جلالة الملك يزيح الستار عن منبر صلاح الدين

عمان
25 تموز/يوليو 2006

أزاح جلالة الملك عبد الله الثاني في جامعة البلقاء التطبيقية بعد ظهر اليوم الستار عن منبر صلاح الدين مؤذنا بذلك ببدء عملية إعادة المنبر إلى المسجد الأقصى ومجسدا حرص الهاشميين على أعمار وبناء المقدسات الاسلاميه.



يشار إلى ان عملية بناء منبر جديد ليكون نسخة طبق الأصل عن منبر صلاح الدين الذي حرق بالكامل في حريق المسجد الأقصى عام 1969 لم تكن بالعملية السهلة على الإطلاق فحسب المشرف على عملية الصنع عميد كلية الفنون الإسلامية الأستاذ الدكتور منور المهيد الذي وضع تصاميم المنبر لم تكن هناك تصاميم أو نموذج متكامل للمنبر يمكن العمل على غراره وكاد العالم الإسلامي أن يفقد أسرار هذا النوع من الفن القائم على مبدأ علمي وفلسفي إسلامي خالص منذ أربعمائة عام أي منذ بناء قصر تاج محل في الهند فقد المبدأ العلمي الذي كان يقوم البناء الفني عليه وأصبح الذين ينفذون أعمالا فنية إسلامية قلة نادرة.



وقال.."كنا نظن أن المنبر مبني على أساس تقاطع المربعات والمستطيلات ولم ننجح في جهودنا، إلا أننا تمكنا من فك اللغز ومعرفة أن كل هذا العمل بني على أساس النسب الفاضلة ووجود مركز للعمل وكل التفاصيل الأخرى انعكاس لهذا المركز.



وأضاف الدكتور المهيد لوكالة الأنباء الأردنية معبرا عن انبهاره بالفن الذي ينظر إليه على انه فن تجريدي إلا انه بالتمحيص الدقيق يكتشف انه فن يقوم على أسس هندسية قيمة تعكس فلسفة وحكمة إسلامية تقوم على وجود مركز للكون وما الأمور الأخرى إلا تجليات وانعكاس لهذا المركز ويؤدي الالتزام بها إلى الوصول إلى السعاده.



وأشار إلى أن التحدي الكبير الذي واجه الحرفيون والمهندسون المشرفون على هذا العمل هو تجميع 500ر16 قطعة بعضها لا يتعدى طوله المليمترات القليلة في بناء فني طوله ستة أمتار بدون استخدام مواد تثبيت من صمغ أو مسامير أو براغي أو غراء بل باستخدام طريقة التعشيق لإنتاج ما يمكن تسميته بفن المنبر الذي تمثل في فنون الزخرفة الهندسية والزخرفة النباتية والخط العربي والمقرنصات والخراطة والتطعيم بالعاج والأبنوس والتعشيق وهي الأنماط الستة الرئيسية المكونة للفن الإسلامي.



وأوضح الدكتور المهيد أن طريقة التعشيق تسمح للقطع الخشبية أن تتنفس أي أن تتمدد وتتقلص بالحرارة والبرودة لافتا إلى أن المنبر سيركب في المكان الذي كان فيه المنبر الأصلي بالضبط بدون زيادة أو نقصان.



وكان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال قد أمر بإعادة صنع منبر صلاح الدين عام 1993 قائلا في كتاب وجهه إلى رئيس الوزراء آنذاك عبد السلام المجالي "لقد صممنا وآلينا على أنفسنا أن نحافظ على المقدسات والتراث الخالد الذي منه منبر صلاح الدين الأيوبي ذلك المنبر الذي لم يعمل في الإسلام مثله، ولا بد من إعادة صنعه على صورته الحقيقية المتميزة ببالغ الحسن والدقة والإتقان ليعود إلى سابق عهده في أداء دوره التاريخي في هداية المؤمنين وتوعيتهم وحفزهم على التعاون والتضامن".



لقد تواصل الأعمار الهاشمي للأماكن الإسلامية منذ عام 1924 حينما تبرع الشريف حسين بن علي طيب الله ثراه، بمبلغ "50" ألف ليرة ذهبية شكلت الأساس لأعمار المسجد الأقصى وعدد أخر من مساجد فلسطين وكان المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبد الله المؤسس هو الذي أطلق الدعوة لترميم محراب زكريا وإعادة ترميم المباني المحيطة والتي عانت من أضرار هيكلية خلال حرب عام 1948.



