رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى أمين عمان حول إعداد مشروع تخطيط جاد وشامل لمدينة عمان
بسم الله الرحمن الرحيم
عطوفة المهندس عمر المعاني الأكرم
أمين عمان
تحية طيبة وبعد
فيسرنا أن نبعث إليك وإلى الفريق المميز الذي يعمل إلى جانبك في أمانة عمان الكبرى بأطيب تحياتنا وخالص تمنياتنا بالتوفيق، مؤكدين تقديرنا الكبير لما يبذله العاملون في أمانة عمان من جهد حثيث وما يبدونه من انضباط وتفان وإخلاص من اجل النهوض بعاصمتنا الحبيبة عمان وصون معالمها والحفاظ على صورتها التراثية المشرقة.
لقد شهدت عمان في السنوات الأخيرة كما يتضح للجميع نموا وتوسعا عمرانيا كبيرا وكان هذا نتاجا طبيعيا للجهود الدؤوبة والسياسات المكثفة التي ساهمت في جذب الاستثمار واستفادت من النهضة الاقتصادية الإقليمية كما كانت نتاج الموقع الاستراتيجي والأمن والاستقرار السياسي الذي يتمتع به الأردن الغالي، إضافة إلى تميز الكوادر العاملة المؤهلة ذات المهارة العالية والبيئة المضيافة وتجليات الجمال الطبيعي التي حظيت بها مدينتنا العزيزة على مدى الأيام.
ومن الأهمية بمكان أن نواصل جميعا بذل أقصى الجهد كي نضمن أن تستمر مدينتنا العزيزة موقعا ومركزا جاذب للمشروعات التنموية الريادية وأن تظل أرضا خصبة تتجذر فيها الأفكار الإبداعية وتزدهر. كما يتعين علينا أن نعمل على أن تحافظ عمان العرب وعاصمة الوفاق والاتفاق على عراقتها مدينة تحتضن المبدعين والمثقفين وتتغنى بالتنوع الفكري وبتعدد منابت سكانها الذي يمنحها قوة وازدهارا ويعزز مكانتها المتميزة باعتبارها موقعا جذابا للعيش والعمل والسياحة.
إن التحدي الأساسي الذي يواجهنا هو إيجاد التوازن الدقيق الذي يشجع النمو والتنمية والتحديث لمدينتنا من جهة مع الحفاظ على الجماليات والثقافة والتقاليد والأجواء الساحرة التي تميزها وتجعلها مختلفة عما عداها من جهة أخرى.
ومع استمرار جهودنا الرامية إلى ضمان تدفق الاستثمار وتواصل مسيرة النمو والتقدم في بلدنا, يتوجب علينا أن نضمن أن لا يؤدي هذا الإضرار بنوعية الحياة لشعبنا بل أن يعمل على تحسينها وأن تستمر عمان في احتضان أسرها شبانا وشيبا وان تضمن إيجاد مناخ نظيف آمن هادىء يظلله السلام ويتمكن فيه قاطنوها من العيش والعمل وممارسة تقاليدهم الاجتماعية.
وللوصول إلى أقصى حد من التوازن بين النمو السليم والحياة النوعية وبين التوسع المزدهر والمناطق المنظمة بين وسائل الراحة التي وفرها القرن الحادي والعشرون وميزات الشخصية التقليدية علينا أن ننهض لإعداد مشروع تخطيط مدن جاد شامل لمدينة عمان.
وسيساعد هذا المشروع على التعرف على الفرص التي تتيحها مدينتنا والمحددات التي تفرضها أيضا، كما سيعمل على تعزيز نظرة الاحترام لسماتها وتقاليدها العزيزة التي تراعي حاجات سكانها في الوقت الذي يستشرف فيه آفاق نموها المستقبلي بأساليب مدروسة ومخطط لها بصورة جيدة.
وسيضمن المشروع كذلك أن يكون احترام بيئتنا وطبيعتنا عنصرا أصيلا في كل ما نعمل وأن يتم تخطيط أراضينا وفق مخطط رئيس شامل واضح يحظى بما يستحقه من دراسة وأن يتم ترخيص المشروعات بعد أن تستوفي بصورة جلية المواصفات العالية التي تلامس أرض الواقع وان يتم تخصيص الأراضي وفق معايير شفافة محددة بدقة وأن تحظى المدينة بمجملها ببني تحتية تستفيد من أرقى ما وصلت إليه أحدث وسائل التكنولوجيا.
ولتنفيذ ذلك فإننا نعهد إليك البدء بتشكيل فريق يباشر العمل في هذا المجهود بالغ الأهمية، مؤكدا على أن تكون الكفاءة المهنية والخبرة العملية هما المعيار الوحيد الذي يستند إليه اختياركم لأعضاء هذا الفريق.
كما أود أن تدعو خبراء من مختلف أنحاء العالم للإسهام في هذا الجهد، ذلك أن التشارك في النجاحات والإخفاقات التي شهدوها في مدن أخرى يمكن أن يكون بالغ القيمة بالنسبة لنا.
وإننا وأبناء شعبنا إذ نتطلع إلى رؤية هذا الجهد يخرج إلى حيز الوجود واقعا ملموسا في اقرب فرصة ممكنة. ومع إدراكنا بأن أمانة عمان الكبرى ستقودنا إلى طريق الاهتمام بعاصمتنا العزيزة ورعايتها فان متابعة هذه المسيرة بمحبة تظل مسؤولية كل مواطن وعلينا جميعا أن نقف معكم وندعمكم للعناية بمدينتنا العزيزة ورعايتها.
وإننا إذ نؤكد أهمية المضي قدما في الخطط والمشروعات والبرامج التي باشرت بتنفيذها أمانة عمان في الفترة الماضية والحرص على عدم توقفها إلى حين الانتهاء من إنجاز هذا المخطط الشامل، لنأمل أن يفضي هذا الجهد إلى توفير مخطط وأنموذج يمكن احتذاؤهما وتطويرهما في المدن الحبيبة الأخرى في الأردن الغالي كي يستمر بلدنا في النمو والازدهار ويغدو أنموذجا يحتذى من قبل الآخرين في المنطقة والعالم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبدالله الثاني ابن الحسين