رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى عبدالله النسور يؤكد فيها ان مؤسساتنا الوطنية جسد واحد يعمل بروح الفريق لخدمة الصالح العام
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزنا دولة الدكتور عبدالله النسور،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
نبعث إليك وللفريق الوزاري ولجميع مؤسسات الدولة التي تبذل الجهود الموصولة خدمة للوطن والمواطن بتحية التقدير لكم في مختلف مواقعكم، وبعد:
إن ما يبعث على الاعتزاز، بالرغم من الظروف الجوية الصعبة التي عاشها الأردن خلال الأيام القريبة الماضية، والتي فاقت التوقعات، مستوى التنسيق والمتابعة والعمل، ووفق الإمكانات المتاحة والقدرات المتوفرة، بين مختلف الجهات الحكومية، المدنية منها والعسكرية، بحسب المعطيات الميدانية، وما رافقه من وعي أبناء وبنات شعبنا الغالي، لتتكامل الجهود لتأمين مقدرات الوطن وحماية مصالح المواطنين.
ونشير في هذا المقام إلى حقيقة ثابتة بأن مؤسساتنا الوطنية، المدنية والعسكرية، جسد واحد، يعمل بكل تجانس وتكامل، وبروح الفريق، ترفد الواحدة منها الأخرى لسد الثغرات والقصور، يجمعها خدمة الصالح العام ورضا الله في تحمل أمانة المسؤولية. وعليه، وبعد إطلاعنا المباشر على حقيقة الجهود التي بذلت، فلا بد من تسجيل الشكر والتقدير لجميع الكوادر التي أدت واجبها بمهنية ومسؤولية عالية، فالتحية للنشامى والنشميات في الوزارات والمؤسسات الخدمية، والبلديات، وأمانة عمّان، والقوات المسلحة والدفاع المدني، والأمن العام، والدرك، الذين أثبتوا كما هي عادتهم دائما القدرة، ووفق الإمكانات المتوفرة، على التخطيط المسبق والتنسيق والمتابعة فيما بينهم لمواجهة الحالة الجوية التي سادت المملكة، حيث ظهر الأمر جليا في عملهم على توفير احتياجات المواطنين من مادة الخبز، وإيصال المرضى من أبناء وبنات شعبنا إلى المستشفيات، وفتح الطرق أولا بأول.
إن ما لمسناه من حالة أردنية فريدة من التوحد والتكافل خلال هذه الظروف الصعبة هو شهادة صدق في معدن شعبنا الأصيل، إذ تجلت روح الإيثار والعطاء. وهذه الروح الوطنية تدعونا للفخر والثقة، فقد شهدنا وعيا وحسا لدى الكثير من المواطنين، ومبادرات إيجابية من مؤسسات في القطاع الخاص والمجتمع المدني تعكس مسؤولية اجتماعية وطنية يجب تعزيزها والبناء عليها تأكيدا على المسؤولية الجماعية عند التعامل مع مثل هذه الحالات الاستثنائية، فلهم جميعاً منا الشكر والتقدير. ومن الضروري التفكير في كيفية توجيه هذه القدرات نحو عمل تطوعي مؤسسي، وتطوير دور المؤسسات الإعلامية والتثقيفية لتوعية المواطنين بكيفية التعامل مع مثل هذه الظروف الطبيعية، والإعداد لها مستقبلا. وهنا، فإننا نتقدم بخالص الشكر لوسائل الإعلام التي مارست دورها بكل مهنية وحيادية وموضوعية في تعاملها مع العاصفة الثلجية وتداعياتها.
دولة الأخ،
لقد أكدنا في أكثر من مناسبة أن الإنسان الأردني هو الدافع الأساسي للتطوير والارتقاء بأداء المؤسسات الخدمية لتكون في مستوى توقعاته، كما أكدنا على أن هذه المؤسسات مُساءلة عن أدائها من قبل المواطنين والهيئات التمثيلية ومؤسسات المجتمع المدني، وصولاً إلى أداء نوعي يعبر عن التاريخ العريق لمؤسسات الدولة الأردنية وفلسفتها القائمة على صون كرامة الإنسان وحماية كبريائه، وهذه العناصر هي مكونات المواطنة الفاعلة التي انتهجها الأردن أسلوب عمل وحياة، حيث يجب أن تسود أسس المراجعة والتقييم وروح العمل في التعامل مع مثل هذه التحديات.
