خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر

خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر

الأردنعمان
10 شباط/فبراير 2013

جلالة الملك عبدالله الثاني - خطاب العرش 10 فبراير 2013

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين،

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

فباسم الله وعلى بركة الله، نفتتح الدورة الأولى لمجلس الأمة السابع عشر، الذي نريده محطة على طريق التحول الديموقراطي والإصلاح الشامل، الذي كان نهجنا منذ اليوم الأول لتحملنا أمانة المسؤولية الدستورية. وقد عملنا، وسنواصل العمل بعزم لا يلين، لترسيخ مكانة الأمة مصدراً للسلطات وشريكاً في صناعة القرار، منطلقين بذلك من التزامنا الدائم بمصالح شعبنا الأبي. وهذا يترجم من خلال مسؤولياتكم التاريخية كنواب وأعيان للأمة في تمثيل جميع الأردنيين والأردنيات، وفي الامتثال لمساءلة المواطنين لكم، وفي أداء أمانة الرقابة والتشريع، وفي إنجاح مرحلة التحول التاريخية، وإفراز الحكومات البرلمانية وتطوير ممارستها، وسنمضي معاً في حمل أمانة هذه المسؤوليات، بالاستناد إلى المبادئ الراسخة في إرث مؤسساتنا الوطنية، الذي تجاوز عمره التسعين عاما، منطلقين بثقة نحو محطة التجديد والنهضة الوطنية الشاملة.

منذ أكثر من عام، تُرجمت على أرض الواقع، مجموعة من الإصلاحات التي تعزز النهج الديموقراطي، وتمكن الشعب من خلال ممثليه، من ترسيخ دوره الفاعل في صناعة القرار والرقابة والمساءلة، وتعزز دور مجلس النواب، كركن أساسي في نظام الحكم النيابي الملكي الوراثي، المستند للدستور.

وقد أنجز الأردن التعديلات الدستورية، التي رسخت مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات، ومنعت تغول إحداها على الأخرى، وعززت استقلال القضاء، واحترام حقوق الإنسان، ومبادئ العدالة والمساواة، ورسخت مكانة مجلس النواب في الرقابة والتشريع، واستحدثت مجموعة من المؤسسات الدستورية والرقابية، التي تعزز ديمقراطيتنا، ومن أبرزها: إنشاء المحكمة الدستورية، التي تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتحديث حزمة من التشريعات السياسية، والتي شملت قوانين الأحزاب والانتخاب، والاجتماعات العامة، لزيادة المشاركة السياسية والارتقاء بنوعيتها، وتجذير الممارسة الحزبية وحرية التعبير، بالإضافة إلى إنشاء الهيئة المستقلة للانتخاب، كجهة مستقلة تضمن نزاهة وشفافية الانتخابات، وقد حققت نجاحا غير مسبوق، في الإشراف على الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أفرزت مجلسكم الكريم، بشهادة المراقبين محليا ودوليا.

وفي الوقت الذي نمر به في مرحلة انتقالية حاسمة، تستدعي تطوير نهج عمل الحكومات والمجالس النيابية، لا بد من التأكيد على جملة من المبادئ والأولويات الوطنية، التي وصلنا إليها من خلال متابعة أداء الحكومات السابقة، والتواصل مع أركان الدولة وسائر فئات المجتمع، لتكون مرجعية لمجلس الأمة والحكومة البرلمانية القادمة.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

بعد أن أجرينا الانتخابات النيابية بنزاهة وشفافية، ووفق أفضل الممارسات العالمية، فإننا ندعو لنهج عمل جديد، وسنبدأ من نهج التشاور مع مجلس النواب والكتل النيابية فور تشكيلها، في تشكيل الحكومات من أجل الوصول إلى توافق يقود إلى تكليف رئيس للوزراء، ويبادر هو بدوره للتشاور مع الكتل النيابية، ومع القوى السياسية الأخرى حول فريقه الوزاري، ثم يتقدم للحصول على الثقة من مجلس النواب، على البيان الوزاري الناجم عن عملية التشاور، وعلى أساس برامجي لمدة أربع سنوات.