وفي عهد المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، عملت الحكومة الأردنية عام 1952على ترميم قبة الصخرة المشرفة وفي العام 1959 بدأ الترميم الثاني للقبة الذي انتهى عام 1964 وفي عام 1969 وبعد تعرض منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى المبارك لأضرار كبيرة، حيث جرى إعادة ترميمه.



وفي أواخر عقد الثمانينات الماضي، أصدر جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال توجيهاته بتصفيح قبة الصخرة المشرفة بحوالي "5000" قطعة ذهبية، وإعادة بناء دعامات السطح وتصليح البنية الأساسية للمبنى وتم توجيه اهتمام خاص لترميم منبر صلاح الدين، واختيار المواد التي تشبه المواد التي استعملت في بناء المنبر الأصلي قبل تعرضه للحريق.



وأنفق جلالة المغفور له الملك الحسين أكثر من ثمانية ملايين دينار هي ثمن بيت له في لندن، تم بيعه لصالح الإعمار ولتمويل المشروع الذي يعد من أكثر أعمال التاريخ طموحا في التاريخ.



وبرعاية ومتابعة حثيثة من جلالة الملك عبد الله الثاني الذي وضع في السابع والعشرين من شهر رمضان عام 2002، اللوحة الزخرفية الأساس للمنبر، جرى إعادة بناء هذا المنبر في جامعة البلقاء التطبيقية من خلال كلية الفنون الإسلامية التي قامت بفضل خبرات وقدرات وطاقات أساتذتها والعاملين فيها من تنفيذ هذا العمل ليأتي مطابقا للمنبر الأصلي بكافة تفاصيله.



وقال وزير التربية والتعليم وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور خالد طوقان أن هذا المنبر يعبر عن إرادة الأمة وتجديد عزمها وإظهار معنى الإسلام الحقيقي الذي يظهر أفضل ما في النفس البشرية والتلاحم والتعاون لإنتاج قطع فنية مبهرة للعيون والعقول.



وأوضح الدكتور طوقان أن جامعة البلقاء التطبيقية التي تحتضن كلية الفنون الإسلامية التقليدية التي نفذ طلابها أعمال المنبر على مدار أربع سنوات بالتعاون مع حرفيين من عدة دول إسلامية وعربية قدمت الدعم الكبير للفريق الفني المشرف على العمل حتى استطاع أن يحشد خبرات النخبة في مجال الأعمال الفنية الإسلامية التقليدية..لافتا إلى أن الجامعة رفضت عرضا من إحدى الشركات لبناء المنبر بطريقة آلية مفضلة أن يتم بناء المنبر يدويا باعثة بذلك الحياة في فن وعلم إسلامي كاد أن يندثر.



من ناحيته أكد نائب رئيس اللجنة الملكية لأعمار المسجد الأقصى المبارك المهندس رائف نجم أن المنبر سينقل قريبا إلى القدس ويركب في المسجد الأقصى..موضحا المميزات التاريخية والفنية لهذا المنبر الذي يجسد تاريخيا الانتصار على الفرنجة المحتلين حيث استعمله صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس عام 1187 وفنيا التحفة الوحيدة من نوعها لأنه لا يوجد منبر مماثل في حجمه أو حجم الزخارف فيه التي تعتمد التعشيق والحفر على الخشب من كلا الجانبين.



وقدر المهندس نجم كلفة انجاز المنبر بمليون و200 ألف دينار بتمويل شخصي من جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه.



وحول انجازات اللجنة الملكية قال..إن اللجنة استطاعت خلال الأعوام الستة الماضية ورغم كل المعوقات إكمال اعمار قبة الصخرة من الداخل وترميم القبة الخارجية والمآذن والجدران الجنوبية والشرقية للمسجد الأقصى، وترميم المسجد المرواني رغم كل المحاولات الإسرائيلية لإغلاقه.



وأشار إلى مشروع جديد تنوي اللجنة تنفيذه حالما تتوفر الأموال اللازمة لذلك وهو تطوير البنية التحتية للمسجد الأقصى من شبكات مياه وصرف صحي.



ولفت المهندس نجم النظر إلى أن نشاطات اعمار المسجد الأقصى مستمرة منذ عام 1954 وحتى الآن بتمويل من الحكومة الأردنية فقط ومن دون تبرعات خارجيه.