رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الوزراء عدنان بدران حول الاصلاح وأسباب قبول استقالة باسم عوض الله
بسم الله الرحمن الرحيم
دولة الأخ عدنان بدران حفظه الله
تحية طيبة وبعد،
في غمار الأداء الوطني النبيل وعبر تحملكم للمسؤولية التنفيذية واندفاعكم إلى تأدية الواجب الوطني نود أن نؤكد دعمنا لكم لتحقيق ما نرنو إليه لخير الأردن العزيز حاضرا ومستقبلا.
إن سمة الطبيعة البشرية أن تطمح وتسعى وأن تتنافس وتعبر عن ذاتها وأن تحشد كل القرائن وأساليب الجدل في سبيل المصالح والمبادىء ونحن وقفنا ونقف دائما عن قناعة مع الرأي الذي لا يلغي الرأي الآخر ومع الحوار وحرية التعبير لكننا نؤكد دوما على أن كل المصالح مهما تكاثرت ومهما تنوعت عليها ان تنسحب أمام مصلحة الوطن الذي لا مصلحة فوق مصلحته وهذا من صلب ثوابت رؤيتنا وأدائنا ونهجنا ومصلحة الأردن هي لنا دائما الهدف الأسمى.
إن قرارنا في اعتماد الإصلاح منهجا وإصرارنا على تسريع وتيرته هو فعل إرادة واختيار وهو نابع من رؤيتنا لمصلحتنا الوطنية وحيث تجهد القوى العالمية في الضغط على الدول الأخرى لاعتماد الإصلاح والسير فيه فقد كنا في الأردن وسنبقى رواد الإصلاح الطوعي الذي انبثق من رأس الهرم إلى مختلف المستويات وسيستمر حتى يحقق كل عوائده لمصلحة الوطن ولرخاء الأردنيين دون استثناء.
إننا على قناعة تامة أن الإصلاح يحتاج إلى تضحيات في بداياته لكنه ضمانة مستقبل أبنائنا وبناتنا وازدهار الأجيال المقبلة، لذا لا نستغرب كما هو حال كل دعوة للتغيير الايجابي الذي يستلزم التضحيات أن يقاوم بعض الأشخاص مبادىء الإصلاح وأن يسعوا إلى إبقاء القديم على قدمه، ولعل ما يدعم موقفهم هذا هو أن عوائد الإصلاح ليست عينية في مراحل البناء الأولية على عكس ثمارها الوفيرة في المستقبل المنظور.
وهكذا لاحظنا ونستمر في رصد الهجوم المركز على الإصلاح ومؤيديه. وما كنا لنعترض لو أن النقد والرفض بنيا على العلم والموضوعية، إلا أن الحقيقة جلية في تجاوز مبادىء الإصلاح للتعرض المغرض للأشخاص الذين تبنوا الإصلاح.
والأمر المؤسف هو أن من ينتقد هذا البرنامج الوطني ويهاجمه حاد عن مبادىء الإصلاح ونجح في (شخصنة) دعاته، ورغم أن الإصلاح مبادىء وليس أشخاصا، إلا أن الواقع المرير أنهم نجحوا في تشخيصه وفي شخصنته.
وعلى هذا الأساس ومن جوهر مبادىء الإصلاح، رأينا أن نقبل بمبدأ التضحية، وكان خروج معالي الأخ الدكتور باسم عوض الله من الحكومة هو من لب هذه التضحيات. لكن الراسخ لدينا والواضح الجلي أن الإصلاح هو برنامجنا الوطني الذي لا رجعة عنه، وهو يمثل إرادتنا واختيارنا لمصلحة الوطن، وهو منهج، وإن كان طويل الأمد إلا انه وجهة نهائية للأردن الحبيب.
وإننا إذ نتمنى التوفيق ودوام النجاح للدكتور عوض الله، وهو الذي أعطى الأردن كثيرا وسيستمر في العطاء المتميز في كل موقع يكون فيه، وهذا ليس بجديد عليه فقد لبى النداء في كل مرة ناداه الوطن. وإنّا على ثقة بأنه سيلبي النداء إذا ما استجد ما يدعو إلى عودته إلى ميدان العمل المخلص والعطاء.
إن الإصلاح يستحق التضحيات، وهو برنامج مستمر حتى يحقق العوائد كافة، مثلما هو أمانة في أعناقنا لصالح الأجيال المقبلة ولأجل غدهم الواعد، لذا يتحتم علينا الإنجاز والنجاح.
إننا على ثقة أنكم لن تألوا جهدا ولن تحجموا عن تضحية من شأنها ترسيخ هذا التوجه والتأكيد على المضي والاستمرار فيه. كما أننا على قناعة تامة بأن سعيكم وحرصكم على تنفيذ رؤيتنا لمستقبل الأردن يتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لاختيار من تتوسمون فيه القدرة والكفاءة على ترجمة الرؤى إلى واقع ملموس يعود بالنتائج الخيّرة على الوطن والمواطنين، فالأردن أولا ودائما يستحق الأفضل.
عبد الله الثاني ابن الحسين