وعند الحديث عن مراجعة وتقييم الأداء خلال الأيام الماضية، فإننا نركز على ضرورة الاستناد إلى الحقائق الموضوعية والبيانات الموثقة، وأن تتم العملية بمنتهى الحياد، بعيدا عن التهويل والسلبية التي يمارسها البعض طمعا في الشعبية والبطولات الزائفة، مع التأكيد على ضرورة الانفتاح على النقد الصادق والبنّاء والهادف، التي هي مرتكزات الإصلاح الذي نؤمن به قولا وعملا ابتغاء لمرضاة الله وحق المواطن الأعز في حاضر وغد أفضل.
ومن أبرز ما يتطلب التقييم والمراجعة البناء على آليات التنسيق القائمة بين الجهات المسؤولة للوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وتكريسها في الأوجه ذات الأولوية عند حدوث الأزمات، استناد إلى الاستراتيجيات المعدة مسبقا ووفقا لأفضل الممارسات.
وأمّا الانقطاع في بعض الخدمات الأساسية، كما ظهر خلال الأيام الماضية بفعل الحالة الجوية، ومن أبرزها الكهرباء، التي هي عصب الحياة في عالمنا المعاصر، فيحتّم المباشرة في تحديد الأسباب لتداركها مستقبلا، مع ضرورة محاسبة المقصرين في مسؤولياتهم، وفقا للقانون وبتوخّي أعلى درجات العدالة، آخذين بعين الاعتبار واقع الموارد والإمكانات، وحدّة الظروف الجوية وصعوبتها، وفي ضوء الأمثلة العالمية في كيفية التعاطي مع هذه الأزمات والمدد الزمنية للتجاوب مع تداعياتها وتجاوزها، وذلك لغايات الإنصاف وموضوعية التقييم.
ولا بد كذلك من التحرك السريع لتقييم أوجه القصور في البنى التحتية والمسارعة لمعالجتها، وتطوير خطط الطوارئ بحيث تصبح أكثر شمولية وتكاملية وتراعي تحديات إدارة السير، وتأمين السلع والخدمات الحيوية، وإطلاع الجمهور على المستجدات عبر وسائل الإعلام بكل موضوعية ومصداقية وشفافية، والتنسيق بشكل أفضل بين أطقم الإنقاذ والنجدة والإسعاف والمستشفيات، وتوعية المواطنين بمخاطر الممارسات المُعطّلة لجهود الإغاثة أو الإنقاذ، بحيث يكونون جزءا أساسيا من الحل، وصولا إلى حالة من التكاملية والتشاركية والمسؤولية الجماعية والالتزام الوطني الحقيقي في التعامل مع الأزمات، ما بين دور المواطن الذي يمارس مواطنته الفاعلة من حقوق وواجبات ومسؤوليات، وما تقوم به أجهزة الدولة المختلفة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.
لقد أثبت الأردنيون خلال الأيام الماضية قدرتهم على الوقوف صفا واحدا في التعامل مع الأزمات والخروج منها بأقل الخسائر مهما كبرت، وإننا لفخورون بقصص التعاضد والتكافل والتراحم التي مارسها أبناء وبنات شعبنا الأصيل خلال العاصفة الثلجية، فكانوا مضرب المثل في مساعدة المحتاج والوقوف مع المريض وتقاسم لقمة العيش ومصادر التدفئة، فحق لهم أن يفخروا وأن نفاخر بهم العالم.
دولة رئيس الوزراء،
إن هذه التجربة تمثل فرصة مهمة للتقييم والتعلم من الأخطاء وتدارك الثغرات ومواطن القصور، بحيث يتم الارتقاء بأداء المؤسسات القائمة على خدمة المواطنين في الطوارئ والأحوال الجوية الصعبة نحو أفضل المستويات. وهذه متطلبات أساسية في التعامل المستمر مع تبعات الظروف الجوية القائمة من انجمادات، والمتوقعة كالفياضانات والسيول وغيرها لاحتوائها ومعالجتها، إضافة إلى الإعداد بشكل أفضل لمواجهة الأحوال الجوية الأخرى المتوقعة خلال موسم الشتاء الحالي.
وبناء على ما تقدم، فإننا نتطلع إلى سرعة في الاستجابة والتنفيذ والاستعداد الأفضل لما سيستجد من ظروف وتحديات، على أساس من المسؤولية الجماعية والتشاركية والتكاملية، متمنين لكم التوفيق، ومجددين التقدير لكوادر جميع المؤسسات الوطنية على ما تبذله من جهد موصول خدمة لأردننا الأعز، وللمواطن الأردني الأغلى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عبدالله الثاني ابن الحسين
عمان في 15 صفر 1435 هجرية
الموافق 18 كانون الأول 2013 ميلادية