خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط
بسم الله الرحمن الرحيم
أصدقائي،إن هذا هو عام الفُرص: الفرص لإنهاء العنف والفرص لتحقيق السلام والفرص لبناء المستقبل الاقتصادي الإقليمي.
وهذا المستقبل يبدأ هنا بالرؤية القيادية والمَقْدرة التي أثبتت نجاعتها، واللتين اجتمعتا في هذه القاعة - وبالعمل الذي يمكن أن يحفزه حواركم وشراكتكم.
بروفيسور شواب،
يشرفني أن أرحب بعودة المنتدى إلى الأردن. وأرجو أن أعرب لكم جميعاً، عن ترحيبي الحار بهذا الأمر. ويسرني أن أنضمّ إليكم في هذا الاجتماع الهام الذي يعقد في فترة حاسمة.
وكما تعلمون، فالدول العربية منهمكة في جهد رئيسي لتحقيق تسوية عادلة للنزاع العربي - الإسرائيلي. وفي أواخر شهر آذار/ مارس جَدّدت الدول العربية تبنّيها لمبادرة السلام العربية بالإجماع، وهناك فرصة تاريخية لتحقيق تسوية عادلة شاملة دائمة في هذا العام قبل أن تثقل المعاناة كاهلَ أجيال أخرى، وقبل أن يحلّ المزيد من الدمار.
أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا مجال هناك للمزيد من التأخير. فقد أدى غياب السلام، مثلما عملت ظروف الاحتلال، إلى تمزيق أوصال الحياة الفلسطينية حيث أن ثلاثة من كل خمسة أشخاص باحثين عن العمل لا يجدون وظائف. ومئات الآلاف من الأُسَر تعيش في حالة من البؤس لا يخفف من معاناتها إلا ما تتلقاه من المساعدات الإنسانية. وقد جلب هذا الوضع الخانق معه الفقر وسوء التغذية والإحباط والتوجّه نحو التطرّف.
فعندما يتخلى المزارع عن زراعة المنتوجات الزراعية لأنه لا يستطيع بيعها... وعندما يقوم أصحاب منشآت الأعمال بإغلاق المصانع لأن سلسلة التوريد قد تقطّعت بها السبل والتمويل قد جُمِدّ وقلة قليلة من المستهلكين فقط تستطيع شراء المُنتجات... وعندما يترك التلاميذ المدرسة في مرحلة مبكرة لأنهم لا يرون مستقبلاً يلوحُ في الأفق... فمن واجبنا أن ننهض إلى العمل.
ونحن في الأردن، نعمل كل ما في وسعنا لبناء الزخم للدفع بالسلام. إننا نعلم أن السلام ليس سهلاً، ولكننا نعلم أيضاً أن السلام في مُتناول اليد، ويمكن تحقيقه. فالإسرائيليون والفلسطينيون من جميع القطاعات في المجتمع يقولون أنهم بحاجة إلى إنهاء العنف. كما أن هناك إرادة عالمية جديدة لحلّ الأزمة؛ فلم تعد الأزمة مجرّد مشكلة إقليمية لإن نجاحنا في هذا الأمر سيكون في مصلحة المنطقة بمُجملها وقطعا في مصلحة العالم.
ونحن، إذ نتطلع إلى ذلك اليوم، نحتاج إلى توجيه سؤال جديد مفاده: ماذا عن اليوم الذي سيلي تحقيق السلام؟
هل سنكون جاهزين؟ هل سنكون قد جهّزنا الخطط اللازمة لتحقيق مزايا السلام... والبناء عليها؟ هل ستكون لدينا الرؤية لنرى ما في منطقتنا من إمكانات ونتصرّف وفقاً لذلك؟
إن ثلاثمائة وخمسة وعشرين مليون نسمة يقطنون في العالم العربي. ومنطقتنا أكبر من أوروبا، وأكبر من كندا، وأكبر من الصين، وأكبر من الولايات المتحدة الأمريكية. والمزايا ومستويات المعيشة التي تتمتع بها هذه المناطق يمكن أن ينعمَ الناس بمثيلاتها في الشرق الأوسط ويجب أن ينعموا بذلك.
