خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الجامعة الكاثوليكية الامريكية

عمان
13 أيلول/سبتمبر 2005

دعا جلالة الملك عبدالله الثاني الى الوقوف معا بوجه من يروج لفكرة تصادم الحضارات ويمهد لها..مشددا على ان ما نحتاجه لابعاد خطى العالم عن مثل هذا المسار هو حوار الافعال اضافة الى حوار الاقوال.



واكد جلالته في الخطاب الذي القاه في الجامعة الكاثوليكية الامريكية في واشنطن بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله بعنوان /ازالة التوتر الديني/ان زعماء العالم والشرق الاوسط وخاصة السياسيين منهم والدينيين يجمعون على ان لا صراع بين الغرب والعالم الاسلامي..كما يجمعون على ادانة الارهاب ومرتكبيه دون تردد. واضاف..لكن هناك اعداد كبيرة في العالمين الغربي والإسلامي ممن يؤمنون بأن هناك /صداماً بين الحضارات او انه سيكون/.



وتعتبر الجامعة الكاثوليكية في واشنطن التي اسستها الاسقفية الكاثوليكية سنة 1887 احد اهم مراكز البحث العلمي التي تتبع للكنيسة الكاثوليكية وابرز الجامعات التي توفر منحا دراسية الى جانب حياة اكاديمية مرموقة للطلاب وبدأت الجامعة عملية التدريس في العام 1904.



واضاف جلالته..اننا في سبيل مواجهة المتطرفين الذين يسيئون استعمال سلطة الدين عقدنا مؤتمرا اسلاميا عالميا في عمان وأطلقنا في الأردن في العام الماضي رسالة عمان لتشرح قيم الإسلام الحقيقية القائمة على التسامح والتعاطف واحترام الآخرين ولترفض انعزال المسلمين عن الحركة العالمية للمجتمع الإنساني. واشار جلالته الى ان الذين يؤمنون بمستقبل الشرق الاوسط ملتزمون بقوة الحوار والسلام وهما القيمتان المتجذرتان بعمق في الحضارة العربية الاسلامية اللتين تدفعان عملية النهضة الاقليمية الى الامام ..مؤكدا جلالته اننا نشهد اليوم نهوض المسلمين المعتدلين من اهل الرأي للتاكيد على ان الدين الاسلامي دين التسامح والحكمة وعمل الخير. وقال جلالته..أشعر بالفخر أن الاردن اتخذ زمام المبادرة لتحقيق النهضة المطلوبة وانخرط في عملية جدية للاصلاح والتنميه. وأكد جلالة الملك ..أننا مدعوون جميعا لأداء واجب انساني مشترك لنساعد في بناء مستقبل أفضل لكل شخص على هذه الأرض ..داعيا الجميع الى الالتزام بمسار السلام. واضاف ..جلالته إننا نجتمع في لحظة حاسمة في التاريخ البشري فقبل خمسة عشر عاماً عندما انتهت الحرب الباردة قال بعض الناس ..إن التاريخ نفسه انتهى ..وإن جميع القضايا الهامة وجدت طريقها إلى الحلّ..ولكننا اليوم نعرف الوضع بصورة أفضل..فنحن نقف عند مرحلة مفصلية.. فمن جهة هناك عالم مفتوح ..عالم يمكن أن يوفر لبلايين الناس الحرّية والحياة الأفضل. ومقابل هذه الرؤية هناك الانقسام العالمي /عالم من الحواجز والركود/ وبصورة خاصة عالم من التوتّر الديني والعداء. واشار جلالته الى الشرور التي يسببها مثل هذا الانقسام كالنزاع في البوسنة وإبادة 300 الف مسلم /وهي جرائم لا زالت منظورة أمام المحاكم الدولية والنزاع في الشيشان وما صاحبه من مآسٍ رهيبة مرعبة وحملة إرهاب عالمية قامت بها عناصر إسلامية متطرفة وأحداث 11 أيلول التي مرّ عليها أربع سنوات هذا الشهر..اضافة الى الهجومين اللذين حدثا في لندن ومصر في شهر تموز الماضي وما حدث في الأردن في الشهر الماضي والنزاع المتواصل في أفغانستان والعراق وأثناء هذه كلها النزاع المستمر في الغليان في فلسطين.