وستكون عملية المشاورات وتشكيل الحكومات سريعة وسهلة، إذا توفر ائتلاف كتل يحظى بالأغلبية، ولكنها ستأخذ وقتاً وجهداً أكثر، في حال عدم بروز ائتلاف أغلبية، وهذا من أساسيات الديموقراطية البرلمانية.

وأؤكد هنا، أن تطور آلية التشاور يعتمد على تقدم العمل الحزبي والبرلماني، الذي يؤدي إلى ظهور ائتلاف برلماني على أسس حزبية، يتمتع بالأغلبية وتنبثق عنه الحكومة، ويقابله ائتلاف برلماني معارض يمارس الدور الرقابي، كحكومة ظل.

إن هذا الدور يرتب عليكم مسؤولية كبيرة في أن يكون مجلس الأمة حاضنة للحوار الوطني، بحيث يتواصل مع المجتمعات المحلية والقوى السياسية بنقاشات موسعة، تضمن إيصال آراء الجميع وتضمينها في عملية صناعة القرار، ليستقر في يقين كل مواطن بأن مشاركته السياسية منتجة.

إن دور مجلس النواب في الحكومات البرلمانية، يتطلب منه الإسراع في تطوير نظامه الداخلي، لمأسسة عمل الكتل النيابية، ودعم فعالية المجلس، كما ينبغي للمجلس تطوير مدونة سلوك ملزمة، يتعهد النواب من خلالها بممارسات نيابية إيجابية، تعزز دورهم التشريعي والرقابي، وتجعل أساس علاقتهم بالحكومة التنافس على خدمة الصالح العام، وليس المكاسب الشخصية المحدودة، ونبذ الواسطة والمحسوبية.

لقد أجريت الانتخابات على أساس قانون انتخاب جديد لم يكن مثاليا، ولكنه حظي بالتوافق الوطني المتاح. وعليه، ندعو لمراجعة هذا القانون بناء على تقييم تجربتكم، ومراجعة نظام الانتخاب، بحيث يحظى بالتوافق، ويعزز عدالة التمثيل، ويمكن الأحزاب من التنافس بعدالة، ويرسخ تجربة الحكومات البرلمانية، ويحمي مبدأ التعددية، ويتطور بالتوازي مع تطور الحياة الحزبية.

كما نريد الوصول إلى استقرار نيابي وحكومي، يتيح العمل في مناخ إيجابي لأربع سنوات كاملة، طالما ظلت الحكومة تحظى بثقة مجلس النواب، وطالما حافظ المجلس على ثقة الشعب.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

إننا ندعو لنهج عمل حكومي جديد يقوم على بناء الاستراتيجيات والخطط التنفيذية، بالتشاور مع القواعد صعوداً إلى الأعلى. وعلى الحكومة أن تتوخى الشفافية والانفتاح، وتوفير المعلومة في عرض موازناتها ومشاريعها ومراحل التنفيذ والإنجاز على المواطنين وممثليهم، ويتم الحكم على أداء الحكومة ومساءلتها على أساسها. وهذا يستدعي ترسيخ القناعة لدى الحكومة وأجهزتها، بأن تطوير القطاع العام عبر العمل الميداني، والتواصل المباشر والوقوف على حاجات المواطنين، هي مسؤوليتهم الأولى. وبخلاف ذلك، فإن مجلس النواب سيكون عرضة للمساءلة من المواطنين، للمطالبة بحجب الثقة عن الحكومة أو أحد الوزراء.

