الملك: القمة العربية تأتي في وقت يواجه فيه العالم العربي تحديات مصيرية

22 آذار 2014
عمان ، الأردن

أكد جلالة الملك عبدﷲ الثاني أن "القمة العربية تأتي في وقت يواجه فيه العالم العربي تحديات مصيرية في ظل تغيرات إقليمية وعالمية مستمرة، أبرزها التجاذبات والتنافس بين أبرز القوى الدولية، وتحديات اقتصادية وأمنية كبيرة،" موضحا جلالته أن "انعقاد القمة يتزامن أيضاً مع حاجة الدول العربية الماسة لاستعادة زخم العمل العربي المشترك كإطار لمواجهة تحدياتنا".

وقال جلالته، في مقابلة مع رئيس تحرير صحيفة الحياة اللندنية، الأستاذ غسان شربل، نشرتها الصحيفة الصادرة من العاصمة البريطانية لندن اليوم، إن لقاءه مؤخرا مع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، "شدد على مركزية القضية الفلسطينية وارتباط أمن واستقرار المنطقة وما هو أبعد منها بحل هذه القضية بشكل عادل وشامل، فالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يشكل النزاع الأطول عمراً في المنطقة، بما يجسده من غياب للعدالة والظلم المستمر، وسيكون حله مدخلا لمعالجة العديد من تحديات الإقليم... كما أكدت على ضرورة ضمان المصالح الأردنية في قضايا الحل النهائي، فحتى تقوم الحلول العادلة والمستدامة يجب أن تُكفَل المصالح الأردنية العليا والمرتبطة بقضايا الحل النهائي خاصة القدس، واللاجئين، والحدود، والأمن، والمياه".

وفيما يتصل بالزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي قريبا إلى المملكة العربية السعودية، بين جلالته "نأمل أن تكون الزيارة نقطة إيجابية إضافية في سجل العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة وأشقائنا في المملكة العربية السعودية"، مضيفا "خلال لقائي الأخير مع الرئيس أوباما، لمست منه مدى تقديره لأهمية دول الخليج وقياداتها ومدى حرصه على تعميق العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الجانبين".

وحول الأزمة السورية، قال جلالة الملك "لا أعتقد بأن سورية قادرة على الاستمرار في نزاع بهذه الوتيرة من العنف والحدة لسنوات طويلة لأنه يهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، وبتدمير بنيتها ومؤسساتها، وبالانزلاق لا قدر ﷲ نحو سيناريو الدولة الفاشلة". وأضاف جلالته: "لذا يجب أن لا نسمح لهذا النزاع بالاستمرار، وعلى الدول العربية جميعاً ودول الجوار المعنية والمجتمع الدولي العمل بشكل جدي من أجل إنهاء كافة جوانب الصراع، ومعالجة مأساة اللاجئين السوريين، وإنجاح حل سياسي يُفضي لمرحلة انتقالية شاملة تتوافق عليه مكونات المجتمع السوري ويكفل وحدة سورية وسيادتها ويمثل جميع أطياف الشعب السوري، ويرتكز إلى عملية إعادة بناء نابعة من الداخل السوري". وفي رد على سؤال حول مخاطر التقسيم في سورية، قال جلالته: "كل سيناريوهات التقسيم كارثية النتائج على سورية والمنطقة... كما أن التقسيم والتفكك سيُنتِج كيانات هشّة تشكل عبئاً أمنياً وبشرياً على جيران سورية، وقد يغذي توجهات انفصالية خطيرة في المنطقة".

وفيما يتصل بتطورات عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قال جلالة الملك "السلام المستدام يتطلب انخراط الأردن وضمان مصالحه العليا، ولن نقبل بأي شكل من الأشكال بحل على حساب الأردن وشعبه... تلوح اليوم فرصة حقيقية لإيجاد حل سلمي عادل وشامل، والأردن يقوم بدور بنّاء في تقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول تكفل حق الفلسطينيين في إقامة دولة ذات سيادة وفق مبادرة السلام العربية، وتوفر الضمانات الأمنية الضرورية لأمن واستقرار كل دول المنطقة".

وفي رد على سؤال حول ما يسمى "بالوطن البديل"، أوضح جلالة الملك "إذا كان المقصود بالوطن البديل الأوهام التي يروج لها متشددون إسرائيليون يتوهمون بإمكانية إفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها وإقصائهم إلى الأردن، فهذه فعلا أوهام. الظرف الدولي، والموضوعي، والوطنية الأردنية، والدولة الأردنية بمؤسساتها الراسخة، والوطنية الفلسطينية؛ جميعها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها هذه الأوهام". وبين جلالته: "أمّا إذا كان الحديث عن الوطن البديل هو مدخل لبث سموم المحاصصة السياسية في الأردن وفرز الناس وشحنهم على أساس الأصول والمناطق، فالهوية الوطنية الأردنية جامعة؛ والشعب الأردني بكل مكوناته كفيل بردع مثل هذا الخطاب الهدّام. وعلى مدار سنوات النزاع العربي الإسرائيلي، وبعد إقرار معاهدة السلام مع إسرائيل، التزم الأردن بمواقف وسياسات داعمة للشعب الفلسطيني ولاستمراره في وجوده على أرضه بحرية وكرامة ولحقه في إقامة دولته المستقلة".