واشار جلالته الى لقائه مع قداسة البابا بنديكيت السادس عشر يوم امس ..مبينا ان قداسته تحدث عمّا يكنّه من احترام للشعوب الإسلامية ..مؤكدا من جديد التزام الكنيسة بالحوار والسلام. ونبه جلالته الى ان التاريخ يظهر لنا أن جميع الديانات في فترات متفاوتة واجهت متطرفين يسيئون استعمال سلطة الإيمان الديني..ولكن القيادة الأخلاقية لا يمكن اختطافها..فنحن نشهد اليوم نهوض المسلمين المعتدلين من أهل الرأي القويم إلى استعادة إسلامنا /الإسلام الذي تناقلناه وتعلمناه ومارسناه على مدى ما يزيد على ألف عام/ديناً للتسامح، والحكمة، وعمل الخير. واشار جلالته الى اننا وصولاً إلى هذه الغاية أطلقنا في الأردن في شهر تشرين الثاني عام 2004، رسالة عمّان التي تشرح بمنتهى الدقة أعمق قيم الإسلام الاجتماعية من التعاطف واحترام الآخرين والتسامح والقبول وحرية المعتقد الديني..كما أنها ترفض انعزال المسلمين عن الحركة العالمية للمجتمع الإنساني.



وقال جلالته ..ان الاردن شهد في شهر تموز الماضي عقد مؤتمر إسلامي عالمي رئيس شارك فيه علماء من 45 بلداً..وكانوا يمثلون جميع المذاهب الإسلامية التقليدية الثمانية اكدوا فيه على القيم الأساسية للإسلام التي تضمنتها رسالة عمان وعبّرت عنها بوضوح ..كما أصدروا بياناً مشتركاً في ختام اجتماعاتهم للمساعدة في إنهاء استغلال ديننا ووقف اصدار الفتاوى الدينية من قبل من يفتقد إلى المؤهلات والمعرفة الدينية المطلوبه.



وبين جلالته..ان رسالة عمّان هي مبادرة إسلامية شاملة يشارك فيها حالياً صانعو الرأي من مختلف أرجاء العالم الإسلامي وسيتّسع نطاقها ليشارك فيها الوعّاظ والدعاة القريبون من الناس والنشطاء على مستوى القاعدة الشعبيه. وقال جلالة الملك..إن طريق الاعتدال واحترام الآخرين ليست طريقاً للمسلمين وحدهم ..فالإنسانية جمعاء اليوم تحتاج إلى التصدي لهذا التحدّي وهذا يعني أكثر من مجرّد /التسامح/مع بعضنا بعضاً ..إنه يعني القبول الفعلي المبني على المساواة في الإنسانية والاشتراك في المصالح. واضاف ..إن الأردن بلد إسلامي ..كما أنه موطن لمجتمع مسيحي تاريخي ويشترك جميع الأردنيين في تكوين بلدنا وتشكيل مستقبلنا ..وأعتقد أننا تمكّنا من إيجاد مجتمع يميّزه الاحترام المتبادل ويقوم على التعاليم العميقة لأدياننا ..التعاليم التي نجدها في الكتب المقدسة لليهودية والمسيحية والإسلام سواء والمتمثلة بالإيمان بالله الواحد الأحد والإخلاص له ومحبة إخواننا من بني البشر. واشار جلالته الى أن قداسة البابا يوحنا بولص الثاني بدأ حجّة يوبيله الفضي في عمّان وتحدّث إلي وإلى ملايين العرب الذين استمعوا إلى حديثه حول تقديره العظيم للمسلمين باعتبارهم مؤمنين بالله الواحد الأحد ..وبعد مرور عام غدا أول بابا يدخل إلى مسجد وساعد في ترؤّس تجمّع إسلامي مسيحي تاريخي من أجل الصلاة وخير الأسرة البشريه.