وهذا يتطلب الارتقاء المستمر في كفاءة ونوعية الخدمات الحكومية، وضمان وصولها إلى جميع المواطنين، ويستدعي الالتزام بمؤسسية العمل في أجهزة الحكومة، لضمان أعلى درجات الكفاءة والشفافية في اختيار الأمناء والمدراء العامين، لضمان نجاح الخطط الحكومية. وهذا يعني أن تبادر الحكومة لإطلاق ثورة بيضاء، تنهض بالأداء ضمن خطة معلنة، وأهداف محددة.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

لقد تميز النهج الاقتصادي الاجتماعي للدولة الأردنية، على مدار تسعين عاماً، بالمرونة والتطور المستمر، معتمدا على الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني. ولهذا ينبغي أن يكون القطاع العام المحفز والمنظم والمراقب، الذي يحمي المواطن والمستهلك، ويكفل تقديم الخدمات الأساسية النوعية، ويحفز بيئة الأعمال. ويكون القطاع الخاص المبادر الرئيس في الاستثمار وإيجاد فرص العمل، وتكون مؤسسات المجتمع المدني والتعاونيات المحلية حاضنة للريادة، والعمل التطوعي. وبهذا المزيج القائم على عمل تكاملي، ومسؤوليات متبادلة ومتوازنة بين القطاعات الثلاثة، نتجاوز تحدياتنا الاقتصادية والاجتماعية.

ونؤكد هنا، أهمية عمل الحكومات على تنمية المحافظات، بالشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، لتحفيز طاقات المجتمعات المحلية، من خلال استكمال مشروع اللامركزية، الذي يكمل مسيرتنا الديمقراطية ويطورها، ويرتقي بآليات اتخاذ القرار، ويضمن أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرارات المحلية، ويقود إلى توزيع أكثر عدالة لمكتسبات التنمية، وسيقوم صندوق تنمية المحافظات بدور مساند في تنفيذ هذه التوجهات.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

هناك ضرورة لإجراء التعديلات اللازمة على التشريعات التي تأثرت بالتعديلات الدستورية، لضمان توافقها مع الدستور. كما أشير هنا إلى مجموعة من التشريعات، التي تحتاج منكم إلى التعاون في إنجازها، بشكل يستجيب إلى طموحات المواطنين، وأهمها: مشاريع قوانين الكسب غير المشروع، والتقاعد المدني، وضريبة الدخل، وقانون المالكين والمستأجرين، بما يحقق العدالة بين الطرفين، وحماية المستهلك، والاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل والضمان الاجتماعي.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

إن الأردن قادر، بإذن الله، على مواجهة أي تحديات خارجية، وهذا يتطلب الالتزام الدائم بدعم قواتنا المسلحة، وجميع أجهزتنا الأمنية، وتمتين جبهتنا الداخلية، فهي مصدر قوتنا. وبالتوازي مع ذلك، فإن علينا أن نحرص على ترسيخ دورنا الإقليمي والعالمي الفاعل، والقائم على سياسة خارجية مبنية على دعم أشقائنا الفلسطينيين، لاستعادة حقوقهم التاريخية والشرعية، وإقامة دولتهم المنشودة على التراب الوطني الفلسطيني، ودعم العمل العربي المشترك، والدفاع عن الصورة الحقيقية لديننا الإسلامي الحنيف، دين الاعتدال والوسطية.

حضرات الأعيان،
حضرات النواب،

إن ما عرضناه من رؤى وخارطة عمل، هي متطلبات التحول الديموقراطي، وهي قواعد لنهج إصلاحي، تتكامل فيه أدوار المجلس النيابي والحكومات البرلمانية، والمواطنين، تحت مظلة الدستور الجامع، يساندها القضاء العادل، والذي نجدد الالتزام بدعمه وتوفير جميع متطلبات صون استقلاله، ويكملها أيضاً الإعلام المهني المسؤول، المتوازن في كشف الحقيقة والدفاع عن حرية التعبير، واحترام حقوق الأفراد، عاقدين العزم على الاستمرار في الإصلاح والتحديث.

وأسأل المولى عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير الوطن والمواطن، على طريق البناء والديموقراطية والنهضة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.