الأردن في عيون مليكه... صورة إخبارية
© أرشيف الديوان الملكي الهاشمي
© Royal Hashemite Court Archives
في الفيلم التلفزيوني "الأردن في عيون مليكه" الذي انتجته محطة ديسكفري الاميركية وبثه التلفزيون الأردني مساء الأحد الماضي يظهر جلالة الملك عبد الله الثاني دليلا سياحيا استثنائيا لتعريف الرأي العام العالمي بالأردن.
بدا الفيلم التلفزيوني كبرنامج لترويج الأردن سياحيا على المستوى العالمي من خلال التعريف بكنوزه التاريخية والحضارية وذلك من خلال المشاهد الخلابة او المواقف الصعبة للمغرمين بالمغامرات.
ولكن مضمون الفيلم تجاوز هذه الاعتبارات إلى شرح حجم الحلم الأردني في احتلال موقع متميز في المشهد العالمي المشحون تقلبا وتطورا في مختلف المناحي السياسية والفكرية والحضارية.
ففي الجانب الترويجي من الفيلم يظهر جلالة الملك طيلة احداث الفيلم الوثائقي مع معده ومقدمه بيتر غرين بيرغ في وادي رم وجباله والبتراء والعقبة والبحر الميت ووادي الموجب.
اول الدهشة ان يقوم جلالة الملك بدور الدليل السياحي.. يركب الدراجة النارية حينا ويقود طائرة الهيلوكبتر احيانا ويمتطي ظهر الجمل في احيان اخرى يغوص في مياه العقبة ويتسلق الصخور ويجلس في خيام البدو.
ويقول مقدم الفيلم انه عندما قرر الذهاب إلى الأردن كانوا الناس يظنون انني قد اتعرض لخطف او اطلاق النار او انني فقدت عقلي لوجود العنف في المنطقة..
الا ان جلالته يجيبه: "لسوء الحظ يسود تصور حول الشرق الاوسط بان ما يحدث في احدى بلدانه يتسبب في منع السفر إلى جميع الدول فيه.. فمثلا اذا ما حدثت مشاكل او قلاقل في سيسيناتي (في الولايات المتحدة) فهذا لا يعني انك لن تذهب إلى واشنطن.. الأردن بحمد الله اكثر البلدان امنا في الشرق الاوسط."
ويضيف مقدم الفيلم: "إذا لم تفكر في الذهاب إلى الأردن فقد يكون ذلك لان هذه المملكة الصغيرة تقع في جوار مضطرب ..ولكن لا تدع جغرافية المكان تخيفك فالأردن عظيم الترحاب بضيوفه تاريخه الاكثر ايغالا في القدم ويحوي اكثر الكنوز الدينية والاثرية في العالم.. ان تسامح الأردن الاجتماعي والديني هما ما يميزانه عن الكثير من دول الشرق الاوسط."
وتبدأ أحداث الفيلم بإظهار جوانب الجذب والأمن في الأردن ورغم موقعه في منطقة مضطربة في العالم... وعندما يسال معد ومقدم الفيلم الوثائقي جلالة الملك لماذا نعد هذا البرنامج؟ يأتي جواب جلالته فوريا "كي نفتح أعين الناس على الروعة الاستثنائية لهذا البلد وشعبه والمفاجآت والتحديات التي سيقابلونها."
وبعد ان يصطحب جلالة الملك ضيفه إلى احب الاماكن لجلالته في الأردن.. وادي رم... يقول له "نحن الأردنيين مولعون ببدو الصحراء ونحترم تقاليدهم هم روح الأردن..." ويروي قصة ذلك البدوي في قلب الصحراء... "كنت مع عمي ودعانا البدوي للغداء... اختفى الرجل في الصحراء ثم عاد بعد ساعة ومعه 15 خروفا واعد لنا الغذاء لكننا عرفنا فيما بعد انه باع حصانه الابيض الجميل الذي لايملك في الدنيا سواه ليشتري لنا بثمنه الخراف للغداء."