وقال جلالة الملك..انه لا يمكن أن يكون هنالك ثمة مقياس لما يجمعنا كبشر أكثر من تلك الصدمة التي ألمت بالعالم أجمعه والتي تسبب بها الدمار الهائل لإعصار كاترينا ..فنحن جميعا خاضعون لمشيئة الله ..ومعا مدعوون لأداء واجب مشترك في أن نساعد ونشارك ونبني مستقبل أفضل لكل شخص على هذه الأرض. وكان رئيس اساقفة واشنطن الكاردينال ثيودور ماك كيرييل قد رحب بجلالة الملك ..واشاد بجهوده في تعزيز الحوار والتقريب بين الثقافات ..كما اشاد بالجهود التي يقودها جلالته لاحلال السلام والاستقرار في الشرق الاوسط والمنطقه. وقال..ان رسالة عمان تعتبر مرجعا وتحديا ليس للعالم الاسلامي فحسب بل لكل الجنس البشري. وقال مخاطبا جلالة الملك..ان عمق قيادتكم تعتبر حافزا لنا جميعا خاصة واننا نتشارك في اخوتنا في الله والانسانية.



وحضر الخطاب الوفد المرافق لجلالته الذي ضم سمو الامير غازي بن محمد المبعوث الشخصي والمستشار الخاص لجلالة الملك ورئيس الديوان الملكي الهاشمي فيصل الفايز ومساعد مدير الامن الوطني مدير مكتب جلالة الملك بالوكالة الدكتور معروف البخيت ومستشار جلالة الملك عقل بلتاجي والسفير الاردني في واشنطن كريم قعوار وعدد كبير من اساتذة الجامعه.



وكان جلالته بدا اليوم زيارة عمل الى الولايات المتحدة يشارك خلالها في قمة الأمم المتحدة التي تبدأ أعمالها في نيويورك يوم غد حيث يلقي جلالته بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله كلمة الاردن التي يتناول فيها الدور الرئيس الذي يلعبه الأردن لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي ..كما يتطرق جلالته إلى الجهود التي تقوم بها المملكة لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير الفرص الاقتصاديه. ويعقد جلالة الملك سلسلة من اللقاءات الثنائية مع قادة العالم المشاركين في أعمال القمة يناقش خلالها آخر المستجدات الإقليمية والعالمية وآفاق التعاون المشترك. كما يلتقي جلالته قيادات دينية تمثل الديانات السماوية الثلاث وقادة رأي عام ومفكرين بهدف تعزيز الحوار والتفاهم بين الغرب والشرق وتوضيح صورة الإسلام الحقيقيه. ويلتقي جلالته بعدد من القيادات الاقتصادية في مدينة نيويورك للحديث عن الفرص الاستثمارية في الأردن والمساعي الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والانفتاح على الاقتصادات العالميه.



كما يشارك جلالته في أعمال المؤتمر العالمي الذي ينظمه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في الفترة ما بين الخامس عشر والسابع عشر من الشهر الجاري في مدينة نيويورك ضمن ما بات يعرف ب/مبادرة كلينتون العالمية/الهادفة إلى استقطاب قادة وشخصيات عالمية بارزة في مجالات السياسة والأعمال والعلوم والدين للوصول إلى حلول لأهم المشكلات التي تؤرق العالم. وفي واشنطن يختتم جلالة الملك زيارته للولايات المتحدة بلقاء عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الامريكية ورؤساء وأعضاء اللجان في الكونغرس لتبادل وجهات النظر حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وسبل تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والوضع في العراق ومجريات العملية السياسية هناك إلى جانب بحث سبل توثيق العلاقات الثنائية في الميادين كافه.