كما أشعر أنا شخصيا، بمساهمات أبناء أمريكا الجنوبية من الأصول العربية بالإنجازات العديدة التي تحققت في هذه القارة. إن هذا التناغم بين شعوبنا ليس بالغريب، إذ إن مجتمعاتنا قد ساهمت في عجلة التفاعل الحضاري والإنساني بما لديها من ثقافات عظيمة يجب علينا أن نحتفي بها، ونحافظ على استمراريتها. كما أن شعوبنا جميعا تلتقي على أرضية مشتركة تتمثل في القيم العظيمة التي تجمعنا، وهي احترام الكرامة الإنسانية والمساواة، والالتزام الراسخ بالعدل والسلام.
أصدقائي،
أمامنا عمل كثير يجب إنجازه، فقد طال الأمد بشعوبنا وهي تواجه الصعاب. وقد تأثرت الدول النامية، بغض النظر عن موقعها على سلم النمو الاقتصادي، بهزات الأزمات الاقتصادية العالمية. وفي الشرق الأوسط، أدت المصاعب وحالة الإحباط السائدة إلى إطلاق صيحات مطالبة بالإصلاح، تجلّت فيما بعد بالربيع العربي، غير أن شعوبنا ليست وحدها من ترنو إلى مستقبل أفضل، فكل دولنا مطالبة بتلبية احتياجات مواطنيها.
وعليه، فالعمل يبدأ من داخل أوطاننا حيث نشهد اليوم في الشرق الأوسط مسارات وتجارب متعددة لمواجهة تحد مشترك، يتمثل في التصدي للتحديات الوطنية، وإشراك من عانى الإقصاء، وتوفير الفرص بشكل عاجل، خاصة لجيل الشباب.
لقد اغتنمنا هذه الفرصة في الأردن لتسريع مسيرتنا نحو إصلاح شامل يتوخى التوافق. ونحن الآن في طور بناء نظام أحزاب سياسية سيشكل عماد الحكومات البرلمانية. وسوف ننتخب برلمانا جديدا مع بداية العام القادم، وستنبثق الحكومة القادمة عن هذا البرلمان.
وفيما يتعلق بالمسار الاقتصادي، فإننا نمضي قدما بسياسات تدعم تحقيق النمو الشامل والمستدام، وتوفر الوظائف التي يحتاجها شبابنا. وبالرغم من شح موارد الأردن الطبيعية، إلا أنه يمتلك مقومات النجاح المتمثلة في موقع مركزي على مستوى العالم والإقليم، واتباعه نهج الاعتدال، وتمتعه بالاستقرار، والتزامه الراسخ بدعم المشاريع والشراكات الدولية وروح الابتكار.
لكننا لا نستطيع أيها الأصدقاء مواجهة تحديات الحاضر بحلول قطرية معزولة. وليس من الممكن البناء على إمكاناتنا وتعظيمها بدون العمل المشترك، والسعي إلى الارتقاء بالأجندة الدولية إلى المستوى الشمولي الذي ننشد. ومن هذا المنطلق فإن تعميق التعاون ضروري، على مستوى منطقتينا وفيما بينهما، وعلى امتداد الساحة الدولية الواسعة.
وفي الجانب الاقتصادي أيضا، فإن المناطق التي نمثلها مهيأة للتقدم والازدهار. فبعد الانكماش الاقتصادي العالمي، حققت التجارة بين الدول النامية نسبة تعاف تجاوزت المعدل المتوقع. وبحلول عام 2010، شكلت التجارة بين دول الجنوب 23 بالمئة من حجم التجارة العالمية الكلي. كما أن ارتفاع نسبة تدفق رؤوس الأموال، بين الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية مثلا، قد أحدث تأثيرا جديدا في هذا السياق.
إن عوائد هذه التجارة وهذا الاستثمار جلية، حيث تفتح شراكتنا بوابات للأسواق الإقليمية وخطوط توريد عالمية تعزز من قدرتنا على الصمود في وجه الصدمات الخارجية. كما أن الربط بين نقاط القوة التي نتمتع بها يحقق نوعا من الفاعلية الاقتصادية التي تولد الوظائف والفرص بدلا من هدرها. وأمام الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية فرص واعدة لتكثيف التعاون في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة والزراعة وموارد المياه والنقل والسياحة وغيرها.
