مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع مجلة جوردان بزنس
تمكّن صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني من توجيه مسيرة الأردن، منذ عام 1999، بنجاح ليَبْلُغ برَّ الأمان ويَنْعم بنمو اقتصادي غير عادي، بالرغم من النتائج التي خلّفها عدم الاستقرار الإقليمي. لذلك، يظل الاعتدال والأمن، والاستقرار المعالمُ الرئيسية التي تميّز الأردن.
جوردان بزنس :صاحب الجلالة، بالرغم من القلق والغموض اللذين يلفّان العراق، ازدادت وتيرة النمو في الأردن بصورة ملحوظة في المدة 2004-2006. إلى أي مدى يمكن ردّ هذا النمو إلى عوامل خارجية؟ ما هي السياسات التي يجري اتّباعها لضمان النمو المستدام بعد أن يتلاشى تأثير هذه العوامل؟
جلالة الملك: صحيحٌ أن اقتصاداً مثل اقتصاد الأردن، وهو البلد الصغير ذو الموقع الاستراتيجي كما هو واقعه، يمكن أن يتأثر بالصدمات والاضطرابات الخارجية في محيطه. ومع ذلك، فإن الجهود على مدى السنوات القليلة الأخيرة تركّزت على ضمان أن يكون الاقتصاد الأردني مُقاوماً إلى أقصى درجة ممكنة لمثل هذه التأثيرات الخارجية. ومن خلال التركيز على التعليم والتدريب، إضافة إلى تعزيز الكفاءة، فإن الإنتاجية المستندة إلى العوامل المختلفة شهدت زيادة في النمو بلغت ما يقارب ثلاثة أضعاف في السنوات الخمس الأخيرة. وقد أجّج شعلة هذا النموّ بصورة رئيسية الإسهام المتنامي لنشاط القطاع الخاص في نموّ الاقتصاد. فإتاحة المجال للقطاع الخاص لامتلاك حصة في قطاعات مثل الاتصالات والطاقة والمياه، أثبتت أنها عامل رئيسي في تحقيق نسب نمو أعلى وأكثر استدامة. ففي التسعينيات من القرن الماضي، كنا نعتمد بصورة حصرية تقريباً على أسواق التصدير الإقليمية. أما اليوم، وبفضل عدد من اتفاقيات التجارة الثنائية والمتعددة الأطراف التي عقدناها، فإننا نتمتع بقاعدة تصدير أوسع وأكثر تنوّعاً، وبسوق عالمي أكبر يشمل الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وعدداً من البلدان في آسيا والشرق الأقصى.
جوردان بزنس :إن مستويات المعيشة، إذا ما قيست بالناتج المحلي الإجمالي للفرد [باستعمال أسعار السوق الحالية] ، ارتفعت بنسبة 6،9 ٪ في عام 2006. والتقديرات المحلية تقدّر الرقم بــِ 805،1 دنانير مقارنة بــ 647،1 ديناراً في عام 2005، و 511،1 ديناراً في عام 2004. وهكذا فإن الأردن حَظِي بأداء أفضل في المدة 2004 - 2006. هل أنت راضٍ عن الكيفية التي توزّعت بها مزاياً النمو الناتج عن التعديل الهيكلي، حتى الآن؟
جلالة الملك: ما تحقّق حتى الآن إيجابي، وهو، في رأيي، قد تأخّر كثيراً. وقد جاء نتيجة للسياسات المالية والنقدية السليمة، وتوجّه القطاع الخاص نحو النموّ. وستجرى إدامته من خلال الجهود التي تُبْذل لضمان القدرة التنافسية للاقتصاد الأردني، استناداً إلى المزايا التي نمتلكها فيما يتصل برأس المال البشري وقدرتنا على الارتقاء بقطاعاتنا التنافسية لجذب الاستثمارات الإنتاجية، وخلق فرص توظيف مستدامة للأردنيين. ويبقى هناك الكثير الذي لا بدَّ من إنجازه. فهناك، بصورة محدّدة حاجة مُلحّة للتركيز بدرجة أكبر على إيجاد الوظائف، وخاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأعداد المتزايدة من المُنضمين الجدد إلى القوى العاملة. والأجندة الوطنية توفّر بعض الإرشادات الهادية حول كيفية التعامل مع هذا التحدّي على مدى السنوات العشر القادمة. فمن خلال تعزيز الإنتاجية، وضمان مسْتوىً أعلى من دخل الفرد، نسعى للخروج من فئة الدول ذات الدخل المتدني- المتوسط إلى تصنيفات تنموية أعلى. والتحدّي الذي يظلّ قائماً، مع ذلك، هو أن نضمن توزيعاً منصفاً لثمار هذا النمو؛ وفي رأيي، يمكن تحقيق هذا بدرجة كبيرة من خلال نظام ضريبي أكثر كفاءة وأكثر إنصافاً، وأيضاً من خلال استراتيجيّة تنموية أكثر توازناً تضمن إحداث النشاط الاقتصادي وإيجاد الوظائف في جنوب المملكة، وشرقها، وشمالهاـ لا حول المراكز الحَضَرية التي تحيط بعمّان فحسب.
