مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحيفتي العرب اليوم والدستور
الاصلاح، وجدالات الساحة الوطنية حول حاضر ومستقبل الاردن كان موضوع اللقاء الصحفي الشامل الذي اجرته صحيفة العرب اليوم وصحيفة الدستور مع جلالة الملك عبدالله الثاني.
في بداية اللقاء قال جلالة الملك:
تعرفون المشكلة التي حدثت بين النواب وبين الحكومة، انا أرى ان المشكلة اكبر من ذلك، الاصلاح ليس جديدا في الاردن، واعتقد ان 99 بالمائة من المواطنين يحبون البلد ويحبون ان نسير الى الامام فاذا كانت هناك وجهات نظر نحو اليمين او اليسار فالجميع يحب الوطن.
الاجواء التي سادت في الاسابيع الاخيرة بسبب ما نشر في الصحف اشعر انه وبغض النظر عن التجاذب بين النواب والحكومة، فان الحديث عن معسكر على اليمين واخر على اليسار يوحي بان هناك تنافساً وتحديا بين الجهتين وهو الذي يؤثر سلباً على المجتمع الاردني ويثير مخاوف اكثرمن اللازم بين الناس ونحن الاردنيين نحب مصلحة ومستقبل الاردن، وانا اطمئن الجميع بأننا نعمل في الاتجاه الصحيح دون مفاجآت.
وكما اكدت مراراً لا توجد خطة للتوطين لقد بدأنا عملية الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي من اجل توفير الطعام على مائدة كل اردني. والآن توجد الاجندة الوطنية التي يتضمن جزء منها الاصلاح السياسي.
اريد ان اوضح الامور للجميع، نحن جميعاً في نفس الخندق، وتضايقت كثيرا في المدة الاخيرة من سماع تصنيفات بان هناك حرساً قديماً وحرساً جديداً، وان هناك اصلاحيين وغير اصلاحيين. وفي الحقيقة لا يوجد فرق بينهما، نحن نريد مستقبل ابناء الاردن والجميع يطمح الى مستقبل افضل والسؤال كيف نوحد جهودنا كأردنيين.
فاذا كان هناك من لديه وجهة نظر يسارية او يمينية فهذا شيء طبيعي ومن حقه، لكن ان لا تصل الامور الى مرحلة المواجهة . لقد استخدمت في الآونة الاخيرة مصطلحات مثل اصلاحيين وحرس قديم وغير ذلك، اعتقد ان ذلك يرجع الى عدم الوضوح في موضوع الاصلاح المطلوب.
نحن نسعى للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ومتطلبات الحياة الكريمة لكل مواطن، ولكن مع الاسف اهدافنا للاصلاح ترجمت من قبل منظرين على جميع المستويات وكأنها خطة لتفكيك الدولة.
اريد ان اوضح بأن الدستور خط احمر لا يمكن تجاوزه وهو المرجعية الاولى والاخيرة لأية عملية اصلاح، وان الدستور في اطاره العام يعطي من الحريات العامة والتنظيم للدولة الاردنية ما يكفي.
كما ان تعريفنا للاردني هو ذلك الشخص والانسان المخلص لوطنه ومؤمن بالدستور ولن اقبل اي حلول على حساب المواطن الاردني او على حساب الهوية الاردنية.
العرب اليوم: لقد جاء تشكيل لجنة الاقاليم ولجنة الاجندة الوطنية قبل زيارة جلالتكم الاخيرة الى واشنطن، وترافق مع زيارتكم حملة في بعض وسائل الاعلام الامريكية ضد الاردن، الامر الذي اعطى الانطباع بان التغييرات التي حدثت هي بضغط امريكي.
جلالة الملك: الانتقادات للاردن في بعض الصحف الامريكية بدأت من هنا، وترافقت مع ما جرى من سوء فهم للموقف الاردني في قمة الجزائر والعلاقة مع العراق وعدم التنسيق داخل الحكومة السابقة في ذات الوقت الذي كان فيه بعض الاشخاص يديرون حملة في الصحافة الامريكية ضد الاردن.
بعد عودتي من واشنطن تشكلت لدي قناعة بضرورة اجراء التغيير الحكومي بعد ان تراكمت عدة مشاكل ولم يعد بالامكان تأجيل التغيير الوزاري الى حين صدور الاجندة الوطنية كما كنت اخطط لذلك.
اما الحديث عن ضغوط امريكية فهذه مجرد اختلاقات صحفية لا أكثر، وزيارتي الاخيرة الى واشنطن كانت من انجح الزيارات، ومسيرة الاصلاحات في الاردن ينظر اليها على انها نموذج في المنطقة، وعلاقتنا مع امريكا مميزة والدليل حجم المشاركة الامريكية في منتدى البحر الميت خصوصا مشاركة لورا بوش في المنتدى.
العرب اليوم: البعض يقول ان تشكيل الحكومة وعودة بعض الوزراء في الفريق الاقتصادي جاء بضغط من الادارة الامريكية التي اصبحت تتدخل في شؤون دول المنطقة بحجة الاصلاح.
