رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة السيد بول بادجي
رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني
تحية طيبة وبعد،
إنه لمن دواعي سروري أن أخاطبكم اليوم، يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، لنتذكر بأننا على الرغم من قرب دخولنا في السنة الخامسة من القرن الحادي والعشرين فإن الإنسانية قاطبة ما زالت تتابع قضية الشعب الوحيد، الشعب الفلسطيني، الذي ما زال تحت وطأة الاحتلال. كلنا أمل بأن جهودنا ستتوج بإزالة هذا الاحتلال غير المنصف لإنسانيتنا جميعا ونمكن الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه وتأسيس دولته المستقلة فوق ترابه الوطني.
أود أن أوجه إليكم وإلى لجنتكم الموقرة الشكر والتقدير والعرفان على الجهود التي بذلتموها وما زلتم على مر السنين لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه غير القابلة للتصرف فوق ترابه الوطني.
السيد الرئيس،
يلتئم اجتماع لجنتكم الموقرة ولأول مرة منذ أن تم تشكيلها عام 1975 بعد غياب الزعيم الفلسطيني الراحل المرحوم ياسر عرفات عن وجه هذه الدنيا، وهو الذي كرس حياته ونذر نفسه للدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة وحقوق شعبه المشروعة غير القابلة للتصرف لتحقيق الشرعية الدولية بما فيها تأسيس دولته المستقلة فوق ترابه الوطني. إنني أدعو بالرحمة وأستغفر له الله العلي القدير متمنيا للقيادة الفلسطينية الجديدة التوفيق في متابعة الجهود لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني الشقيق.
إن علاقة الأردن والأردنيين بالشعب الفلسطيني ومنذ عقود خلت هي علاقة تداخل وترابط تاريخي وحضاري وثقافي وإنساني بنيت على كون منطقتنا مهبطا للديانات السماوية الثلاث التي تشترك بالدعوة إلى القيم الإنسانية المتمثلة بالرحمة والتواصل والعدل والإنصاف واحترام إنسانية الإنسان وحقوقه أفرادا وجماعات. وبناء على ذلك كانت الجهود الأردنية السياسية والدبلوماسية، ومنذ أن نشأت القضية الفلسطينية، مبنية على احترام الشرعية الدولية واتباع الطرق السلمية لحل النزاعات ونبذ العنف والتعاون مع الدول والجهات الدولية بما فيها لجنتكم الموقرة، ودعوة الآخرين وحثهم على احترامها، لماذا؟ لأن قيمنا لا تسمح لنا بأن نقف مكتوفي الأيدي أمام مأساة الشعب الفلسطيني الإنسانية القائمة على إنكار أبسط الحقوق الدولية المتعارف عليها وهي حقه بالحرية وبتقرير مصيره وبقيام دولته المستقلة وحق أفراده بالتمتع بحقوق الإنسان.
في ضوء الأوضاع المأساوية والمتدهورة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي والاستخدام المفرط من جانبه للقوة العسكرية ضد المدنيين والأبرياء وإجراءاته التعسفية بما فيها لجوئه للعقوبات الجماعية من تهديم للمنازل والبنى التحتية ومنعه وصول المساعدات الإنسانية وما ترتب عن كل ذلك من ردود أفعال مشابهة مبنية على اليأس الذي يعيشه كل فلسطيني تحت الاحتلال كل يوم استهدفت كذلك مدنيين وأبرياء، فإن علينا أكثر من أي وقت مضى أن نعمل سوية لتفعيل "خريطة الطريق" ووضعها في مسارها السليم، وهي الخطة التي اعتمدت أساسا لها اتفاقات الجانبين والمبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط وقرارات الشرعية الدولية لا سيما قرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397 وقرار الجمعية العامة 194 ووافق عليها الجانبان لاستئناف جهودهم السلمية الثنائية بإشراف ومراقبة دولتين لتحقيق السلام. نثني بهذا الصدد على جهود اللجنة الرباعية ونحثها على بذل المزيد، ونرحب بتصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة (بتاريخ 12/11/2004 خلال مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير) بالتزامه بتحقيق رؤيته لتشكيل دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام مع جيرانها.
السيد الرئيس،
إن الشرعية الدولية قد تعززت هذا العام ولأول مرة بقرار قانوني استشاري صادر عن أعلى محكمة دولية ذات اختصاص، وهو قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار الفاصل، حيث بينت أن هذا الجدار الذي تواصل إسرائيل إقامته مخالف للقانون الدولي تجب إزالته والتعويض عن الأضرار التي سببها، هذا بالإضافة إلى إقرارها بأنه خلق لحالة من التدهور المتسارع في جميع نواحي الحياة الفلسطينية الإنسانية منها والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتمثلة بتجزئة الضفة الغربية إلى ثلاثة أجزاء منعزلة تجهض بذلك اتفاق الطرفين السابق والجهود الدولية لا سيما خريطة الطريق للتوصل إلى حل سلمي لإقامة دولتين مستقلتين جارتين مسالمتين تحقيقا للشرعية الدولية. لذلك علينا جميعا أن نعمل ما بوسعنا لوقف بنائه وإزالته، وفي هذا الصدد نرحب مجددا بقرار الجمعية العامة لأمم المتحدة رقم ( 15/10-ES )الذي يعتبر خطوة أولى مهمة تعكس اعتراف المجتمع الدولي بالوضع غير القانوني لهذا الجدار ورغبته في تطبيق ما تضمنه القرار بصورة عملية.
إن الأردن وكما كان عبر السنوات الطويلة الماضية يؤمن بأن المفاوضات السياسية المبنية على الشرعية الدولية هي الطريق الوحيد المتاح للوصول إلى حل سلمي للمشكلة الفلسطينية لا يقوم إلا بنبذ اللجوء إلى العنف والقوة العسكرية، إن الأردن، الأقرب من غيره إلى المشكلة الفلسطينية وشعبه، يشعر بالمعاناة المستمرة ويعيش التأثير الإقليمي المدمر لهذا النزاع، لهذا كان وما زال مستعدا لتقديم المساعدة وبذل كل الجهود الممكنة مع الأطراف ومع المجتمع الدولي لتحقيق الحل العادل لهذه المشكلة.
في الختام اسمحوا لي، السيد الرئيس والسادة أعضاء اللجنة الموقرة، أن أشكركم مجددا على جهودكم الخيرة في تثبيت الحقوق الفلسطينية وأشد على أيديكم لأنكم بذلك تحفظون حق شعب كامل ما خاب أمله يوما في تحقيق حريته واستقلاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبد الله الثاني ابن الحسين