ولهذا فنحن نركّز على تأسيس المراكز الاقتصادية ابتداء من المفرق وإربد، ومن ثمَّ نتجه إلى الجنوب. إن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة توفّر مثالاً ناجحاً فيما يتّصل بهذا الأمر. والخبرات العالمية تُبين أن الاقتصادات التي تخضع لانتقالات سريعة، مثل اقتصادنا، تحتاج إلى أن توّفر شبكات أمان. وغرض هذا ضمان التدخل لتقديم المساعدة المباشرة من قبل الحكومة للأقل حظّاً، وللعاطلين عن العمل. فتوفير الحاجات الأساسية الضرورية في مجالي الصحة والتعليم لهذه الجماعات أولوية رئيسية، وسنضمن وجود مخصصات كافية في موازنة الحكومة لتأمين هذه الخدمات الاجتماعية الأساسية في أرجاء المملكة.
جوردان بزنس :إن المساعدات الخارجية للأردن تبدو في حالة تراجع. إلى أيّ مدى سيؤثر هذا التناقص على موازنة الحكومة والاقتصاد الأردني بصورة أوسع؟ ما هي السياسات الإجرائية التي توضع موضع التنفيذ للتصدّي لهذه التأثيرات؟
جلالة الملك: لم نقصد يوماً أن نصبح دولةً تعتمد على المساعدات. وهدفنا هو أن نستمر في أن نطوّر، باندفاع، القدرة التنافسية لاقتصادنا، لضمان المزيد من النمو السريع، ولخَفْض اعتماد الاقتصاد على المنح الخارجية، وبهذا نساعد أنفسنا على الخروج من الاعتماد على المعونات إلى النمو الذي تقود مسيرته التجارة. لقد نمت موازنة الحكومة في السنوات القليلة الماضية بالرغم من تناقص المساعدات. ويمكن أن يُعْزى هذا إلى نسب النمو الصاعدة لدينا، والنشاط الاقتصادي المتزايد، والكفاءة المُعَزَّزة في داخل الحكومة نفسها. وهذا في الواقع شهادة على قوة أساسياتنا الاقتصادية. فقد أعاد اقتصادنا انطلاقته بحيوية وقوة، وحوّلنا التحدّيات إلى فرص، بحيث بلغت ذروتها في نشاط اقتصادي مُعَزَّز بصورة عامة، وتحسّنٍ ملحوظ في ربحية الشركات بصورة خاصة. والأمثلة على هذا كثيرة، بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية، والشركات الصناعية، والمؤسسات العاملة في السياحة، ومنشآت الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
ومع ذلك، وفي الوقت الذي نحاول فيه إدامة مستويات النمو الاقتصادي لدينا، وضمان أن يوفّر اقتصادنا العدد اللازم من فرص التوظيف لشبابنا، فإننا سنواصل الاعتماد على شركائنا العالميين لمساعدتنا في هذا المجهود. إن مثل هذه المساعدات مطلوبةٌ لا في صورة منحٍ وقروض مُيّسرة فحسب، ولكن أيضاً من خلال تعاملٍ أفضل مع : الديون، وإمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية، ونقل التكنولوجيا. وهذا هو ما تحاول مجموعة الدول الإحدى عشرة الدعوة إليه. فجميع أعضاء مجموعة الدول الإحدى عشرة حققوا نتائج إيجابية من خلال إجراءات إصلاحية مستدامة، ومؤلمة أحياناً، استطاعت حتى الآن تأمين نسب أدنى للديْن الخارجي، وإدارة مالية أفضل، ونسب أعلى للنمو الاقتصادي. ومع ذلك، ما زلنا نتطلع إلى شراكة ومساعدة شركائنا في الدول الصناعية الثماني، بصورة خاصة، لإدامة هذه الإنجازات، ولكي نخرج من هذه المرحلة إلى مرحلة تنموية أعلى.
