مقتطفات من مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة بي. بي. اس.

أجرى المقابلة: 
مارغريت وارنر
For: 
قناة بي. بي. اس.
19 كانون الثاني/يناير 2012
(مترجم عن الإنجليزية)

بي. بي. اس.: صاحب الجلالة، شكرا لوجودك معنا. الجامعة العربية على وشك إنهاء مهمتها، اليوم في الواقع، في سوريا؟ ما الذي تعتقد أنه قد تحقق، إن تحقق أي شيء؟

جلالة الملك: حسنا أعتقد ان هذه المهمة مكنت الدول العربية من فهم أعمق لما يجري داخل سوريا ، لقد كانت مهمة مثيرة للاهتمام، وأعتقد أننا حققنا بعض المكاسب وبعض الخسائر ، وأعتقد ان الفائدة منها تكمن في أنها ستساعد على تطوير استراتجية عربية حول كيفية التعامل مع سوريا.
أعتقد أن الدول العربية قلقة جدا حيال ما يجري ، علينا أن ندرك ماهية المرحلة المقبلة وما هي مخرجات قرارات الجامعة العربية، ومن المؤكد أننا في الأردن سوف نلتزم بما تقوله الجامعة العربية وسنتعاون معها، بغض النظر عن ماهية النصائح.

بي. بي. اس.: ألقى الرئيس الأسد الأسبوع الماضي خطابا شديد اللهجة قال فيه أنه سيستمر في مطاردة الإرهابيين بقبضة من حديد، وقد وجه إهانات حقيقية للجامعة العربية وبعثتها. هل تعتقد أن البعثة قد تركت أي اثر، حتى التخفيف من مستوى القتل؟

جلالة الملك: لقد كان الحال كذلك منذ فترة، أقصد ما دار من نقاشات بين الجامعة العربية وسوريا، وقد خضنا نقاشات ساخنة في القاهرة، وبعثت الجامعة العربية وفودا الى سوريا، وأتمنى ان يتعامل النظام السوري بجدية أكبر مع الجامعة العربية، لأنه في نهاية المطاف، وفي حال تشكل موقف عربي موحد، فعليهم أن يتعاملوا معه بجدية كبيرة، وسوف تكون الأسابيع المقبلة حاسمة حول كيفية تعامل الجامعة العربية مع سوريا والرئيس بشار.

بي. بي. اس.: لقد قال أمير قطر في برنامج "ستون دقيقة" أن ما يحدث من قتل أمر فظيع ويجب إرسال قوات عربية لوقفه، هل يمكن أن تؤيد أمرا مثل هذا؟

جلالة الملك: حسنا، أكرر من جديد أننا مع الإجماع العربي وعلينا أن ننتظر ما تقرره الجامعة العربية، وأنا قلق فقط من أن بدء أي عمليات عسكرية في أي بلد يجعل من الصعب توقع النتائج ، ونأمل أن يؤدي الحوار واستمرار الضغط على سوريا إلى أثر ايجابي – وأنا أدرك أن ما نشهده في سوريا للأسف سوف يستمر لفترة قادمة.

بي. بي. اس.: هل تعتقد أن القتل سوف يستمر فعلا بهذه الوتيرة؟

جلالة الملك: لا أعلم إن كان على هذه الوتيرة، لكنني أعتقد ان الاضطرابات وفقدان الأرواح سوف يستمر للأسف ، والمشكلة بالنسبة لسوريا - وأنا في واشنطن منذ عدة أيام أتحدث مع أصدقائنا هنا حول الشرق الأوسط - المشكلة أنه لا يملك أحد إجابة شافية حول سوريا ، وهذا أكثر ما يقلق، لأننا لا ندري ماذا نفعل فالوضع مختلف عن العراق وليبيا، وهناك العديد من المجتمعات الفرعية في سوريا، ما يعني أن الأمور إذا ما تطورت الى مستوى جديد افتراضا، كما ألمحتِ، فإنه لن يستطيع أحد أن يتوقع ما الذي سيحصل وأعتقد أن هذا مصدر قلق للجميع.