إنني أتطلع أن يسهم هذا الجمع المميز وغيره من الحوارات واللقاءات في إيجاد آليات جديدة لترسيخ التعاون وإزالة المعيقات وتعزيز التجارة والاستثمار المتبادل. وبالفعل فقد تحقق الكثير في إطار هذه القمم بدءا من برازيليا مرورا بالدوحة والآن هنا في ليما. إننا نستطيع من خلال العمل معا فتح المجال أمام قيام شراكات كبيرة لا تقتصر على الحكومات أو المنظمات الإقليمية والدولية وحسب، بل تشمل القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية والقيادات الثقافية والمواطنين. والأردن على أتم الاستعداد للنهوض بدوره في هذا المجال.
أصدقائي،
توفر لنا اجتماعات هذه القمة إطارا حيويا للتنسيق السياسي. وفي صلب هذا التنسيق الذي نوليه أهمية قصوى موضوع إحلال السلام الذي يعد قضية أساسية في منطقتنا. وهنا يجب التأكيد على ضرورة ألا تشتت التحولات والتغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي انتباهنا عن القضية المركزية والمتمثلة في استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في قيام دولة مستقلة ذات سيادة. إن هذا الظلم المستمر يسهم بشكل مباشر في تأجيج الاضطرابات التي يشهدها العالم والإقليم، كما أنه يقف عقبة أمام التعاون الإقليمي الهادف إلى الانتقال إلى مرحلة من الاستقرار والتقدم. ونؤكد من على هذا المنبر أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حلا عادلا ودائما وشاملا يبقى الأولوية الأولى في سياسة الأردن الخارجية. وفي سياق هذا المسعى، فإن دور دول أمريكا الجنوبية محوري، ونشكركم على هذا الدعم.
إن صوت أمريكا الجنوبية، الذي يحظى دوما بالاحترام، ضروري أيضا في تعزيز الاستجابة الدولية للتعامل مع الأزمة في سوريا. فلا بد من الوقف الفوري للعنف هناك والبدء في عملية انتقال سياسي. ويجب أن يكون هدفنا وقف سفك الدم السوري، واستعادة الأمن والاستقرار، وحماية وحدة أراضي سوريا وكرامة شعبها ووحدته. ونحن في الأردن نشعر بما يعانيه جيراننا وأشقاؤنا حيث نستضيف الآن ما يزيد على 200 ألف سوري عبروا الحدود هربا من العنف الدائر هناك. لقد فتحنا أذرعنا لإخوتنا وأخواتنا المحتاجين إلينا كما هو عهدنا دوما. لكن هذا الواقع ولد ضغطا هائلا على مواردنا الوطنية وصل إلى أقصى حدوده، خصوصا في هذه المرحلة التي نعاني فيها من صعوبات اقتصادية جمة. ولكي نستمر في تحمل هذه المسؤولية نحتاج إلى المساعدة والدعم الدولي، مثمنين دعمكم في هذه القضية الإنسانية.
أصدقائي،
إن التحديات القادمة حقيقية، ويجب علينا، لتحقيق أهدافنا وبناء المستقبل الذي تستحقه شعوبنا، تسخير كل الإمكانات.
وأخيرا، اسمحوا لي أن أتوجه بالتهنئة إلى كل من عمل عبر السنوات لضمان خروج هذه القمم بنتائج بناءة. إن العمل بروح الفريق سيضاعف من قوتنا، وسيساعدنا على تكريس مبدأ عدالة الفرص أمام الجميع، وسيمنحنا العزم للمساهمة في صياغة القواعد الدولية وتحقيق النجاح.
وعودة إلى سؤالي: "من نكون؟" فالجواب هو: "إننا شعوب يجمعها التاريخ، والشراكة في مستقبل واحد... إننا نعمل معا من أجل تحقيق النجاح... إننا فريق واحد".
وشكرا.