جوردان بزنس :كان الأردن طرفاً في العديد من الاتفاقيات التجارية التفضيلية مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ أواخر التسعينيّات من القرن الماضي، بما في ذلك اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة في عام 1997، واتفاقية التجارة الحرّة بين الولايات المتحدة الأمريكية والأردن عام 2001. وقد نهجت الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة لاحقة على اتخاذ ترتيبات مشابهة مع دول عربية أخرى في السنوات القليلة الأخيرة. كيف تسهم اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة واتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والأردن، في التنمية في الأردن، وكيف تكيّفت منشآت الأعمال الأردنية لتسخير مزايا هذه الاتفاقيات والاستفادة منها؟ وفي رأيكم، هل ستؤدي متابعة العمل بترتيبات مشابهة مع دول عربية أخرى، مثل مصر، إلى الإضرار بحصة الأردن في سوق الولايات المتحدة الأمريكية؟
جلالة الملك: إن المناطق الصناعية المؤهلة استقطبت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يزيد على بليون دولار، ووفرت أكثر من 000،16 فرصة عمل للأردنيين، وقامت بدور رئيسي في تطوير المناطق الريفية وتمكين النساء. وقد عملت اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، معاً، على زيادة الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من 18 مليون دولار عام 1998 إلى 4،1 بليون دولار عام 2006. وكانت هناك فوائد ومزايا جانبية أخرى أيضاً. فالعمل مع الشركات التي تتعدى أعمالها الحدود الوطنية ساعد الشركات الأردنية على تعزيز مهاراتها، الفنية، والإدارية، والتسويقية، وأسهم أيضاً بصورة أوسع في رفع سوّية النقل، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية في الأردن. كما تم أيضاً تأسيس شركات جديدة لتوفير الخدمات المساندة لمصانع النسيج والألبسة في المناطق الصناعية المؤهلة. وهذه تشمل التطريز، والطباعة، والتوضيب، والتغليف؛ والطعام، والإقامة للعمال؛ إضافة إلى الشركات اللوجستية التي تنقل البضائع من المناطق المؤهلة وإليها. وسياستنا تجاه المناطق الصناعية المؤهلة هي حماية المكاسب التي تمَّ تحقيقها فعلاً، فيما يتصل بخلق الوظائف وتعزيز النوعية، في الوقت الذي نهدف فيه أيضاً إلى زيادة القيمة الإضافية للمنتجات التي تُصنّع في المناطق الصناعية المؤهلة، عاملين على تحسين الارتباطات والإدماج مع سائر جوانب الاقتصاد، ومعمّمين المزايا التكنولوجية التي استخلصناها من هذه المناطق المؤهلة. وزيادة القيمة المضافة المحلية ستعمل على زيادة الإنتاجية والأجور، وتُحدْث تأثيراً إيجابياً أكبر على البلاد. إن المدّ المرتفع يجعل جميع القوارب تطفو، ولهذا فإننا نشجّع وندعم جميع الدول العربية لعقد اتفاقيات تجارة حُرْة مع الولايات المتحدة الأمريكية في أقرب فرصة ممكنة. وهذا سيساعد الدول العربية الموقّعة على مثل هذه الاتفاقيات على تشكيل كتلة تجارية متماسكة عند التعامل مع الشركاء الآخرين من خارج المنطقة. وللسبب ذاته، فإننا ندعم عقد اتفاقية التجارة الحرّة للشرق الأوسط بين جميع الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2013.
