مقتطفات من مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.)
بي. بي. سي.: جلالة الملك، لا نكاد نتذكرعدد المرات التي عقدت فيها قمم على ساحل البحر الاحمر وقطعت فيها التزامات بالسلام ولكنها نقضت جميعا. فما هو الاختلاف هذه المرة؟
جلالة الملك: لأنني اعتقد في الحقيقة ان خياراتنا تنفد. هذه فرصة، فلدينا قيادة فلسطينية جديدة، والتزام من اسرائيل بالتعامل مع الفلسطينيين شركاء في السلام، وبصراحة تامة اذا ما عدت إلى تصريح الرئيس بوش قبل عدة سنوات عندما اعلن عن التزامه بقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للبقاء - وما يهمنا هنا هو الجزء المتعلق بالبقاء والديمومة الجغرافي - فما لم نقم بحل القضية خلال هذا العام او العامين القادمين فلن يتبقى هناك ما يكفي من الاراضي الفلسطينية جغرافيا للوصول الى حل الدولتين، لذا اعتقد ان هذا وقت حاسم بالنسبة لنا للعودة مجددا للانخراط في خريطة الطريق وأن نعيد جمع الفلسطينيين والاسرائيليين معا لاننا اذا لم نجد حلا للقضية خلال عامي 2005 و2006 فقد لا تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة نتحدث عنها.
بي. بي. سي.: ولكن مع كل الاحترام، عندما التقى هؤلاء القادة في مدينة العقبة الاردنية قبل عام ونصف، قالوا نفس هذا الكلام. فما الذي يجعل الامر مختلفا الان غير انتخاب محمود عباس زعيما فلسطينيا جديدا؟
جلالة الملك: مرة أخرى أين أصبحنا الآن مما كنا عليه قبل عامين؟ أعني ان العنف والاحباط قد ازدادا وحدث مزيد من الدمار دفع ثمنه الفلسطينيون والاسرائيليون، لذا فانه يتحتم علينا أن نضع خلافاتنا جانبا وأن نمضي قدما، ومرة أخرى فقد مر محمود عباس بفترة صعبة قبل عامين حيث لم يحظ بدعم المجتمع الدولي كما يجب، وكذلك من قبل الحكومة الاسرائيلية التي كان بوسعها ان تقدم الكثير للشعب الفلسطيني لتمنح نوعا من القوة لحكومته وأعتقد ان الناس يتفهمون الامور بشكل أفضل الآن. لذلك ومن خلال المباحثات التي أجريناها مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، وكذلك من خلال التصريحات التي اطلقتها القيادتان الفلسطينية والاسرائيلية، فانه يبدو ان الامر جدي الآن، وانهم يدركون حجم التحديات التي تواجههم.
بي. بي. سي.: الا تشعر بأن الجانبين جاءا الى هنا بجداول أعمال مختلفة، حيث يركز الاسرائيليون كثيرا على الحاجة الى تحسين الوضع الامني، ويريد الفلسطينيون الانتقال الى المباحثات السياسية لانهم يعتقدون انه بدونها لن يتمكنوا من تحسين الوضع الامني؟
جلالة الملك: من الواضح انه كان هناك على الدوام اختلاف في الاولويات. ففي كل مرة يلتقي فيها الفلسطينيون والاسرائيليون، يتمسك الاسرائيليون بالجانب الأمني وهذا أمر ندركه جميعا، ولكني آمل ان يكون ما تحقق اليوم قد تجاوز القضية الامنية، فمن المهم ان نرى الضوء في نهاية النفق، ومن خلال مباحثاتنا وما سمعناه من كلا الجانبين، اعتقد ان قمة شرم الشيخ تجاوزت القضية الامنية وانها خطوة ايجابية جدا باتجاه مؤتمر لندن الذي سيعقد في مطلع اذار وعلينا ان نحافظ على الدفع باتجاه العملية السلمية.
بي. بي. سي.: ما الذي اختلف اليوم في موقف ارييل شارون؟
جلالة الملك: ربما اصبح على ثقة بأن لديه شريك في السلام، واعتقد ان ابو مازن هو الرجل الذي سيقدم على اتخاذ الخطوات الشجاعة، وامامه تحد صعب، ولكن من خلال معرفتي بالرجل، فانه ملتزم ورجل واضح ليس لديه ما يخفيه، واعتقد ان كلا الرجلين - كما قيل عنهما - مفاوضان صلبان، لكني اعتقد انهما عندما يتفقان على أمر فانهما يلتزمان بذلك.