واما في الجانب الفكري - جانب الحلم فقد ركز جلالة الملك على المضامين الحضارية للرسالة الأردنية إلى العالم المتغير والذي تعيش فيه الامة العربية والاسلامية تحديات خطيرة تتجاوز حدود الاتهام بالارهاب إلى محاولات انكار حضورها في المشهد العالمي الجديد.
ويركز جلالة الملك ومنذ بداية احداث الفيلم على التسامح الأردني دينيا واجتماعيا والحفاظ على تقاليد الكرم والضيافة قبل ان ينتقل إلى الحديث عن عراقة الحضارة العربية متمثلة بما ابدعه العرب الانباط هندسيا وحضاريا قبل ميلاد المسيح بثلاثة الاف سنه في قلب الصحراء حيث البتراء المدينة الوردية المعجزة وهي تلك التي اجتذبت فيما بعد غزو الرومان والبيزنطيين لاخضاعها لحكمهم.
وفي مدينة البتراء يقول جلالته في الفيلم "أنها البتراء التي تستكين في قلب الجبال وهي اكثر المناطق اثارة في العالم.. لقد اتي إلى هذا المكان ومن آلاف السنين مسافرون كثيرون وهم يترقبون اول لمحة لعجائب هذه المدينة القديمة..." ويضيف جلالته "هذا المشهد الرائع للبتراء يغمرك بمشاعر الرهبة والاحترام كيف يمكن لحضارة في مثل هذا القدم تحقيق مثل هذا الانجاز.. لقد وجدت هوليود الذهب هنا في فيلم انديانا جونز (الهجمة الصليبية الاخيرة) الذي تم تصويره هنا." ويقول جلالته "صوت الصدى الذي تعيده الجدران وتكاد تتخيل اصوات المسافرين كل على حدة لها صوت يبقى صدى رنينه الجميل في الاذن ففي اوج ازدهار هذا الموقع قبل ميلاد السيد المسيح عاش حوالي ثلاثين الف شخص في البتراء شعب عرف بالانباط عاشوا في قلب الصحراء وكانوا مهندسين ومعماريين حقيقيين واصبحت البتراء واحة تقليدية وكانت تقف عندها القوافل التجارية مما زاد ثراء الانباط حيث كانت لديهم مسارح ترفيهية يحضرها الاف المشاهدين وقد كانت من الروعة بحيث اندفع الرومان إلى الاستيلاء عليها ومن بعدهم احتلها البيزنطيون... ومع تحول الطريق التجاري عنها اصبحت البتراء نسيا منسيا واختفت عن الخرائط طيلة الف عام وفي عام 1812 تمكن رحالة سويسري من اكتشافها واليوم اعتبرت الامم المتحدة البتراء موقعا تراثيا عالميا."
وفي وادي رم يقول جلالته "لقد كان المغفور له والدي يحب هذا المكان وكان ياخذنا اليه عندما كنا اطفالا.." ويضيف لقد صورت احداث فيلم (لورنس العرب) هنا في وادي رم واعتقد انه فاز بسبع جوائز عالمية.. وهذا المكان افضل مكان يتيح لك القاء نظرة خاطفة على ما يشعر به كثيرون ففيه روح البدو.. والبدو قبائل عاشت وجابت الصحراء منذ آلاف السنين ولازالت تعيش فيها حتى يومنا هذا."
ويتابع جلالته قائلا "لازال البدو يحافظون على مبادئ ورموز الصحراء مثل تقديم الطعام والشراب والمآدب للغريب وتلقى في خيمة البدوي كل الترحيب." ويقول جلالته "يزور كثيرون وادي رم كل عام من اجل تسلق الصخور لكن توجد حاليا رياضة حديثة ومرغوبة جدا وهي التزلج على الرمال."
واما الاشارة الاكثر وضوحا فكانت عند ضريح النبي هارون.. فيصطحب جلالته ضيفه إلى جبل هارون صعودا على الاقدام لمدة ثلاث ساعات ويقول جلالته "هذا ضريح النبي هارون شقيق النبي موسى ويبجله المسلمون والمسيحيون واليهود.. والامر المهم هو ان الأردن هو المكان الوحيد الذي مر به موسى والمسيح ومحمد في مرحلة ما من التاريخ."