جوردان بزنس :حقق الأردن تقدّماً ملحوظاً في تحرير التجارة، والخصخصة، والإصلاح التنظيمي، على مدى الأشهر الثمانية عشرة الماضية، وكوفئ من ثمَّ بالنمو المتواصل في الناتج المحلّي الإجمالي، وبالمستويات المتزايدة في الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، فإن الأرقام الرسمية للبطالة خلال السنوات الخمس الماضية تراوحت حول نسبة تقدّر بحوالي 14٪، وكانت نسبة العاطلين عن العمل في الفئة العمرية 20 إلى 24 عاماً هي الأعلى كثيراً. ما هي مصادر مشكلات البطالة في المملكة، وما هي السياسات التي يتمّ تنفيذها للتصدّي لهذه المشكلة، وخاصة بين الأردنيين الأصغر سناً؟
جلالة الملك: إن تحدّياً جديداً صاحَبَ النمو الاقتصادي في الأردن والتقدّم الذي تحقق في هذا المجال. فمهارات سوق العمل ومُخْرجات النظام التعليمي لم يتقدّما بنفس سرعة ديناميكيات النموّ وتنوّع الاستثمار، مما أدّى إلى إحداث فجوة بين المهارات والمؤهلات ومتطلبات سوق العمل في الأردن. وكما ذكرت من قبل، فإن جَسْر هذه الهوّة يشكّل أولوية رئيسية لنا، ونحن في خضم القيام بإصلاحات شاملة في النظام التعليمي، مركّزين على التدريب الفنّي والمهني بحيث تتواءم المُخرجات التعليمية مع متطلبات السوق.
وبالرغم من الكثرة البارزة سكّانياً للشباب، فإن نسب البطالة ظلّت ثابتة، وإن كانت نسبتها الحالية، وهي 14٪، عالية. والاقتصاد يولّد وظائف جديدة مُعادِلة على الأقل لعدد المنضمّين الجدُد إلى سوق العمل. وخلال الفترة القادمة، سنضع موضع التنفيذ توصيات الأجندة الوطنية فيما يتصل بهذا الأمر، وسنعمل على التأكد من أن منشآت الأعمال، والحكومة، والهيئات الأكاديمية، تعمل جميعها بتناغم للمساعدة في المواءمة بين المهارات والمتطلبات. وسنواصل السعي لتحقيق فرص التوظيف لكل أردني يسعى للحصول عليها. هذا هو التحدّي الذي سيحدّد مسارنا في المستقبل.
جوردان بزنس :إذا ما نظرنا إلى حدود الأردن الغربية، نرى أن الوعَدْ الاقتصادي للسلام الذي عُقدت معاهدته في منتصف التسعينيات من القرن الماضي لم يُؤْتِ أُكُلَهُ بصورة تامة. ومع انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في أواخر هذا الشهر على شواطئ البحر الميت، الذي يُعدّ مَقْصداً سياحياً فريداً بمستوى عالمي، ما بين الأردن، وفلسطين، وإسرائيل، ما هي رؤيتكم للتعاون الثلاثي الذي لا بدَّ منه لتطوير هذا المجال ومجالات الأعمال الواعدة الأخرى مع جيران الأردن إلى الغرب؟
جلالة الملك: يكفي أن أقول إنني مسرور جداً بالترحيب بعودة المنتدى الاقتصادي العالمي إلى الأردن هذا العام. فالمنتدى يوفّر منبراً فريداً ليُبْرز الخبرة والإبداع الأردنيين والعربيين، وليساعد مجتمع الأعمال العربي على إقامة الشبكات والشراكات العالمية. ونتوقع أن نشهد توقيع عدد من الاتفاقيات الرئيسية في مجالات الكهرباء، والمياه، والسياحة خلال منتدى هذا العام، الذي آمل أيضاً أن يكون مفيداً لتطوير اقتصادنا.
وسيأتي عقد المنتدى بعد اجتماع سيعقد في موقع تاريخي مهم آخر في الأردن. إذ سيجتمع في مؤتمر البتراء الثالث للحائزين على جائزة نوبل أكثر من أربعين من الحائزين على جائزة نوبل، والعديد من الشخصيات العالمية العامة. وهذا العام، دُعي شباب من مُختلف أرجاء المنطقة للاشتراك مع هذه العقول الرائدة الخلاقة في نقاش للقضايا التي تهمّ هؤلاء الشباب.