إن الصين والهند والدول الأخرى التي عاشت الفقر قبل عشرين عاماً اتخذت قرارات صعبة للمضيّ قُدُماً في مسيرتها مرتكزة على تنمية القطاع الخاص والعولمة. وقد أحدثت شجاعتها نمواً سريعاً يعمل على خَفْض نسبة الفقر وخَلْق الفرص. ونحن قادرون، إذا ما اخترنا ذلك، مضاهاة تلك المكاسب وحتى تجاوزها.
إن الأجيال الشابة بصورة خاصة تحتاج منا إلى أن نقوم بهذا فهم يشكلون أكبر فئة عمرية في منطقتنا مع وجود ما يزيد على 200 مليون من الشباب دون الرابعة والعشرين. وهؤلاء الشّبان والشابات يستحقون أن يكونوا جزءًا من منطقة مزدهرة ينتمون إليها وتقوم بالدور الحقيقي لها على المسرح العالمي. وأنا أتحدث هنا عن كل المزايا التي يمكن للقرن الحادي والعشرين أن يوفرها من تعليم جيّد وعمل يملأُ النفس بالرضى ويحقّقُ الذات وأمنٌ يتيح للشباب رعاية أسرهم وغير ذلك كثير.
أما تلبية توقعاتهم، فهو أهم ما نحن مدعوون إلى عمله وجيلنا يعمل على الإرتقاء إلى مستوى هذا التحدّي.
إن فترات الازدهار تعتبر فرصاً هامةً للسير قُدُماً بالإصلاحات مما ييسر الاستثمارات في البُنى التحتية ويسهلها، إضافة إلى الخروج بحلول إبداعية لبعض التحدّيات الأكثر إلحاحاً في منطقتنا.
أما أحد التحدّيات الهامة فهو الماء. فمن القمم التي يعلوها الثلج في جبال الأطلسي إلى الربع الخالي في شبه جزيرة العرب، نجد أن معظم الدول في منطقتنا لا تستطيع أن تلبّي الطلب على الماء حالياً. لذلك، فإن لم نخطط لتلبية هذه الحاجة الأساسية وإذ لم نلتزم بتأمين الاستثمار المطلوب لحلّ هذه المشكلة، فإننا لن نكون في وضعٍ نحارب فيه من أجل تحقيق السلام... بل سنكون في وضع نحارب فيه من أجل البقاء على قيد الحياة.
وعلينا أن نرتفع إلى مستوى مجابهة هذا التحدّي، وأعتقد أننا نستطيع ذلك.
أما البيئة، فإنها تشكل تحدٍّ آخر يُثْقل كاهلنا. فعندما اكتُشف الوقود المستخرج من باطن الأرض قبل ما يزيد على قرن، لم يكن هناك أكثر من حوالي بليون نسمة في العالم. والآن هناك ما يزيد على ستة بلايين، وهذا الوقود المستخرج غدا عنصراً رئيسياً لاستمرار الحياة في جميع القارات. وباعتبارنا منطقة أنعم الله عليها بموارد الطاقة الوفيرة، فعلينا أن نقود المسيرة لاكتشاف الكيفية التي يمكن بواسطتها إدامة هذه الموارد لمدة أطول والعمل على احتراقها بصورة أنظف.
والتحدّي الثالث هو البُنى التحتية. وإذا ما أريد لهذه المنطقة أن تغدو كتلة اقتصادية قويّة تتميز بتنافسية أعلى في الصناعة، وبقطاع خاص متنامٍ وبفرص توظيف مستدامة، فإن وجود نظام قوي كفؤ للنقل والشؤون اللوجستية هو ضرورةً استراتيجية.
