مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم. بي. سي.)

أجرى المقابلة: 
سعد السيلاوي
For: 
مركز تلفزيون الشرق الأوسط (إم. بي. سي.)
11 تشرين الأول/أكتوبر 2002

إم. بي. سي.: جلالة الملك منذ سنوات وعملية السلام متوقفة وقامت إسرائيل بإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية والوضع في غاية الخطورة، في رأي جلالتكم كيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟

جلالة الملك: أولا لا بد من وقف جميع الأعمال العسكرية، والعودة إلى المفاوضات والمسيرة السلمية من النقطة التي توقفت عندها في السابق وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، ولا بد من أن نكون واقعيين ويدرك الفلسطينيون والإسرائيليون أن أي تسوية لن تعطى لأي طرف من الطرفين 100 بالمئة من مطالبه، والعالم اليوم مقتنع تماما بأنه لا بد من زوال الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، لكن هذه القناعة لا تكفي، ونحن في الأردن في كل تحركاتنا واتصالاتنا بالدول المؤثرة في العالم بما فيها الولايات المتحدة، وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، أكدنا على ضرورة وضع جدول زمني محدد لقيام الدولة الفلسطينية، واعتقد أن العالم بدأ يتفهم وجهة نظرنا ويفكر في موضوع الجدول الزمني، وبالمناسبة؛ بعض الأشقاء العرب وربما بعض الفلسطينيين، غير راضين عن مستوى الدعم العربي للأشقاء الفلسطينيين، وبعض الأشقاء العرب ينتقد التحرك الذي يقوم به الأردن والمملكة العربية السعودية والشقيقة الكبرى مصر، واتصال هذه الدول مع اللجنة الرباعية بهذا الخصوص، ودعنا نكون اكثر وضوحاً وصراحة، لولا مبادرة سمو الأمير عبدالله بن عبد العزيز وجهودنا مع الأشقاء في مصر والسعودية، لما كان هناك حديث عن جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات، ودعنا نسأل ما هو المطلوب منا لدعم الأشقاء الفلسطينيين؟ هل المطلوب أن نجلس ونتحدث عن دعم الأشقاء الفلسطينيين بدون أن نتحرك ونتصل بالعالم كما يفعل غيرنا؟ أم المطلوب أن نقوم بعمل طائش يجر الويلات والمصائب على بلداننا وشعوبنا؟

إم. بي. سي.: جلالة الملك، هناك من يتحدث عن دور أردني في التسوية النهائية للقضية الفلسطينية أو في شكل ومضمون الدولة الفلسطينية، وهنالك من يتحدث عن موضوع الكونفدرالية أو الفدرالية بين الأردن والدولة الفلسطينية.

جلالة الملك: أخي الكريم: أنا قلت اكثر من مرة أن الأردن لن يكون طرفا في تسوية القضية الفلسطينية ما عدا موضوع اللاجئين، ولن أتحدث باسم الفلسطينيين حتى يحصلوا على حقوقهم ويقيموا دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف، ونحن ندعم القيادة الفلسطينية ونحترم ما تتخذ من قرارات، ولا نفكر على الإطلاق بالتدخل بأي شكل من الأشكال في القرار الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية هي وحدها التي تتخذ القرار الفلسطيني وهي الي تتحمل مسؤولية هذا القرار أمام شعبها وأمتها والعالم.

أما عن موضوع العلاقة المستقبلية بين الشعبين الشقيقين، فستكون علاقة تعاون بين الأردن والدولة الفلسطينية المستقلة بعد قيامها، ولا نقبل بالحديث عن حدود هذا التعاون قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. موضوع الكونفدرالية غير وارد في تفكيرنا على الإطلاق لا في الحاضر ولا في المستقبل، والحديث عن هذا الموضوع هو محاولة لزرع الفتنة وإثارة الشكوك بين الشعبين الشقيقين، وهو بنفس الوقت محاولة للتدخل في القرار الفلسطيني والقرار الأردني معا.