كما ستكون هناك جلسات تتناول مسألة التعاون الإقليمي من خلال السلام. وبهذا الخصوص، قمنا بالتنسيق بصورة وثيقة مع الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل تأسيس" ممر السلام لوادي الأردن"، وهي مبادرة تدعمها اليابان. وهذه المبادرة تتطلع إلى قيام التعاون في التنمية الصناعية والزراعية في وادي الأردن، وهو أمر نأمل أن تكون له فوائد عديدة للمجتمعات المحلية في تلك المنطقة، إضافة إلى كل اقتصاد على المستوى الوطني. إن المشروعات الثلاثية تشمل القناة التي تربط ما بين البحرين الأحمر والميت، التي هي جزء من جهد شامل للترويج للمخرجات الاقتصادية المفيدة على المدى البعيد. وبصرف النظر عن أي شيء آخر، فإن قناة البحرين: الأحمر والميت ستعمل على زيادة إمكانية الوصول لدى جميع الأطراف المعنيّة للمياه، وستكون أيضاً مصدراً مهما للطاقة الكهربائية. كما أن القطاع السياحي سيستفيد من قناة البحرين: الأحمر والميت، من خلال المساعدة التي ستقدمها هذه القناة في إعادة تنشيط البحر الميت ليرتفع إلى مستوياته السابقة.
ولأكن واضحا في هذا الخصوص، إن الازدهار الاقتصادي لنا جميعاً سيكون منقوصاً دون تحقيق سلام إقليمي. فمنطقتنا بحاجة إلى السلام، وآمل أن تتبين جميع الأطراف، وشركاءنا الإسرائيليين بصورة خاصة، الفرصةَ الماثلة أمامنا الآن. فمبادرة السلام العربية يمكن أن تخطو بالمنطقة خطوةً هائلة تقرّبها إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
جوردان بزنس :إن منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة أظهرت إبداعات بارزة رائعة في التصميم المؤسسي، والحكومة الإلكترونية، والجمارك، وإجراءات التوظيف البيروقراطي، جاءت جميعها متزامنة مع مستويات لم تُسْبق من قبل للاستثمار الأجنبي، وجمع الضرائب، والنمو في الناتج الإقليمي المحلي. هل هناك نيّة لتطبيق إبداعات منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة على الحكومة المركزية الأردنية بصورة أوسع؟
جلالة الملك: إن المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة أُسّست عام 2000 لتشجيع خلق وتبنّي أفضل الممارسات في مختلف مناحي الاقتصاد. ونموذج الحاكمية هذا، وهو إيجاد منطقة تنموية خاصة لخلق مُحرّك اقتصادي للنمو، قُصِد به أن يكون حالةً تجريبية يجري نقلها وتطبيقها مع مرور الزمن على مستوى الوطن. وقد تمّ تبنّي أنموذج غير مركزي للحاكمية في العقبة. وقد بُني على مزايا العقبة التنافسية، وخاصة السياحة والخدمات اللوجستية. وعندما جُمِعَ هذا مع حوافز عالمية المستوى، وسلطة تنظيم مُوحّدة لا يحتاج صاحب العلاقة إلى مراجعة غيرها (وهي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة)، وآلية تنمية مركزية (مؤسسة العقبة للتنمية)، أوجد بيئة جاذبة للاستثمار ووفر فرص العمل. وكما ذكرت سابقاً فإن نجاح العقبة شجّعنا على نقل هذا الأنموذج، أو بعض العناصر الرئيسية فيه، في مواقع أخرى في الأردن، وتطبيقه. وإحدى المبادرات التي تبنيناها قبل فترة وجيزة كانت تقوية الدور الاقتصادي والتنموي للمحافظين في مُختلف المحافظات. كما أطلقنا منطقة المفرق التنموية الخاصة، ومؤخرا منطقة اربد الاقتصادية التنموية. أما تحويل المناطق الأخرى، مثل وادي الأردن ووادي عربة، إلى مناطق اقتصادية خاصة ومناطق تنموية، فهو يخضع حالياً للدراسة. وكل منطقة ستركّز على مزايا تنافسية خاصة فيما يتصل بمجموعات الأعمال التي تستطيع اجتذابها وتطويرها.
