جلالة الملك يوجه رسالة إلى رئيس الوزراء أكد فيها ضرورة العمل على مكافحة ظاهرة حوادث السير

27 كانون الثاني 2008
عمان ، الأردن

وجه جلالة الملك عبدﷲ الثاني اليوم رسالة إلى رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي أكد فيها ضرورة العمل على مكافحة ظاهرة حوادث السير من خلال المكاشفة الصادقة إزاء هذه الظاهرة وأسبابها وضرورة الإسراع في علاجها.

ودعا جلالته في الرسالة إلى تغيير ثقافة وممارسات السير والمرور مما يتطلب مراجعة منظومة التشريعات المرتبطة بهذا الأمر، وإعادة النظر في عمليّة تدريب وتأهيل وامتحان السائقين.

وشدد جلالته على ضرورة البدء في حراك وطني إيجابي يحاصر ظاهرة حوادث المرور وصولاً إلى الحدّ منها، داعيا وسائل الإعلام إلى العمل بشكل مؤثّر في هذا المجال عبر تكريس حملات التوعيّة بسلوكيّات القيادة وتصحيحها، ومؤكدا أن جميع المؤسسات التعليمية والتربوية من مدارس وجامعات ومعاهد يعوّل عليها البدء بإرساء نهج توعوي لمحاربة ظاهرة حوادث السير في مناهجها وأساليب تعليمها، ومطالبا المجتمعات المحليّة والمؤسسات الأهليّة والمدنية بالتحرّك لإنضاج وقيادة رأي عامٍ واعٍ بخطورة حوادث المرور على حاضر الأجيال ومستقبلها.

وقال جلالته أنه يقع على مديريّة الأمن العام الحمل الأكبر في محاربة ظاهرة حوادث السير ومعالجة أسبابها والتصدي لها عبر المساهمة في بلورة إستراتيجية وطنية للسلامة المرورية، مع مراعاة أهمية توفير حلول مستعجلة وجذريّة لبعض المخالفات والتجاوزات التي تهدد حياة المواطنين وتقلق أمنهم.

فيما يلي نص الرسالة:

بسم ﷲ الرحمن الرحيم

عزيزنا دولة الأخ المهندس نادر الذهبي حفظه ﷲ،
السلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته،
فيسرني أن أبعث إليك بتحية ملؤها المودة والاحترام، وبعد:

فقد تلقيت ببالغ الحزن والأسى، نبأ وفاة مجموعة من أبنائنا وبناتنا في حادثة سير مروعة وقعت شمال المملكة، وبعد أن شاركنا الأهل العزاء وتقاسمنا معهم هذا المصاب، ارتأينا أن نخاطب شعبنا العزيز، ونشاركه بما يجول في خاطرنا إزاء هذه الحادثة الأليمة، وإزاء ظاهرة حوادث السير عموماً، وأن نوجهكم لضرورة ترجمة اهتمامنا وحرصنا على مكافحة هذه الظاهرة على أرض الواقع، وبالسرعة الممكنة.

فحوادث السير وما تتركه من آلام وحسرات غدت وللأسف قاسماُ مشتركاُ بين الكثير من الأسر الأردنية، فلكل بيت وأسرة وفرد حكايةً وفاجعة مع حوادث السير ومصائبها. وقد عايشت ولامست شخصياً ومباشرةً آلام حوادث السير لمّا خسرت صداقات عزيزة وراح بعض رفاقي في السلاح ضحايا حوادث للسير أثناء خدمتي في القوات المسلحة. وتركت لدي هذه التجربة حرصاً شخصياً وعزماً صادقاً على تجنيب شعبي وأسرتي هذا الألم وهذه الحسرة.

وفي كل يوم نخسر زهرة من أطفالنا أو وردة من شبابنا أو أبا صالحا أو أما معطاءة يتأكد لنا فجاعة هذه الظاهرة وضرورة الإسراع في التصدي لها بحزم ومسؤولية، فحق الأردن والأردنيين علينا جميعاً أن نوفر لهم بيئة مرورية آمنة.

ولقد كرسنا أنفسنا لحماية الإنسان الأردني وصون حياته وكرامته لينعم الأردنيون بالعيش الكريم والسكينة. ونحن حريصون على النهوض ببنيتنا التحتية ومنها شبكة الطرق والمواصلات لأجل تأمين احتياجات المواطنين وتذليلها وليس من أجل أن تتحول إلى خطر يداهم حياتهم ويحصد أرواحهم الحبيبة، التي لا تعوض. ولذلك غدت المراجعة الشاملة والمكاشفة الصادقة إزاء حوادث السير وأسبابها وضرورة الإسراع في علاجها ضرورة وطنية ملحة.

