الزاوية الإعلامية
"رفعت راسنا وأخذت بثارنا"، هذه هي الكلمات التي استقبلت فيها أم سلطان، زوجة أخ السائق الأردني الشهيد خالد الدسوقي، جلالة الملك عبدﷲ الثاني الذي زار بيت الشهيد في أبوعلندا بعد ظهر اليوم مقدما وجلالة الملكة رانيا العبدﷲ واجب العزاء في السائق الذي قتلته عناصر من القاعدة على الاراضي العراقية في شهر أيلول الماضي.
وكان التلفزيون الأردني قد بث مساء أمس تسجيلا مصورا لمسؤول الغنائم في القاعدة زياد خلف رجّا الكربولي (أبي حذيفة) الذي استدرجته وحدة العمليات الخارجية في المخابرات الأردنية بأمر مباشر من جلالة الملك عبدﷲ الثاني الى مكان ما خارج العراق لتقديمه للمحاكمة بتهمة قتل الأردني خالد الدسوقي، وهي التهمة التي أقر بها الكربولي على شاشة التلفزيون.
أفراد أسرة الدسوقي، أخوه أكرم وشقيقته وأطفاله الخمسة وأرملتاه وزوجة شقيقه، عبروا عن ارتياحهم لإلقاء القبض على القاتل، قائلين أن قدرا كبيرا من الهم والحزن على مقتل فقيدهم ابن السادسة والثلاثين قد انزاح عن قلوبهم بالإمساك بالقاتل.
"ان شاء ﷲ سيقع أبو مصعب الزرقاوي في يد رجال أمننا مثلما وقع في شر أعماله أبو حذيفة"، كلمات كررها أفراد العائلة وهم يستعيدون ذكرى تلك الساعات التي أمضوها يتحدثون مع أبي حذيفة على هاتف ابنهم الخلوي، وتبجحه بأنه قام بعمل من أعمال البطولة بقتل سائق "خائن يتعامل مع الجنرالات الامريكيين،" حسبما كان يدعي.
ابو حذيفة، الذي كان يسمعهم على الهاتف آيات قرآنية كريمة وأغاني وطنية، ابلغهم أنه قتل ابنهم رميا بالرصاص "رأفة بأبنائه"، لأن المفترض ان يقطع رأسه جزاء له على اعماله.
وحسب افراد العائلة فقد كانت هذه المرة الاولى التي يتوجه فيها خالد الى العراق، مستذكرين استغرابه الشديد لمن كانوا يخاطرون بحياتهم للذهاب الى البلد الجار الذي ابتلاه ﷲ بمحنتين، محنة الاحتلال ومحنة "خارجين عن القانون وعن الدين يدعون أنهم مسلمون والاسلام منهم براء".
وتتابع العائلة تفاصيل اليوم الاخير من حياة خالد: فقد غادر عمان عصر الثلاثاء قائلا انه سيعود عصر اليوم التالي. فمهمته كانت تتلخص في نقل محرك برافعته "الونش" الى سطح شاحنة كبيرة على الحدود العراقية الاردنية، بدون أن يدخل الى العراق.لم يجب خالد على هواتف أهله. فقد اختطفه من كان يعمل مخلصا جمركيا على الحدود مع الاردن.
لم تقتصر عمليات الكربولي على خطف وقتل خالد، فقد كان يقوم بخطف من يشكلون مغنما. وهكذا فقد اختطف الدبلوماسيين المغربيين اللذين قتلتهما عناصر القاعدة في شهر تشرين الثاني الماضي والكثير من المسافرين على طريق عمان-بغداد الذي يعتبر من أكثر الطرق خطورة في العراق.
وحسب رواية الاهل الذين تحملوا عشر مكالمات من ابي حذيفة استمرت على مدى شهرين ولم تنته الا بتبديل رقم هاتفهم، فقد قام ابو حذيفة وجماعته بتعذيب خالد وحرق يديه بالديزل ليزيلوا اثار وشم على يديه كتب فيه "لن أنساك يا أمي" واسم اخيه فايز الذي يعاني من اعاقة.
وأبدت العائلة استغرابها الشديد من تبجح/أبو حذيفة/على شاشة التلفزيون بقوله أنه أسر خالد بمساعدة عنصرين آخرين، حيث أن خالد كان يتمتع ببنية جسدية ضخمة ، ولولا أنهم أسروه تحت تهديد السلاح - حسب العائلة- لما استطاعوا أبدا من التغلب عليه. وأكدت أن القاتل الكربولي وخلال اتصالاته بهم بين لهم أن أبو مصعب الزرقاوي لامه على عدم محاولته استمالة خالد ليعمل لحساب تنظيم القاعدة.
وتشن الأجهزة الامنية الاردنية حربا لا هوادة فيها منذ أكثر من عقد على ارهاب تنظيم القاعدة الذي ابتدأ عمله ضد الاردن في مرحلة مبكرة من تسعينيات القرن الماضي.
وقد استطاعت المخابرات العامة احباط عدة محاولات ارهابية ضد المملكة كما استطاعت التعرف على الارهابيين الذين قاموا بعملية ارهابية في العقبة وبتفحير ثلاثة فنادق في عمان في شهر تشرين الثاني الماضي، والامساك ببعضهم، وذلك من خلال عملياتها الاستخبارية التي تعدت الحدود الاردنية لتصل الى كل من يحاول أن يهدد أمن الاردن وامن مواطنيه. افراد العائلة قالوا ان "مدعي الاسلام كان قاطع طرق وسارق". فقد سرق من ابنهم مبلغ 1500 دينار اردني اضافة الى 4 آلاف دولار اميركي. أما "الونش" الذي ادعى في حديثه الهاتفي معهم انه حرقه، فقد ابلغ بعض الاردنيين الذي يزورون بغداد العائلة بانهم شاهدوه في العاصمة العراقية.
تستذكر ارملة خالد أم أحمد آخر مكالمة من ابي حذيفة الذي اخبرهم ان "الامير ارسل مبلغا من المال لاسرة خالد رأفة بهم". رد فعل العائلة كان عنيفا على هذه "المكرمة!" فأبلغهم "المجاهد" أنهم سيرون قريبا في عمان شيئا لم تروه من قبل، لتكون تفجيرات فنادق عمان بعد هذه المكالمة بأيام.
الاطفال الخمسة عاشوا رعبا حقيقيا بعد مقتل والدهم. تقول الوالدتان والعمة أنهم كانوا يرفضون النوم الا والضوء مشتعل. الكوابيس كانت توقظهم وهم يصرخون. سؤال واحد كان يدور على لسان الابناء احمد(13 سنة) وشذا (11 سنة) ومرح (8 سنوات): "ما الذي استفاده ابو حذيفة من قتل أبينا؟" أما عمار (3 سنوات) وشهد (سنة ونصف) فهما أصغر من أن يتذكرا أباً خرج ولم يعد. عمار يتذكر الونش ويعتقد أن ونش جارهم يعني أن أباه رجع. أما شهد فتنادي عمها أبا سلطان "بابا".
أبو سلطان يؤكد رضاه لأن المخابرات العامة أخذت بثأره، قائلا أنه أطلق الرصاص ابتهاجا مساء أمس وهو يرى القاتل وقد وقع في قبضة العدالة، مؤملا بان يبشر "القاتل بالقتل ولو بعد حين"، وان يكون الاعدام أمام الجامع الحسيني الكبير وسط عمان "عبرة لمن يقطعون الطريق ويقتلون ويسلبون باسم الدين."