الزاوية الإعلامية
قال جلالة الملك عبدﷲ الثاني إن "ما نحاول تحقيقه في الأردن من خلال برنامجنا للإصلاح التدريجي والتحول الديمقراطي النابع من الداخل هو حماية التعددية وترسيخ الضوابط والرقابة التي تحكم الديمقراطية التي تعمل بشكل سليم، وتطوير ثقافة المجتمع المدني النابض بالحياة، وضمان المعاملة العادلة لكل القوى السياسية بحيث تتنافس بشكل عادل في الانتخابات، وحماية حقوق الأقليات وحقوق المواطنين وفقا للدستور".
وأكد جلالته، في مقابلة مع محررة الشؤون الدولية في مجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية الواسعة الانتشار، سارة دانييل، أن الأردن تقبل الربيع العربي وتبناه منذ بدايته، "حيث شهد عملية إصلاح سياسي غير مسبوقة وتعديلات واسعة النطاق شملت ثلث الدستور، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية جديدة مثل الهيئة المستقلة للانتخاب والمحكمة الدستورية، وآليات رقابة أقوى، وتعزيز الفصل بين السلطات، وضمان استقلال القضاء، وعدم تغول سلطة على أخرى".
وبين جلالته أن الأردنيين سيتوجهون في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني الحالي إلى صناديق الاقتراع "ليحددوا للمرة الأولى ليس فقط شكل البرلمان القادم، بل أيضاً الحكومة القادمة، حيث "سنبدأ" تجربة الحكومات البرلمانية، والتي تحتاج لعدة دورات برلمانية لتتطور وتنمو بشكل صحيح بالتوازي مع تطور الأحزاب السياسية في الأردن".
وأوضح جلالته، ردا على سؤال حول تطور الحياة السياسية في المملكة، أن نظام الحكم في الأردن يستند إلى الملكية الدستورية، ويتطور ويتغير مع تطور النظام السياسي، "وبناء على رغبة غالبية المواطنين الذين يساهمون بشكل مباشر في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم".
ولفت جلالته في المقابلة إلى أن "من الصلاحيات الدستورية للملك في الأردن تكليف وتعيين رئيس الوزراء، وبالرغم من ذلك، يتوجب على الحكومة المشكلة الحصول دستوريا على ثقة مجلس النواب المنتخب والمحافظة عليها، إلا أنه وابتداء من الانتخابات التي ستجري في 23 من كانون الثاني، سيعتمد تكليف رئيس الوزراء الجديد على بدء ممارسة آلية التشاور مع ائتلاف كتل الأغلبية في مجلس النواب إن وجد، أو مع مجمل الكتل إن لم تبرز أغلبية واضحة. وبعد ذلك يقوم رئيس الوزراء المكلف بالتشاور مع الكتل البرلمانية لتشكيل الحكومة، والتي تظل ملتزمة بالتقدم للحصول على ثقة مجلس النواب والمحافظة عليها. ومع تطور الأحزاب السياسية مع الدورات البرلمانية، سوف تنشأ الكتل البرلمانية على أساس حزبي".
وأكد جلالته "أننا سنحتاج أيضا في الأردن للعمل الجاد لمأسسة دور المعارضة في مجلس النواب، حيث نريد لهذه المعارضة أن تنافس بجدية على تشكيل الحكومة، وأن تلعب دورا فاعلا في الرقابة على الحكومات. ويجب على قوى المعارضة أن تقوم فعليا بدور "حكومة الظل" كما هو الحال في الديمقراطيات البرلمانية، وأن تتنافس مع الحكومات العاملة في طرح الرؤى والبرامج والحلول ومراقبة أداء هذه الحكومات".
وأشار جلالته في المقابلة إلى أن التحدي الحقيقي الذي يواجه المعارضة اليوم يتمثل في تردد الناخبين في الانضمام للأحزاب السياسية، "ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نحو 90 بالمئة من الأردنيين ينأون بأنفسهم عن هذه الأحزاب"، الأمر الذي يستدعي بذل جهودا جادة من قبل مجلس النواب والحكومة القادمين، وكذلك المعارضة، لتطوير برامج تشجع المواطنين على الانضمام للأحزاب السياسية، وتستجيب لمصالح الناخبين وتحثهم على اتخاذ القرار بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بناء على برامج هذه الأحزاب".
وفيما يتصل بعملية السلام، أكد جلالة الملك أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو السبب الرئيس لانعدام الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معتبرا جلالته أن إيجاد حل لهذا الصراع يشكل أولوية السياسة الخارجية الأردنية.
وأضاف جلالته في هذا السياق "أنا أرى بوضوح وجود فرصة للوصول إلى حل للصراع لا يمكننا أن نفوتها من جديد"، وسوف تبرز هذه الفرصة ابتداء من الشهر القادم بعد الانتهاء من تسلم الرئيس أوباما لسلطاته في فترته الرئاسية الثانية، وإجراء الانتخابات الإسرائيلية.
وأشار جلالته إلى أن هناك عدة عوامل سوف تجتمع معاً لتساهم في إعطاء دفعة قوية لحل الصراع الممتد على مدى 65 عاماً قبل أن يفوت الأوان على تحقيق حل الدولتين، من بينها الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي الذي يفهم بشكل عميق تعقيدات هذا الصراع، بالإضافة إلى تشكل إرادة سياسية قوية عالمياً تؤكد على الحاجة الملحة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والصراع العربي - الإسرائيلي الأوسع.
واعتبر جلالة الملك أن رفع تمثيل فلسطين في الأمم المتحدة إلى مرتبة دولة مراقب غير عضو يعد إنجازاً تاريخياً وإستراتيجياً بالفعل. و"يجب علينا الآن استثمار ذلك للتأكد من اكتساب عملية السلام الزخم الذي تستحقه، وأن تتجدد المفاوضات، وأن تتطرق إلى كل قضايا الوضع النهائي على أساس حل الدولتين".
وحول الأزمة السورية، أكد جلالته "أن الأهم هو تحقيق التوافق حول خطة انتقال للسلطة من شأنها أن تضمن انتقالاً شاملاً للحكم وتحفظ وحدة الأراضي والشعب السوري، وتنهي العنف. ويجب أن تشعر كل فئة في المجتمع السوري، بمن فيهم العلويون، أن لهم دورا في مستقبل البلاد. وسوف يكون للتشرذم أو انهيار الوضع الداخلي عواقب خطيرة على المنطقة بأسرها، وقد تشعل صراعات تمتد لأجيال".
كما شدد جلالته خلال المقابلة على أهمية الإجماع على عملية انتقال سليمة للسلطة في سوريا، لتقليص فرص بروز حالة من الفراغ الذي قد تملأه العناصر المتطرفة التي تستغل احتمالية انهيار الدولة السورية والأوضاع الجيوسياسية في سوريا لتأجيج حالة عدم الاستقرار والصراع فيها، وتهديد المنطقة.