إم. بي. سي.: جلالة الملك هل هناك قلق من أن تقوم إسرائيل بموجة تهجير للفلسطينيين باتجاه الأردن؟ وما هو موقف الأردن في مثل هذه الحالة؟

جلالة الملك: نحن نعرف أن الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية تدرك خطورة مثل هذا الموضوع، والشعب الفلسطيني أوعى واكثر قوة وصمودا على أرضه من أي ظروف يمكن أن تفرضها إسرائيل عليه، ونحن في الأردن ندرك حجم المعاناة والظروف الصعبة التي يعيشها الأشقاء تحت الاحتلال، ومن واجبنا دعم صمودهم وثباتهم على أرضهم ولذلك؛ نحن في كل تحركاتنا واتصالاتنا بالعالم نؤكد على ضرورة تقديم الدعم والمساعدات المادية للأشقاء الفلسطينيين التي ترفع من مستوى حياة الإنسان الفلسطيني وتحسين ظروفه المعيشية، وبالتالي تعزيز صموده على أرضه، وفي النهاية ستكون حدودنا منيعة في وجه أي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين أو طردهم من أرضهم.

إم. بي. سي.: جلالة الملك بماذا تنصحون القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية؟ وما هو الموقف والاستعداد الأردني لهكذا حالة؟

جلالة الملك: الموضوع ليس موضوع نصيحة، فالقيادة الفلسطينية أدرى بمصلحة الشعب الفلسطيني، وليس من حق أي جهة أن تدعي أنها احرص على مصلحة الشعب الفلسطيني من الشعب الفلسطيني نفسه، والقيادة الفلسطينية هي التي تتخذ القرار الفلسطيني، ونحن سندعم أي قرار تتخذه هذه القيادة بكل ما نستطيع، واعتقد أن أي إصلاحات تقوم بها السلطة الفلسطينية ستزيد من تعاطف العالم ودعمه لقيام الدولة الفلسطينية.

إم. بي. سي.: لننتقل الآن جلالة الملك إلى موضوع ساخن آخر وهو الموضوع العراقي ... كل المؤشرات تدل على أن الضربة الأميركية للعراق قادمة لا محالة ما هو موقف الأردن من هذا الموضوع؟

جلالة الملك: موقف الأردن واضح ومعروف لدى الجميع وقد شرحنا هذا الموقف للإدارة الأميركية بكل صراحة ووضوح، ونحن نرى أن تسوية الموضوع العراقي يجب أن تتم من خلال الحوار مع الأمم المتحدة أو الأطراف المعنية مباشرة بهذا الموضوع وبدون استعمال القوة أو التهديد باستعمالها، ونحن نرى أيضا أن القيام بعمل عسكري أو حرب جديدة في المنطقة ستكون لها آثار مدمرة على شعوب المنطقة بأسرها.

إم. بي. سي.: جلالة الملك هذا موقف واضح وتحذير ربما يزيد من القلق على المستقبل، لكن السؤال هل سيسمح الأردن باستعمال أراضيه منطلقا للقوات الأميركية التي ستضرب العراق؟

جلالة الملك: أخي الكريم، الأردن لم يكن في أي يوم من الأيام ولن يكون منطلقا أو قاعدة لأي قوات تحاول أن تضرب أي قطر عربي، والإدارة الأميركية تعرف موقفنا هذا بوضوح.