بي. بي. سي.: هل يتعدى الأمر مجرد كونه بارقة أمل؟ هل هناك اشارة لحدوث تغيير؟ عندما يكون الموضوع الأمني ملحا، هل تتحول القمة من قمة صنع سلام الى قمة أمنية؟
جلالة الملك: أعتقد أنها أكثر من ذلك. من الواضح أن الاسرائيليين يلحون على مخاوفهم الأمنية، وأعتقد اننا تناولنا هذا الجانب سابقا، وأعتقد انها مسالة مهمة. ان الرئيس عباس سيبذل قصارى جهده للتعامل مع الموضوع الامني. ومن الواضح أن هذه المسألة لا تحل بكبسة زر، لان علية بناء مؤسسات الدولة، وبناء قوات امن جديدة، وعلية تغير طريقة عمل الاجهزة الامنية داخل مؤسساته، لذا فهذه مسالة لا تحل بين عشية وضحاها، واعتقد اننا في المجتمع الدولي أكدنا ذلك للجانب الاسرائيلي بما فيه الكفاية، وبأن هذه المسالة مرة أخرى لا تحل بكبسة زر، ومع اننا متفهمون لأهمية المسالة الأمنية للاسرائيليين.
بي. بي. سي.: هل من الممكن إحراز تقدم دون ممارسة ضغط أميركي على الجانبين للبدء بالمفاوضات ؟
جلالة الملك: بصراحة أعتقد انك تتحدثين عن ضغط أميركي فاعل، ودور منسق للجنة الرباعية، إن هذا جهد جماعي وبدونه - ونظرا لتجارب السنوات السابقة عندما ترك الجانبان وحدهما - لم يتحقق اي تقدم ايجابي.
بي. بي. سي.: وهل ترون جلالتكم ان هذه مرحلة جديدة من المشاركة الأميركية الفاعلة؟
جلالة الملك: آمل ذلك. من الواضح انه لم يكن بيننا حضور أميركي اليوم، فقد تُرك الأمر لنا في المنطقة لنعمل معا، حيث اجتمع الفلسطينييون والاسرائيلييون معا تحت مظلة الرئيس مبارك للبدء بالعملية السلمية. وكما ذكرت، فستكون هناك سلسلة من الاجتماعات خلال الشهرين القادمين، فهناك مؤتمر لندن كما أشرت، واعتقد انه سيكون هناك دور فاعل لوزيرة الخارجية الأميركية في إحراز تقدم في العملية، إن الأمور آخذة في الترتيب، وآمل ان يكون هذا اليوم بداية عملية ستعيدنا أخيراً الى خريطة الطريق.
بي. بي. سي.: لكنكم تعتقدون ان الولايات المتحدة ستسلك منهجا مختلفا؟ منهجا اكثر توازنا في المنطقة؟
جلالة الملك: اعتقد ذلك، فمن خلال مباحثاتي مع الرئيس بوش، ومن خلال ما وعدني به في كانون الاول من دعم للفلسطينيين، اعتقد ان الظروف ايجابية جدا، وان الرئيس يدرك مسالة الوقت، ومشكلة الديمومة الجغرافية، واعتقد انه سيقدم دعمه الكامل للعملية.
بي. بي. سي.: كما تعلمون، فان السياسة الأميركية في المنطقة تحدد في معظمها، من خلال ما تقوم به في العراق الآن، هل تعتقدون كما يعتقد بعض العراقيين ان على الولايات المتحدة ان تحدد موعدا لانسحاب قواتها؟
جلالة الملك: اعتقد ان الأميركيين يدركون ايضا ان عليهم تحديد موعد للانسحاب، واعتقد ان هذا أمر ايجابي، لأنه يبين ان ثمة ضوء في نهاية النفق حتى بالنسبة لاولئك العراقيين المتشددين، وان هناك مستقبلا للعراق، وهناك جدول زمني على مراحل. لذلك أعتقد ان تحديد موعد للانسحاب هو امر ايجابي، وسيكون وقعه جيدا ليس في العراق فحسب بل وفي المنطقة باسرها.
بي. بي. سي.: أما زلتم قلقون حيال اندلاع حرب أهلية، فلطالما تحدثتم بقلق عن العلاقة بين الاغلبية الشيعية والسنة، فهل تاكدت مخاوفكم بعد هذه الانتخابات؟
جلالة الملك: ان الامر اكثر تعقيدا من ذلك، فهناك العديد من الفصائل، وما نريده كما ذكرت على الصعيد السياسي مستقبلا قوياً ومشرقا للعراق، يضم جميع أطياف الشعب العراقي. لقد جرت انتخابات ناجحة، وكانت هناك مشاركة واسعة في العراق، وكانت هناك مشاركة اقل من قبل السّنة. انني آمل مرة ثانية وكما ذكرت ان تكون الحكومة الجديدة شاملة لكافة شرائح المجتمع العراقي، لذا علينا ان نكون متفائلين بحذر. لقد ذكرت الحرب الأهلية، نعم هناك اليوم خوف أكبر في الشرق الأوسط مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عامين. لكننا نامل في نفس الوقت، أن يكون هناك عملية تغيير ايجابي قد حصلت لدى العراقيين واعتقد انهم يدركون المخاطر المحدقة بهم. وامل ان يفضي ذلك الى تنحية خلافاتهم جانبا، وان يتقدموا نحو المستقبل.