وجميع هذه المبادرات تشترك في الأهداف ذاتها: جذب المزيد من الاستثمارات، وحفز التنمية المناطقية في أرجاء البلاد، وخلق المزيد من فرص التوظيف، ورفع مستوى المعيشة لجميع الأردنيين. ويتمّ تبنّي هذه العناصر الناجحة، فعلاً، على المستوى الوطني. ويجري حالياً وضع تخطيط رئيس مفصّل موضع التنفيذ في أرجاء الأردن، يدمج جميع مناحي التنمية (العقارات، والبُنى التحتية، والاستثمار، والجوانب الاجتماعية- الاقتصادية)، على نسق ما جرى في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. وعمّان هي المثل الأبرز والأحدث على هذا. كما أنه يجري النظر في تبنّي تطبيق المبادرتين الناجحتين اللتين أطلقتهما سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، والمتمثلتين في: إيجاد سلطة تنظيم مُوحّدة لا يحتاج صاحب العلاقة إلى مراجعة غيرها وفي الحكومة الإلكترونية، على مستوى الحكومة المركزية.
جوردان بزنس :أخيراً يا صاحب الجلالة، فعلى مدى الثمانية عشر شهراً الماضية عملت على إطلاق مبادرة تنموية جديدة في نطاق المجتمع الدولي وهي مبادرة مجموعة الدول الإحدى عشرة التي تتمثل في شراكة بين الدول التي تواجه تحدّيات تنموية متشابهة. وحيث أنك ستجتمع مع رؤساء الدول من مجموعة الدول الإحدى عشرة ذات الدخل المتدني- المتوسط على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، هل يمكن لك أن تشرح لنا هذه المبادرة، وما هي توقعاتك للنتائج التي ستصدر عن اجتماع القمّة في 19 أيار/ مايو؟
جلالة الملك: إن مبادرة مجموعة الدول الإحدى عشرة تسعى إلى السير قُدُماً بمصالح مجموعة الدول الإحدى عشرة، وهي في معظمها بلدان ذات دخل متدني ومتوسط، وإعطاء هذه المصالح دفعة إلى الأمام في ساحة الاقتصاد، والاستثمار، والتجارة، عالمياً. فدول مجموعة الإحدى عشرة تشترك في التزامها القوي بتسريع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية النابعة من داخل الوطن، إضافة إلى التزامها بالتحديث؛ كما أننا نعمل أيضاً مع شركاء آخرين لتعزيز كفاءة برامجهم المختلفة.
ومع ذلك، ومن أجل الانتقال إلى مستويات دخل أعلى ومواجهة التحدّيات الناتجة عن التقلبات الحادّة المفاجئة في الأسواق العالمية، فإن أعضاء مجموعة الدول الإحدى عشرة بحاجة إلى دعم الدول الصناعية، وبخاصة الدول الصناعية الثماني. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، ومنذ انعقاد آخر اجتماع قمة لمجموعة الدول الإحدى عشرة في نيويورك في أيلول عام 2006، قمنا، باعتبارنا رئيساً لمجموعة الدول الإحدى عشرة، بإجراء محادثات مع حكومات الدول الصناعية الثماني. وقد وجدنا قبولاً كبيراً لديها، وعبّرت عن اهتمامها بمبادرتنا. وقد وجهنا دعوات رسمية لحكومتي ألمانيا واليابان للمشاركة في قمة مجموعة الدول الإحدى عشرة. ونتطلع إلى مشاركتهما في هذه القمة. وفي اجتماع القمة القادم لمجموعة الدول الإحدى عشرة سنسعى إلى أن نتعامل بصوت مُوحّد مع إمكانية مأسسة العلاقة بين مجموعة الدول الإحدى عشرة والدول الصناعية الثماني، وإلى تأسيس شراكة ذات معنى بين المجموعتين.
ومن بين الأشياء الأخرى التي نخطط لمناقشتها، خلال القمة القادمة في البحر الميت، احتمال تعزيز التعاون بين أعضاء مجموعة الدول الإحدى عشرة أنفسهم. وستقدم رئاسة مجموعة الدول الإحدى عشرة سلسلة من التوصيات لتُرْشد هذه العملية في المستقبل القريب. كما سيعمل الأردن على تسريع الخُطى لتحقيق بعض هذه التوصيات.