بي. بي. اس.: لقد عرفت بشار الأسد منذ فترة طويلة، وكلاكما في نفس العمر تقريبا، وتوليتما السلطة في الوقت نفسه، وكل منكما خلف حاكما قويا في بلده، وقد قيل لي أنك فعلا أبلغت إدارة أوباما أنك تعتقد أن هذا الزعيم الشاب ذو عقلية إصلاحية بحيث يستطيعون التعاون معه، ما الذي حدث؟ وأين وقع الخلل؟ ما الخطأ الذي ارتكبه؟

جلالة الملك: أنا اعرف الرئيس بشار جيداً وأعرف زوجته وأولاده، وتعرفه عائلتي كذلك وأعتقد أنه يؤمن بالإصلاح في داخله، ويمتلك رؤية، وما أحاول ان أوضحه للناس دوما هو أن النظام في سوريا لا يسمح بالإصلاح ، لذا وبغض النظر عن وجود النية من عدمها، فإن طبيعة النظام السياسي، لا تسمح بحدوث الإصلاح، لأنهم بمجرد أن يفتحوا الباب، فإن كل شيء سوف ينهار كما أعتقد ، ولذا فأنني أعتقد أنه رهين موقعه، وأسير النظام الذي هو مسؤول عنه.

بي. بي. اس.: هل تلمح إلى أنه قد يرغب في تقديم تنازلات وفتح الباب أمام المشاركة في السلطة، ولكنه لسبب ما ممنوع من القيام بذلك؟

جلالة الملك: لا، ما اقصده، نظرا لخبرتي مع بشار، أنه حاول دائما تنفيذ إصلاحات، ولكن النظام لم يسمح بذلك ، وفي مناخ الربيع العربي الذي شهد صراعات بين النظام والشعب في بعض الأحيان، وسفك دماء مستمر، كما تعلمين، فإنه رهينة النظام ، ولذا فإنه حتى لو حاول، لا اعتقد أنه يستطيع تغيير أسلوب إدارته للأمور ، بعض الناس ينادي باستبدال بشار، وشعوري هو: هل يستطيع من يخلف بشار أن يتواصل مع الناس من خلال حوار وطني كما فعلنا في الأردن، وكما حصل في دول أخرى؟ لا أعتقد أن النظام يسمح بذلك ،لذا فإن المسالة ليست متعلقة كليا بفرد ، هذا ما أحاول ان أوضحه، بل هو النظام الذي لن يسمح بأن يتغير الواقع الحاصل في سوريا في هذا الوقت.

بي. بي. اس.: هل تعتقد أن على مجلس الأمن الدولي أن يفرض عقوبات، ويبدو أنهم بانتظار سماع اقتراح من الجامعة العربية، ما هو موقفك من هذه الناحية؟ هل تشجع فرض العقوبات من قبل مجلس الأمن؟

جلالة الملك: أعتقد أن الحوار يدور حول هذه النقطة ، وأكرر أنه لو نظرنا لما حدث في ليبيا، فقد كان هناك فعل شجاع قامت به الجامعة العربية بالسماح للأمم المتحدة والناتو وآخرين بتعزيز موقفهم ، وعليه فإنه ان كان باستطاعتي توقع ماذا سيحدث في المستقبل القريب، أقول إن العلاقة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة حول طبيعة الخطوة القادمة كما نفهمها من خبراتنا في العام الماضي تقوم على اتخاذ الجامعة العربية موقف موحد ككتلة وتتخذ قرارا، وبالتالي تسهل للمجتمع الدولي التحرك نحو المرحلة التالية.

بي. بي. اس.: أنت بالطبع في منطقة شهدت الكثير من الاضطرابات كما أشرنا، وكانت هناك احتجاجات ومظاهرات في بلدك.

جلالة الملك: هذا صحيح.