إم. بي. سي.: جلالة الملك نبقى في الشأن العراقي، بصراحة جلالة الملك فقد تحدثت بعض وسائل الإعلام بوضوح وبعد حضور الأمير الحسن مؤتمر المعارضة العراقية عن عودة الحكم الملكي إلى العراق وعن دور مستقبلي للهاشميين في العراق؟

جلالة الملك: أولا الشعب العراقي وحده هو صاحب الحق في اختيار القيادة العراقية، واعتقد أن المنطق السائد في عالمنا اليوم يرفض أن تقوم أي جهة بفرض قيادة على أي شعب من الشعوب، وقيادة أي شعب لا بد أن تكون من أبناء الشعب نفسه، والأردن لا يفكر بالقيام بأي دور في العراق الشقيق لا من قريب ولا من بعيد، ونحن نلتزم دائما بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد شقيق أو جار أو صديق، وبالمقابل نطالب الآخرين بمعاملتنا بالمثل.أما إذا كنت تتحدث عن الأسرة الهاشمية فأنا عميد هذه الأسرة، وأقول بكل وضوح ليس للأسرة الهاشمية أي أطماع في العودة إلى الحكم في العراق، وإذا كان هناك أي فرد ينتسب لهذه الأسرة ويفكر باتجاه آخر فهو لا يمثل إلا نفسه.

إم. بي. سي.: من المعروف أن الأردن يعتمد 100 بالمئة على النفط العراقي الذي يباع للأردن بأسعار تفضيلية، ما هو البديل برأي جلالتكم في حال انقطاع هذا المصدر؟

جلالة الملك: في حرب الخليج الثانية 1991 لم يتوقف وصول النفط العراقي إلى الأردن بالرغم من كل الظروف التي رافقت تلك الحرب، وكان هناك ترتيب دولي لهذا الموضوع، وفي حال حدوث عمل عسكري يؤدي إلى توقف وصول النفط العراقي إلى الأردن لا بد من وجود ترتيب دولي جديد يضمن توفير هذه المادة للأردن، وبالمناسبة النفط سلعة متوفرة في كل الأسواق ويمكن أن تشتريها من أي مكان.

إم. بي. سي.: إذن الأردن سيذهب للسوق العالمية أو العربية في حال انقطاع النفط، كما تعلمون جلالتكم النفط ليس المشكلة الوحيدة، فهناك قضية اللاجئين العراقيين، ما هي استعدادات الأردن لاستقبال لاجئين عراقيين في حال نشوب الحرب؟

جلالة الملك: الأردن لن يستقبل أي لاجئين لا عراقيين ولا غيرهم، ولن نسمح بوجود أي مخيمات لأي مهاجرين من العراق سواء كانوا عراقيين أو من جنسيات أخرى على الأراضي الأردنية، أما إذا كنت تتحدث عن عبور مهاجرين إلى أوطانهم من خلال الأردن فلا بد أن تكون مخيمات هؤلاء المسافرين داخل الأراضي العراقية، ولن نسمح لهم بالتوقف أو البقاء على الأراضي الأردنية.

إم. بي. سي.: جلالة الملك اسمح لي أن انتقل إلى الشان الداخلي، ولعل ابرز ما في الشان الداخلي هو قضية البرلمان والانتخابات النيابية، هل تتوقعون أن تفرز الانتخابات النيابية القادمة مجلسا نيابيا افضل من المجلس السابق، وهل تتوقعون أن يكون المجلس القادم افضل تمثيلا لكافة شرائح المجتمع وأطيافه السياسية؟

جلالة الملك: بالنسبة لي، المهم هو أن هذه الانتخابات ستجري بمنتهى النزاهة والشفافية والسهولة، وأملي كبير بان يبادر كل مواطن ومواطنة إلى ممارسة حقه في الانتخاب، وهذا الحق هو في نفس الوقت واجب وطني يجب على كل مواطن أن يبادر إلى القيام به، وبهذه المناسبة أدعو كل مواطن أردني إلى التفكير بالمصلحة الوطنية العليا عندما يختار أحد المرشحين، وان يفكر في اختيار النائب المعروف بالأمانة والانتماء والكفاءة والعلم والمعرفة؛ النائب القادر على استيعاب برامجنا للتنمية الشاملة واستكمال بناء الدولة العصرية، وباختصار شديد يجب أن تكون هذه الانتخابات انتخابات وطنية وباجندة أردنية وتحت شعار "الأردن أولا".

