رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى طاهر حكمت يعهد إليه برئاسة المحكمة الدستورية
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الأخ طاهر حكمت، حفظه الله،
رئيس المحكمة الدستورية،
السادة أعضاء المحكمة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فيطيب لنا أن نبعث إليكم في يوم الإنجاز الأردني هذا، بتحية ملؤها الاعتزاز بكم، وبوطننا الحبيب، وبمسيرة التطوير والتحديث والإصلاح التي سطّرت اليوم منجزاً وطنيا رائدا يتمثل في إنشاء المحكمة الدستورية، والتي نعهد إليكم بتوليها، لما عرفناه عنكم من روح المسؤولية العالية، والأداء المتميز، والإخلاص لوطنكم وشعبكم في سائر المواقع التي شغلتموها.
إننا إذ نعي أن مبدأ الرقابة على دستورية التشريعات لم يغب يوماً عن حياتنا السياسية ولا عن مؤسساتنا الوطنية العريقة، بفضل تصدي الأجلاء من أبناء الوطن في المجلس العالي لتفسير الدستور لهذه المهمة النبيلة بتميز واقتدار على مدار العقود الماضية، إلا أن نهج الإصلاح الذي التزمنا به قولا وعملا، وبنينا عليه منذ أن تولينا أمانة المسؤولية، والذي تعزز بتعديلات دستورية إصلاحية، يتطلب إيلاء مهمة الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة إلى محكمة متخصصة، لتنهض بمسؤولياتها التي ستتعاظم في ضوء استحقاقات المرحلة السياسية القادمة، ومسيرة الإصلاح التي نرعاها نهجا أردنيا خالصاً لبناء مستقبل أفضل لوطننا العزيز، بإذن الله.
ومع توليكم رئاسة المحكمة الدستورية، وانضمام كوكبة من عقول أردنية متميزة ومشهود لها بالخبرة والكفاءة إلى هيئتها، فإننا على يقين بأن هذه المحكمة تأتي ضمانة هامة ومرجعية أساسية لتكريس مبدأ احترام الدستور، وترسيخ الفصل والتوازن بين السلطات، ولتكون حامية لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، ومعززة للثقة بينهم وبين الدولة.
إن انطلاق هذه المحكمة، بقيادتكم وزملائكم، حراس العدالة، خطوة رئيسة ومعلم فاصل في مسيرة الإصلاح والتجديد الديمقراطي الذي ننشد، والتي ستكون إحدى محطاتها القادمة انتخاب مجلس نواب جديد مع بداية العام المقبل، تنبثق عنه حكومة برلمانية معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال انتخابات نزيهة بإدارة وإشراف الهيئة المستقلة للانتخاب، والتي تعد إنجازا إصلاحيا دستوريا آخر نعتز به.
ومع اقترابنا من هذا الاستحقاق أكثر فأكثر، فإننا نعول على المحكمة الدستورية كأحد أهم الضوابط للمرحلة المقبلة باعتبارها ضمانة لتعزيز الفصل والتوازن بين السلطات، ومراقبا لاحترام سيادة القانون والشرعية عبر مواءمة القوانين والأنظمة النافذة مع الدستور روحاً ونصاً، الأمر الذي سيحدث تغييرا نوعياً يرتقي بأداء جميع السلطات.
معالي الأخ العزيز،
السادة أعضاء المحكمة،
بدخول محكمتكم ميدان المسؤولية الوطنية، فإن انجازاً دستوريا نفتخر به قد سُجّل، ألا وهو توحيد الاجتهاد الدستوري، حيث باتت المحكمة الدستورية المرجع الوحيد لتفسير نصوص الدستور، من خلال ما تصدره من قرارات، لتكون هادية ومرشدة لكل سلطات الدولة، ويتوجب على الجميع احترامها والالتزام بها.
ولا بد في هذا المقام من التأكيد على جملة من المبادئ القانونية والقضائية والأخلاقية التي ستبقى على الدوام نبراساً لهذه المحكمة تسير على هديه. فالمحكمة الدستورية رمز يجسّد الحيادية والاستقلالية والشفافية، وقراراتها تصدر دون تأثير أية جهة كانت، ويساندها في أداء عملها مجموعة من الضمانات لها ولقضاتها الأجلاء.
ونحن على يقين بأن إنشاء هذه المحكمة سيوفر للمواطن، عبر قنوات متعددة، أداة دستورية جديدة تعزز حماية الحقوق والحريات، مرتكزة في أدائها واجتهاداتها على تراث وطني، ومعين لا ينضب من الخبرة القضائية المتراكمة والفقه القانوني والدستوري المستنير، وقيم العدالة، والتراث الإنساني الواسع بانفتاح على تجارب الأمم، وبما يتفق مع روح العصر والتقدم.
معالي رئيس المحكمة الدستورية الأكرم،
السادة أعضاء المحكمة،
مع هذه الخطوة التاريخية التي تكرس الأردن الحبيب دولة للقانون وحمى للحريات، نتمنى لك ولزملائك التوفيق وصواب الاجتهاد، وسيكون لكم منا كل العون والسند، مستلهمين من قوله تبارك وتعالى: "إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". صدق الله العظيم.
أخوكم
عبدالله الثاني ابن الحسين