بي. بي. اس.: ما مدى شعورك بالإطمئنان؟

جلالة الملك: أنا مطمئن تماما، وأقصد بذلك أن على المرء أن يكون واثقاً مما يحاول أن يحققه ، لقد شهدنا كما قلت مظاهرات منذ أكثر من سنة في الواقع ، وأعتقد أننا الدولة الوحيدة - في المنطقة بالتأكيد - وكذلك بين دول عديدة في العالم لو نظرت حولك، نحن الدولة الوحيدة التي لم يقتل فيها احد برغم كل المظاهرات الذي شهدناها ، وهذا يعكس موقفنا حيال مسار عملية الإصلاح ، وأنا فخور جدا بالأجهزة الأمنية التي قامت بعمل جبار لضمان سلامة المواطنين، واليوم يوجد لدينا خارطة طريق، وسوف نجري إنتخابات بلدية وبرلمانية هذا العام ، هناك الكثير من المطالب من قبل المعارضة لتغيير الطريق التي ندير بها الأمور في الأردن، أرادوا تغيير الدستور، وبالفعل تمت المصادقة على تعديلات شملت ثلث الدستور ، واهم أمرين هما- المحكمة الدستورية، وأما بالنسبة للعملية الانتخابية والعملية الديمقراطية القائمة على الأحزاب السياسية، فيوجد هناك الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، والتي ستضمن عدم تدخل الحكومة في إدارة الانتخابات.

بي. بي. اس.: هناك بعض النشطاء وبعض المعارضين يقولون مع ذلك أن القوات الأمنية استمرت في استخدام أساليب وحشية ضد المحتجين والمتظاهرين وأحزاب المعارضة.

جلالة الملك: حسنا، أعتقد أن بعض أفراد المعارضة سوف يستمرون في هذا الكلام، ولن يرضون مهما فعلنا ، لكن الدليل الحاسم هو أنه لم يمت أحد خلال عام من المظاهرات، وفي الحقيقة لو اطلعت على عدد الناس الذين دخلوا المستشفيات، فإن النسبة الكبرى كانت من رجال الشرطة الذين انتهى بهم المطاف جرحى، حيث طعن بعضهم بوحشية بالسيوف والسكاكين في حادثتين فظيعتين شهدتا صراعاً بين الجموع، وقد تعرض رجال الشرطة لتلك الإصابات لأنهم حاولوا حماية المدنيين، ولذا فأنني معجب بما استطاعت قوات الشرطة ان تفعله، برغم الانطباع المعاكس الذي حاول البعض أن يروجه عن الأردن.

بي. بي. اس.: وأخيرا، لقد أطلقت مساعي لجعل الإسرائيليين والفلسطينيين يتحدثون على الأقل عن موضوع المفاوضات فيما بينهم. كيف يتناسب ذلك مع سياق الربيع العربي؟

جلالة الملك: على أصدقائنا في الغرب أن يفهموا أنه مهما حصل في الربيع العربي، ومهما كانت الأحداث التي يمر بها كل بلد، فأن القضية الأساسية في أذهان كل العرب والمسلمين هي قضية الفلسطينيين، ولذا فإن من الخطورة بمكان المناورة في الربيع العربي بدون إبداء أي اهتمام لعملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لقد مر وقت طويل منذ تحدث الاسرائيليون والفلسطينيون مع بعضهم البعض، وسيقع ضرر كبير على كلا الجانبيين إن مر عام 2012 بدون مفاوضات، وبالمحصلة، فإننا نجحنا في الجمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأردن، وتحقيق ما أطلق عليه خطوات متواضعة، لقد كنا نفعل ذلك منذ 60 عاماً، ولا داعي لنعتقد ببساطة أننا سوف نحل القضية فوراً.

بي. بي. اس.: هل استشف من كلامك أنك تعتقد بأن حصول اختراق أمر غير محتمل عام 2012؟

جلالة الملك: الحقيقة الواضحة هي أن كلا الزعيمين، رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس عباس يريدان مخرجاً من حالة الجمود كما أعتقد، وقد لجئا للأردن وأرسلا معاونيهما لمحاولة إعداد العملية بحيث نستطيع أن نجمع الزعيمين معاً، وأعتقد أن علينا أن ننسب للطرفين فضلاً كبيراً، نعلم أن هناك عواقب وندرك أن الطريق الى الأمام شاقة، لكنهم على الأقل يتحدثون مع بعضهم البعض.
إن ما سنشهده خلال الأسبوعين المقبلين سوف يحدد أن كان هناك فرصة كافية ليجلس الزعيمان الإسرائيلي والفلسطيني على الطاولة، إن استطعنا تحقيق ذلك، فإن عام 2012 سوف يكون أكثر أمنا بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين، برغم ما نراه من عدم استقرار في المنطقة.

بي. بي. اس.: أشكرك صاحب الجلالة.

جلالة الملك: شكراً لك.