ويصطحب جلالته مقدم الفيلم بمروحيته إلى العقبة ويقول "منذ وقت قصير بدأت العقبة تشهد تطورا لتكون مركزا يجتذب السياح ويجعل هذا المكان اكثر جاذبية... لقد حولنا المدينة برمتها إلى منطقة تجارة حرة وتتمتع العقبة بشواطئ للسباحة والحيود المرجانية الجميلة ويشتهر البحر الاحمر بكونه من اكثر الاماكن العالمية جمالا للغوص."
ويقوم جلالته ومقدم البرنامج في رحلة غوص في مياه العقبة لهيكل سفينة غارقة على عمق تسعين قدما بعد جعلها آمنة للغوص لخلق حيد بحري مناسب لجذب الاحياء البحرية. ويقول جلالته "اتبعني لترى المرجان ومدى تكاثره والوفرة من المخلوقات البحرية التي تجتمع عند هذا الحطام... في كل مرة اعود اليه اجد شيئا جديدا حيث ازدادت عدد الاسماك عما كانت عليه قبل عام والمرجان ايضا."
وينقل جلالته ضيفة إلى منطقة البحر الميت (على بعد ساعتين شمال العقبة) ويقول له "يوجد مشهد سريالي من اكثر المناطق في منطقة من اكثر المناطق انخفاضا في العالم اذ يصل انخفاض المنطقة إلى 1300 قدم تحت سطح البحر.. واذا ما توقفت لتفحص مياه الشاطئ ستفاجأ بما ستجده فمياه البحر تتمتع بسخونة غريبة ولكنها تتمتع بخصائص كيميائية فريدة وهي دون شك من اكثر مياة العالم سخونة... تلك هي مياه البحر الميت."
وياخذ جلالته مقدم البرنامج لوادي الموجب ويقول جلالته "هذا وادي الموجب الذي يعادل منطقة "جراند كاتيون" (من اكثر المناطق الطبيعية شهرة في الولايات المتحدة الامريكية) وقد يكون الموقع الاجمل في الأردن بالنسبة للمسافر الذي يهوى المغامرات الصعبة."
ويضيف جلالته "إن وادي الموجب هو الجوهرة الأردنية الزمنية تملؤه بيوت العناكب واعشاش العصافير والاسماك تسبح امامك ويمكن التقاطها باليد... عندما تدور في نهاية الممر تنبهر عندما ترى تشكيلات صخرية لم تر مثلها في حياتك... انه مكان ساحر للاكتشاف ونحاول ان نصل إلى شلال مياه رائع ومكان منخفض يصعب الوصول اليه الا بتدريب مسبق ويحمل الموقع جمالية وهو من افضل الأسرار الأردنية المحفوظة." ويقول جلالته "والشلال الذي يتدفق في الوادي جزء رائع من هذه الطبيعة التي أسرتني بروعتها ولعلها من اكثر المواقع الأردنية إثارة التي شاهدتها في حياتي."
يبدو جلالة الملك عبد الله الثاني في الفيلم واثقا من قدرات أبناء شعبه أهل العزم في صنع المستقبل المشرف والحضور المتميز عالميا.
ويختتم جلالته جولته بالحديث لمقدم البرنامج "لا يمكنني ان أريك الأردن في ساعة واحدة لا زال هناك الكثير."
وأخيرا فلم يستطع معد ومقدم الفيلم إخفاء دهشته من قيام ملك بنفسه في الترويج لبلده من خلال فيلم تلفزيوني ويعتبر ذلك برهانا واضحا على ثقة الملك بنفسه وبوطنه وبمحبة والتفاف شعبه من حوله.
وسيعيد التلفزيون الأردني بث الفيلم الوثائقي "الأردن في عيون مليكه" مساء يوم الجمعة المقبل.