فلننظر فقط في السياق الإقليمي. فبحلول عام 2020، يُقدّر أن يكون 70 ٪ من سكان المنطقة من قاطني المدن. فما هي الخطط التي علينا وضعها، وما هي استثمارات البنى التحتية التي نحتاجها لخدمة هذه التنمية الحضرية؟
إن هذه فرص عظيمة، وهي مفتوحة كي تتسلموا زمام قيادتها، الآن.
أصدقائي،
لقد حان الوقت للتفكير في السلام لا كنهاية - نهاية للنزاع - ولكن كبداية - بداية فرص ومزايا جديدة للناس في هذه المنطقة. عَهْدٌ يحرّر الموارد البشرية والمالية لتحقيق الإنجازات والازدهار على مستوى المنطقة. عهدٌ يفتح فرصاً جديدة، تتجاوز الحدود، وتُضاعِفُ مزايا التنمية والاستثمار.
وإذا ما أردنا أن نستفيد من مزايا هذه الإمكانات؛ وإذا ما رغبنا في إدامة السلام والبناء عليه... فإننا، عندئذ، نحتاج إلى أن نوجّه سؤال مفاده مرة أخرى: ماذا عن اليوم الذي سيلي تحقيق السلام؟
إنه يبدأ بقادة مثلكم. رجال ونساء يمتلكون القدرة على رؤية المستقبل المشرق. قادة يتحلّون بالشجاعة والتصميم ليجعلوا من ذلك المستقبل حقيقة واقعة.
تخيّلوا للحظة واحدة منطقة يُحرك قواها 22 اقتصاداً قوياً ونامياً ويملؤها بالحماس والعزم قطاعٌ خاص مزدهر، وقوّة عاملة مؤهلة بدرجة عالية، وتعاون على مستوى المنطقة... منطقة تستقبل كلَّ مَنْ ينتقل مِنْ مرحلة الصبا إلى مرحلة الرشد بوظيفة جديدة وتؤمن له حياة مليئة بالفرص الجديدة... منطقة فيها وفرة من المياه النظيفة في كل بيت وتنعم ببيئة صحية تحمي أناسها وموروثها الطبيعي... منطقة تتنافس مع الآخرين في قمّة السوق العالمي، جالبة مزايا الازدهار لكل حيٍّ وأسرة.
وأخيراً، منطقة تتخذ موقعها الذي تستحقه في القرن الحادي والعشرين لتعمل على تحديد معالم الحضارة والتقدّم للإنسانية جمعاء.
إننا، وأعني جميعنا هنا، نمتلك القوّة لنحوّل هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة. يجب أن لا نجعل المستقبل ينتظر، ننتظرُ أوراقاً حتى توقع وحبراً حتى يجفّ، أو نأمل في أن تتقدم دول أخرى لتقديم المساعدة. فنحن، كمنطقة كاملة، يمكننا أن نعمل على إيجاد المستقبل الذي نختار.
وهذا المستقبل يبدأ هنا، مع هذا التجمّع للقادة من مختلف أرجاء منطقتنا. فأنتم الذين تستطيعون أن تهيئوا لمستقبلنا المبادرة والإلهام على جميع المستويات. وأنتم الذين تستطيعون التفكير بسعة أفق، وأن تُبْقوا الأنظار مُركّزة على النتائج. وأنتم تملكون الجرأة لتحقيقها. أنكم أنتم مَنْ يستطيع تحويل الآمال إلى حقائق واقعة.
ولهذا فإنني أحثّكم اليوم على أن تبدأوا الحوار، حوار العمل الذي يستطيع أن يُلهم منطقتنا ويقود مسيرتها إلى الأمام. وأحثّكم على أن تسألوا أنفسكم: ماذا عن اليوم الذي سيلي تحقيق السلام؟ وأحثّكم على أن تساعدوا في الحصول على الإجابات التي تحتاجها شعوبنا.
وشكرا لكم جزيلا.