ومع تأكيدنا على تعاطفنا وحزننا وتضماننا مع كل أسرة تفقد فلذة من كبدها، ومع كل أب وأم يحرمون من رؤية مستقبل أبنائهم، فإننا نوجهكم للالتزام ببدء محاربة ظاهرة حوادث السير بشكل جدي ومنهجي حتى نخلص شوارعنا من عناصر الموت الغدارة التي تجول حاصدةً الأرواح، وفاءا للأرواح البريئة التي قضت، وحرصاً على مستقبل أجيالنا القادمة.

ولما تبين أن العديد من أسباب حوادث السير عائدة إلى أخطاء السائقين وأساليب القيادة، فإننا نوجه جميع المسؤولين والطامحين لأردن أكثر أماناً للعمل سوياً من أجل تغيير ثقافة وممارسات السير والمرور في وطننا العزيز.

وتغيير هذه الثقافة وتحسين الممارسات يتطلب مراجعة منظومة التشريعات المرتبطة بتنظيم السير والمرور، وإعادة النظر في عملية تدريب السائقين وتأهيلهم وامتحانهم حتى تعود القيادة وتبقى أخلاقاً وثقافة ومسؤولية فردية وطنية، قبل أن تكون فناً أو مهارة.

ولا شك أن العديد من المؤسسات والقطاعات الرسمية والأهلية معنية وقادرة على بدء حراك وطني إيجابي يحاصر ظاهرة حوادث المرور وصولاً إلى الحد منها. ونحن ندعوها في هذه المناسبة إلى المساهمة وتحمل نصيبها الوطني من هذه المسؤولية.

فالإعلام الوطني الهادف والمسؤول مطالب بالعمل بشكل مؤثر في هذا المجال عبر تكريس حملات التوعية بسلوكيات القيادة وتصحيحها، وجميع المؤسسات التعليمية والتربوية من مدارس وجامعات ومعاهد حكومية وخاصة يعول عليها في البدء بإرساء نهج توعوي لمحاربة هذه الظاهرة في مناهجها وأساليب تعليمها. وكذلك شأن المجتمعات المحلية والمؤسسات الأهلية والمدنية المطالبة بالتحرك لإنضاج وقيادة رأي عامٍ واعٍ بخطورة حوادث المرور على حاضر أجيالنا ومستقبلها، ومساهمٍ في تغيير ثقافة القيادة والمرور وممارساتهما لتصبح أكثر مسؤولية وحرصاً على السلامة العامة.

أما المؤسسات الرسمية، وبخاصةً مديرية الأمن العام، فعليها الحمل الأكبر في محاربة هذه الظاهرة ومعالجة أسبابها والتصدي لها عبر المساهمة في بلورة الإستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية، مع مراعاة أهمية توفير حلول مستعجلة وجذرية لبعض المخالفات والتجاوزات التي تهدد حياة مواطنينا وتقلق أمنهم.

وأوجهكم في هذه المناسبة والعبرة والدرس المؤلم إلى الحزم في تطبيق القوانين المرتبطة بالسلامة المرورية، التي لم تعد تحتمل المجاملة ولا التهاون ولا اللين في الضبط والتنفيذ، فالحوادث المرورية تحاصر أرواح الأبرياء وتتربص بها وتسرقهم من بيننا خطفاً.

وفي هذا الصدد، فقد توخينا إيجاد آلية عادلة لمراقبة عملية تحرير المخالفات المرورية وضبطها، وقد وجهنا مدير الأمن العام إلى توظيف أحدث تكنولوجيات المراقبة والمتابعة للتأكد من التنفيذ العادل والأسس السليمة لتحرير المخالفات المرورية.

وندعو الحكومة للتعاون مع الأمن العام للتصدي لظاهرة الحوادث المرورية وذلك بالعمل على وضع برنامج عمل تشريعي وتنفيذي يترجم خطوات العمل والتدابير التي سيتم اتخاذها لمعالجة هذه الظاهرة وأسبابها.

سائلين ﷲ العلي القدير أن يحفظ الأردن وشعبنا العزيز وأن يديم علينا الأمن والسكينة والسلام.

والسلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته،
عبدﷲ الثاني ابن الحسين