رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة السفير عبدو سلام ديالو،
رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فيسرنا في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق، أن نبعث لكم وإلى جميع أعضاء لجنتكم الموقرة، بعميق الشكر وبالغ التقدير، على جهودكم المستمرة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه الأساسي والمشروع في تقرير المصير، وتلبية تطلعاته في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني.
لقد تمكنت اللجنة، ومن خلال جهودها المخلصة، على مدى سنوات طويلة، أن تلعب دورا حيويا ومؤثرا، في حشد الدعم الدولي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتسليط الأضواء على حجم المعاناة المأساوية والأوضاع الصعبة التي يواجهها، والظلم الفادح الذي لحق به، والذي تجاوز الأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية، جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي وممارساته.
إن المعاناة المستمرة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، جراء الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية، خصوصا في قطاع غزة، أدت إلى ارتفاع كبير في حدة الفقر والجوع، والحرمان كذلك من أبسط الحقوق التي تليق بالإنسان وكرامته، مما يؤشر على حجم الظلم التاريخي الذي وقع على هذا الشعب، ما يتطلب تحركا دوليا إيجابيا ينهي المأساة التي يواجهها.
إن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة شكل تهديدا خطيرا على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط ومستقبل شعوبها، الأمر الذي يؤكد الحاجة الماسة إلى دعم جميع الجهود الدولية والإقليمية لإدامة اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه، ومساعدة الشعب الفلسطيني على تجاوز الآثار الأليمة التي خلفها هذا العدوان، وكذلك تكثيف المساعي لإعادة الزخم لجهود إحياء مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، على خطوط عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، التي تلبي تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في الحرية والاستقلال.
إن حل الدولتين، الذي يحظى بإجماع دولي، هو الأساس لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو المدخل كذلك لتحقيق السلام الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في حث جميع الأطراف على التمسك بحل الدولتين والعودة إلى عملية تفاوض تعالج مختلف قضايا الوضع النهائي قبل أن يخسر الجميع هذه الفرصة الثمينة.
لقد بذلنا خلال السنوات الماضية كل ما في وسعنا من أجل دفع عملية السلام، والتوصل إلى حلول جذرية وعملية وواقعية لهذا الصراع، واستضفنا في الأردن، خلال الفترة الماضية، مباحثات استكشافية، وعملنا بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية على توفير الظروف المناسبة أمام الفلسطينيين والإسرائيليين، للانخراط في مفاوضات مباشرة جادة تناقش قضايا الوضع النهائي وهي الحدود والقدس واللاجئين والأمن والمياه، لكن استمرار إسرائيل في تعنتها ومماطلتها وإجراءاتها الأحادية، وفي مقدمتها مواصلة سياسة الاستيطان، وتلك التي تهدف إلى تغيير هوية القدس وتهدد الأماكن المقدسة فيها شكل عائقا رئيسا أمام نجاح هذه المساعي والجهود، وعمل على تجميد المفاوضات وتوقف مسيرة السلام.
والأردن الذي سيواصل جهوده بالتعاون مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لمساعدة الجانبين للعودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف عملية السلام سيستمر في ذات الوقت في جهوده لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، ودعم أهل فلسطين والقدس، الذين تواجه مدينتهم المقدسة إجراءات تعسفية خطيرة بكل الوسائل والسبل المتاحة، وبالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وسيعمل كذلك على مواصلة حث المجتمع الدولي على تحمل مسوؤليته في وقف كل هذه الانتهاكات الجسيمة، التي قد يؤدي استمرارها إلى تقويض مساعي السلام.
إن الأردن والعالم العربي والإسلامي ملتزمون بتحقيق السلام الشامل الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والرفاه والرخاء لشعوب باتت تتوق لظروف حياتية أفضل ومستقبل مشرق. وأمامنا الآن فرصة تكاد لا تتكرر: حل الدولتين وفق المرجعيات المعتمدة، وكذلك مبادرة السلام العربية التي تشكل فرصة حقيقية غير مسبوقة للوصول إلى تسوية شاملة، وعلى إسرائيل أن تستغل هذه الفرصة التاريخية قبل فوات الأوان. إنها بالفعل فرصة تحتاج إلى شجاعة وإرادة وعزم وتصميم، وانخراط فعلي وجاد في عملية السلام.
إننا إذ نشيد بجهود لجنتكم الموقرة، التي تضع في مقدمة أولوياتها ضرورة العمل المتواصل لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لنثمن مساعيكم الخيرة في دعوتكم المتواصلة لإعادة الحقوق إلى أصحابها الشرعيين، ودعمكم للتوجه الفلسطيني لتغيير وضع فلسطين إلى دولة غير عضو في الأمم المتحدة بصفة مراقب.
نبارك لكم مساعيكم النبيلة، ونتطلع إلى استمراركم في حشد الدعم الدولي للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، والانتصار لحقوقه المشروعة وتطلعاته الوطنية وقضيته العادلة، ودعم جهود إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وختاماً، ندعو لكم بدوام التوفيق والنجاح، وصولا إلى الأهداف النبيلة التي ننشدها جميعا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.