إم. بي. سي.: جلالة الملك الحركة الحزبية بهذا الكم من الأحزاب ذكرني بمقولة شهيرة لجلالة الرحل الكبير والدكم الحسين بن طلال رحمه الله حين قال عن كثرة الأحزاب في الأردن (الزحام يعيق الحركة) ماذا عن الحركة الحزبية في الأردن؟ ودورها في المسيرة الديمقراطية؟

جلالة الملك: عندنا في الأردن عدد كبير من الأحزاب، وكنت أتمنى لو أن هذه الأحزاب توحدت في حزبين أو ثلاثة رئيسية مثلا، يمين ويسار ووسط حتى تكون شخصية كل حزب وبرامجه وأهدافه واضحة ومعروفة للجميع، والاهم من هذا كله أن أي حزب على الأرض الأردنية يجب أن تكون برامجه وأهدافه أردنية، وان تكون مرجعيته الأردن أولا، أما أن تكون هناك أحزاب لها مرجعية غير أردنية أو تأخذ توجيهاتها وتمويلها من خارج الأردن، فهذا غير مقبول على الإطلاق، واسمح لي أعطيك مثالا: الحزب الشيوعي في الأردن فرع من الحزب الشيوعي في كثير من بلدان العالم، حزب البعث في الأردن فرع من حزب البعث في العراق أو في سوريا، حزب جبهة العمل الاسلامي لديه ارتباطات بأحزاب إسلامية في بلدان كثيرة في العالم، وللإنصاف كان التيار الإسلامي في الأردن والإخوان المسلمين بالتحديد حريصين على مصلحة الأردن، لكن مع الأسف هناك ارتباطات بين هذا الحزب وأحزاب أخرى خارج الأردن.

المطلوب هو أن تكون لكل حزب برامجه وأهدافه الواضحة للمشاركة في المسيرة الوطنية، وأاهم من ذلك أن يكون هذا الحزب أردنيا في برامجه وأهدافه وانتمائه وتمويله، وان يكون هدف هذه الأحزاب وعقيدتها الأردن أولا. وباختصار نحن في الأردن حريصون على الوفاء بالتزاماتنا نحو امتنا العربية وقضاياها العادلة، ولكن ليس على حساب المصلحة الأردنية، وواجبي كمسؤول وقائد هو الحفاظ على مصالح شعبي وبلدي وتوفير الحياة الكريمة لكل مواطن أردني قبل أي شيء، والجميع يعرف أن الأردن كان طيلة العقود الماضية يقدم المصالح العربية على المصالح الوطنية، واعتقد انه من حقنا في الأردن أن نفكر بمصالحنا الوطنية ومصالح شعبنا أولا، تماما كما يفعل أشقاؤنا وكما تفعل كل دول العالم وبهذا المعنى أيضا نقول "الأردن أولا".

إم. بي. سي.: اسمح لي جلالة الملك بسؤالي الأخير، وهو ما يتعرض له الأردن بين فترة وأخرى من حملات إعلامية للتشكيك بمواقفه أو تشويه صورته، برأي جلالتكم، لماذا هذه الحملات ولماذا هذا الاستهداف للأردن؟

جلالة الملك: بالمناسبة ليس الأردن وحده الذي يتعرض لمثل هذه الحملات المريبة، فالشقيقة الكبرى مصر بالرغم من كل مواقفها المشرفة وتضحياتها الجسام تعرضت لهذه الحملات، والمملكة العربية السعودية بكل مواقفها العربية والإسلامية العظيمة تعرضت لهذه الحملات، والغريب أن هذه الحملات على هذه البلدان الثلاثة تأتي من مكان واحد، ونحن نعرف من يقف وراءها وأهدافها وغاياتها وهي لا تستحق أن نتوقف عندها أو نعيرها أي اهتمام فالشجرة المثمرة هي التي يرميها الناس بالحجارة.