وبالنسبة لتطورات الأوضاع على الساحة العراقية، قال جلالة الملك "الأردن حريص جداً على استقرار العراق ووحدته وانسجام مكوناته، ونحن نقف على مسافة واحدة من جميع أطراف الطيف والمشهد السياسي هناك، وتعاملنا مع العراق يتم عبر قنوات مؤسسية رسمية تثريه علاقات اجتماعية وطيدة بين الشعبين".

وفيما يتصل بلبنان وتداعيات الأزمة السورية عليه، بين جلالة الملك أنه "طالما حذرنا من تداعيات الأزمة السورية واستمرارها على دول الجوار. وكنا دائماً إلى جانب لبنان في كل المحافل العربية والدولية لحشد الدعم الإغاثي، وتمكينه من التعامل مع التبعات الإنسانية للأزمة السورية... الوضع الأمني والسياسي في لبنان دقيق، ويحاول لبنان جاهداً النأي بنفسه عن الانجرار إلى الأزمة السورية. فتركيبة لبنان لا تحتمل من أي طرف لبناني أن يتدخل في الأزمة السورية، فيقحم كل لبنان في تبعات هذه الأزمة".

وحول الوضع المصري ومستقبل هذا البلد العربي، أشار جلالة الملك إلى أن "العرب والمسلمون بحاجة لمصر لتعود قوية وفاعلة وتحمي كل مكونات الشعب المصري. فهي في قلب العالم العربي والإسلامي، وحلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا، ودورها محوري في نشر الأمن والاستقرار والاعتدال"، مضيفا جلالته "يجب النظر إلى فترة الولاية الرئاسية القادمة بشكل شامل، فهي محطة مهمة لمستقبل مصر تتطلب قيادة قوية تتمتع بثقة غالبية المصريين وحكيمة وقادرة على قيادة مصر ومؤسساتها الراسخة لبر الأمان خلال هذه الفترة، وللتصدي للتحديات الأمنية الداخلية وللمساهمة في استعادة الاستقرار في الدول المحيطة بمصر والمهمة لنا جميعاً في الدول العربية".

محليا، تناول جلالة الملك خلال المقابلة النموذج الإصلاحي الأردني بقوله: "لقد انتهجنا في الأردن طريقاً ثالثاً: فلم تبق الحياة السياسية راكدة، ولم يتم القفز إلى المجهول. كما حرصنا على عدم اختزال الإصلاح بمجرد إجراء انتخابات، بل بإرساء منظومة ديمقراطية متكاملة بقوانين ومؤسسات وممارسات... ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الربيع العربي، اتخذناه حافزاً لتجديد الإصلاح وتعميقه ولم نتخذ منه ذريعة للتأجيل بالرغم من الظرف الاقتصادي الصعب والتحديات الأمنية الإقليمية. الإنجازات الإصلاحية الفعلية هي التي حددت معالم النموذج الإصلاحي الأردني، النابع من الداخل والقائم على التدرج، وبناء الإجماع، وإعمال المواطنة الفاعلة". وأكد جلالته أن "الهدف الجوهري في الإصلاح السياسي وغايته هو المواطن الأردني. وجميع ما أنجز يصب في اتجاه تمكينه من المشاركة في صناعة القرار. فالمواطن ينتخب نائباً يقوم بدوره باختيار الحكومة في السلطة التنفيذية، ثم تنطلق دورة من التشريع والرقابة يمارسها النائب الذي يراقبه ناخبه، ويعبر المواطن عن مدى رضاه عن أداء نائبه في الانتخابات التالية".

وحول تطور الملكية في الأردن، أوضح جلالة الملك أن "المجتمعات الحيّة في حركة تطور مستمر. والتقدم الذي حققه الأردن على مختلف الصعد يعتبر قياسياً. مجتمعنا تغيّر، طموحاته وآلية التعبير عنها تغيّرت، أسس عمل الحكومات ومجالس النواب تغيّرت. ولكل قائد أسلوبه... وما أقصده بشكل أكثر تحديداً هو أن آليات صناعة القرار في تطور مستمر ومن ضمنها مؤسسة العرش. فالتطور والتقدم والتغيير هي سنة الحياة، والأردن يتطور مجتمعا ودولة ومؤسسات ونظاماً، بما في ذلك الملكية ومؤسسة العرش. وكقائد لهذا الوطن، أتعامل مع هذه المتغيرات والتطور بمستوى الاستجابة والديناميكية والمرونة الضرورية... والشيء الثابت الذي لن يتغير هو علاقة الملكية بالشعب، فمسؤوليتنا أن نكرس أنفسنا لخدمة الشعب ورعاية مصالحه وأن نكون صمام الأمان في المفاصل التي تتطلب ذلك، خاصة الذود عن أمننا الوطني، وصيانة قيمنا الأساسية من وحدة وتعددية وانفتاح وتسامح واعتدال. وهذا عهدنا دوما أمام ﷲ ومع الشعب".


النص الكامل للمقابلة