خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي
أشكركم سعادة البروفسور، وأشكركم جميعاً، ويشرفني والملكة رانيا والشعب الأردني استضافة المنتدى الاقتصادي العالمي للمرة الثانية، كما ويسعدنا الترحيب بكافة أصدقائنا من كافة أرجاء العالم. أشكركم سعادة البروفسور ثانية على انخراطكم في منطقتنا الحساسة وأشكر الجميع هنا على التزامكم المستمر بالحوار، والشراكة، وبالمستقبل.
عندما التقينا قبل عام كانت منطقتنا تواجه أزمات عميقة لا زالت تواجهها، النزاع العربي الإسرائيلي، والوضع الراهن في العراق، وتحدي التنمية البشرية، وتنامي التطرف: والتي تبقى كلها عقبات أمام السلام والرفاه - هنا في هذه المنطقة، ومن ثم في كافة أرجاء العالم.
في العام الماضي، قمت بالحث على عدم تفويت المزيد من الفرص. أيها الأصدقاء أن العالم قد فوّت بعضاً من الفرص وقد رأينا كم دفعنا الثمن باهظاً - بشرياً، وسياسياً واقتصادياً - بسبب استمرار التوترات وعدم الاستقرار.
لكن بذات مقدار صراحتنا حول التحديات، يجب أن تكون صراحتنا حول تقدم المنطقة والوعد الذي تمثله. والعالم العربي يقف استعداداً لتحقيق نمو كبير في الفترة القادمة. وفي كافة أرجاء وطننا العربي يعمل الناس بجدٍ لإيجاد تغيير إيجابي، وهنا في الأردن نعمل دون كلل من أجل الإصلاح، والتنمية والسلام.
من الواضح أن منطقتنا لا زالت بحاجة لفعل المزيد، والتقدم يتطلب أكثر من تجديد جهودنا، إذ علينا التجديد من عزيمتنا كذلك. آن الأوان كي نجدد التزامنا بقيمنا المشتركة - المساواة، والكرامة الإنسانية، والتسامح، والحرية. آن الأوان لإعادة تفعيل شراكتنا العالمية - شراكة الأفكار والعلاقات التي بمقدورها مساعدة منطقتنا في تحقيق قدراتها.
ولعل الأكثر أهمية، أن الوقت قد حان لإيجاد أساليب جديدة تمكننا من تحقيق المستقبل الذي نبتغيه - أساليب جديدة فعالة تقدم الأجوبة للأطفال الفلسطينيين الذين يسألون عن مستقبلهم، والتي تبعث شعلة الأمل بين الأمهات العراقيات، وتزيد من طاقة شبابنا العربي. أساليب تغير تشكك المجتمع الإسرائيلي وتمد جسوراً فوق الانقسامات.
هذا هو مضمون المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن - حوار شامل إقليمي وعالمي: حوار يركز على النتائج. وانطلاقاً من روح هذا الحوار، اسمحوا لي أن أتوجه إليكم بكلمات قليلة حول الفرص الماثلة أمامنا.
اليوم، أعتقد أن العالم العربي في موقع فريد يتيح له تشكيل رؤيا جديدة، يدفعها الإجماع؛ رؤيا لتحقيق التغيير بحلول عام 2010. وأقترح أسلوباً يستدعي التطلع قدماً، ليس نحو مستقبل بعيد، وإنما نحو حاضر ملموس جديد. وهو أسلوب شامل؛ يعالج احتياجات المنطقة المركزية: سلام يستند على العدالة، وتقدم يستند على الإصلاح.
مفهوم هذه الرؤيا ليس بجديد إذ تستند على القيم الإسلامية الإنسانية العريقة. إن تراثنا يعلمنا أن القدرات البشرية تزدهر حيث تتوفر الحرية، والتسامح، والاحترام المتبادل. ومن المؤكد أن الهجمات الأخيرة على الأبرياء في المملكة العربية السعودية والمغرب وإسبانيا، ومحاولات شن هجمات في الأردن وفي أماكن أخرى، تستدعي اتحادنا جميعاً أمام ثقافة الإرهاب والدمار. وهناك تباين صارخ بين هذه، وبين ما يدعو إليه الإسلام الحقيقي الذي يدعم بيئة ديمقراطية تحترم الحياة البشرية وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، كما ويدعم الإسلام محاسبة وشفافية الحكم. تلك هي القيم التي تجعل من الناس مساهمين في المجتمع وحماة له.
وفي الوقت الذي نمضي منه قدماً نحو إجماع إقليمي للإصلاح، علينا أن نبقي أعيننا مركزة على المكاسب التي سنجنيها: تحسن حقيقي وفعال في حياة الناس. عناصر الخطة الناجحة يجب أن تشمل أهدافاً واضحة، ونهاية محددة، وخطوات عملية يمكن أن يوضع لها معايير، ومقاييس، وتقييم.
سيكون للحكومات والمؤسسات التجارية، والمجتمع المدني والإعلام، أدوار حيوية تؤديها. وقد تم إنجاز جزءاً هاماً من العمل المتوخى إنجازه من قبل هيئة القوى العاملة للتنمية البشرية العائدة لبرنامج الأمم المتحدة للإنماء، ومجلس الأعمال العربي، ومؤتمر مكتبة الإسكندرية، واجتماع الديمقراطية وحقوق الإنسان في صنعاء. قريباً ستبدأ مجموعة تضم الأفضل والأذكى في العالم العربي بتعريف "رؤيا أوسطية لعام 2010" أكثر تحديداً، وبتوجيه من مجموعة من القيادات البارزة في المجتمع المدني العربي. وآمل أن يتم عرض خلاصة أعمالهم في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في كانون الثاني القادم.
يتحدث أصدقاء السلام والإصلاح باسم الملايين من العرب الذين يعلمون جيداً أن التغير الإيجابي مسألة حيوية. ويتفق معظم العرب على الحاجة للإصلاح ويتفقون أيضاً على أنه من أجل النجاح، لا بد أن ينبثق الإصلاح من داخل مجتمعاتنا، وليس بفعل تأثير خارجي. وفي الآونة الأخيرة تم التركيز كثيراً في الغرب على قضية إصلاح الشرق الأوسط، لكن، وبكل بساطة، هذه المنطقة لا تثق بخطة للإصلاح لا تعالج هموم الناس كما يرونها - والمتضمنة حلاً للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي لا نحتاج فيه إلى قيادة خارجية في قضية الإصلاح، نأمل بالدعم العالمي. من المتوقع في الشهر القادم استجابة قمة مجموعة الثمانية لعمليتنا الإصلاحية بإصدار بيان مؤيد لها يساعد في تجسير ما بين الآراء العربية والغربية وفي المساهمة في الشراكة العالمية.
يماثل هذا أهمية دعم المجتمع الدولي النشط من أجل تحقيق العدالة والسلام الإقليميين، والذي يجب أن يتضمن تحقيق السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، وإيجاد دولة فلسطينية مستقلة. وقد أكد لي الرئيس بوش قبل عشرة أيام، على استمرار التزامه بهذا الهدف. إن فشل المجتمع الدولي في تحويل ذلك الالتزام إلى واقع لن يحقق سوى تغذية الانقسام. وعلى قادة العالم أن يبرهنوا بشكل قاطع جديتهم بشأن الحرية الفلسطينية.
من الضروري كذلك أن يكون المجتمع الدولي شريكاً فاعلاً في بناء عملية سياسية شرعية وشاملة ومؤثرة في العراق إذ أن التساؤلات حول مصداقية تلك العملية تشجع التطرف وتعيق عملية الإصلاح في المنطقة. العراقيون يستحقون دعماً عالمياً مخلصاً لتحقيق مسعاهم من أجل الاستقرار والسيادة والحرية. وعلينا احترام الهوية الوطنية في العراق، وأن لا ننسى أبداً تاريخ المساهمة العراقية في الحضارة البشرية - منذ أكثر من ثلاثة آلاف وثمانمائة عام حيث وضعت أول شرائع العالم القانونية.
البروفسور شواب،
أصدقائي،
نستوحي نحن الساعين للإصلاح إلهامنا من أهداف عميقة ونبيلة: العدالة؛ والمساواة، وتوافر الفرص؛ والسلام. إن أسلوبنا العملي الجديد سوف يطابق في حيويته هذه المبادئ، إذ أن شعوب الشرق الأوسط تستحق أن تجني كل فوائد هذا القرن. وكي يصبح هذا حقيقة ليس هناك بديل من وضع أهداف واضحة، وخطط محددة، وجدول زمني مجدٍ.
في الأردن، تسير عملية الإصلاح بخطى ثابتة ومتسارعة. لقد اتخذنا سلسلة من الإجراءات المحددة لرفد النمو الاقتصادي ولجعل الاقتصاد مفتوحاً، وخلاقاً وعادلاً. في التعليم وضعنا معايير تميز جديدة توفر لشبابنا المهارات التي يحتاجونها للمساهمة في الاقتصاد العالمي الراهن. في العام الماضي، عقد الأردن انتخابات برلمانية وتنعقد حالياً جلسات البرلمان الجديد. كما ونطبق برنامج مبادرات مدنية جادة - تنص على استقلالية القضاء، والمساهمة السياسية؛ والمساواة بين الجنسين؛ وحقوق الإنسان؛ وإعلام مزدهر.
لقد صممنا إصلاحنا ليوفر حياة ومستقبلاً أفضل لأفراد شعبنا. لكننا اخترنا طريقنا، ليس من أجل بلدنا فحسب، بل ليكون نموذجاً لما يمكن تحقيقه. لقد اخترنا التغير الإيجابي، واخترنا التفاؤل والتسامح، واخترنا السلام.
إن منطقتنا أكثر من قادرة على العيش بسلام في بيئة مدنية ديمقراطية، وقادرة أيضاً أن تصبح نموذجاً عالمياً للابتكار والعظمة. إن في أيدينا أن نصنع عالماً من الازدهار والسلام، يمكن أن يشعر فيه كل إنسان بالرخاء، عالم يتشارك فيه الجميع في وعد القرن الحادي والعشرين. آن الأوان للسعي قدماً في طريق الإصلاح والتقدم. آن الأوان للتفكير بطريقة مبتكرة بالتحديات الحقيقية - من أجل منطقتنا، وشبابنا، ومستقبلنا.
هذا هو الأمل، وفي الحقيقة هذا هو حق للرجال والنساء في العالم العربي كله. وببركة الله، والإيمان بالإنسانية، وبإرادة جماعية للعمل، أدعوكم لمساعدتنا في الاستجابة لندائهم.
أشكركم جزيل الشكر.