جلالة الملك: كنت ارغب دائما باجراء اصلاحات هيكلية وخصوصا في وزارة المالية، ان اسلوب عمل هذه الوزارة بحاجة الى اصلاح ليست لدينا مخاوف على مواقفنا السياسية، ولكن تكمن المشكلة في المديونية وفاتورة النفط، واذا لم نرتب امورنا المالية بشكل جيد ونحل مشكلة المحروقات فان ذلك سيؤثر على الانجازات الاقتصادية التي حققناها في السنوات الست الماضية. ان وزارة المالية من الوزارات المهمة لذلك فانها بحاجة الى التطوير في عملها، لدي برنامج واضح وأريد من له القدرة على تنفيذه بغض النظر عن الاشخاص.
موقف الاردن سيكون قويا اذا كان اقتصاده قويا لذلك يجب ان يكون لنا علاقات مميزة مع اخواننا في دولة الخليج وجميع الدول العربية، لاننا اذا قمنا بحل المشاكل المالية خلال العامين المقبلين فاننا نستطيع ان نقوي وضعنا الاقتصادي ونجابه تحديات المستقبل، لان التحدي المقبل ليس سياسيا بل اقتصاديا، ونجاحنا اقتصاديا يعني تخفيض معدلات البطالة الى ادنى مستوياتها.
الدستور: فهمنا من حديث جلالتكم مع الاعيان بأن هذه هي نهاية المطاف في النقاش الدائر حول الاصلاح السياسي وبأن الدستور خط احمر وان التركيز على الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي فقط؟
جلالة الملك: من البداية كان تركيزنا على الاصلاح الاقتصادي والسياسي، كنا في السنتين الماضيتين نركز جهودنا على تحقيق اصلاحات اقتصادية ترفع من مستوى معيشة المواطن حتى يفكر جيدا بشكل افضل في الاصلاح السياسي، الآن، نحن جاهزون للاصلاح السياسي.
ولكن هذا لا يعني ان نغير مرتكزات وأسس الدولة، وهناك ايضاً قضايا تتعلق بحماية مصالح المرأة والعمال ورعاية الاطفال تستحق اهتماماً في اطار عملية الاصلاح الشامل.
الدستور: ما الذي عنيته جلالتكم بأن الدستور خط احمر؟
جلالة الملك: ارى ان اي حديث عن تعديل على الدستور الآن هو خط احمر، لان ذلك سيثير مخاوف بين اوساط الاردنيين.
الدستور: لكن ماذا لو تطلبت توصيات لجنة الاجندة الوطنية اجراء بعض التعديلات الاجرائية على الدستور؟
جلالة الملك: انا لا اريد ان افتح باب التعديلات على الدستور ونطمئن الاردنيين بأننا نحمي الدستور. والتنمية السياسية لا تعني تعديل الدستور، وانما تعني تقوية المؤسسات الدستورية، ولا يوجد مبرر لتعديل الدستور في هذه المرحلة، لان التعديلات الشكلية ستفتح الباب امام مطالبات اخرى.
يجب العمل على تطوير التنمية السياسية اولا، وكما قلت في وقت سابق، نسعى لقيام تيارات سياسية عريضة "وسط، يمين، يسار" وان يكون هناك ثلاثة او اربعة احزاب بدلا من 33 حزبا، بعض الاراء تقول انه يجب ان يكون في الحكومة سياسيين، صحيح يجب ان يكون في الحكومة سياسيين، ولكن لا استطيع ان اضع سياسيين في بعض الوزارات مثل الوزارات الفنية التي بحاجة الى اشخاص تكنوقراط.
العرب اليوم: جلالتكم كيف ترون السبل الكفيلة لتخطي المشكلة القائمة بين النواب والحكومة خاصة مع وجود تكتل نيابي كبير يقف في وجه حكومة بدران؟
جلالة الملك: نحن على اتصال مع النواب ونسعى لايجاد حل لهذه القضية، وخلال الايام العشرة القادمة سيتبين لنا اذا كان بالامكان ان تتقدم الحكومة بالثقة ام لا في وقت قريب.
العرب اليوم: هل ستكون الدورة الاستثنائية خلال الشهر الحالي؟
جلالة الملك: إن شاء الله، يمكن ان تكون الدورة الاستثنائية في نهاية الشهر الحالي او بداية الشهر المقبل، وبعدها سنراقب اداء الفريق الاقتصادي الوزاري وسنقيم اداءهم بما هو مطلوب منهم عمله وبعد الشهور الستة المقبلة واذا لم ينفذوا ما هو مطلوب منهم سيتحملون مسؤولية ذلك.
الدستور: بعد انتهاء اعمال لجنة الاقاليم والاجندة الوطنية هناك مخاوف من حل البرلمان.
جلالة الملك: ما اسعى اليه هو ان يكمل مجلس النواب مدته الدستورية ولدينا عام ونصف للانتهاء من اعداد خطة مجالس الاقاليم المنتخبة التي على ضوئها سيتحدد عدد اعضاء مجلس النواب المقبل الذي من المتوقع ان يكون عددهم يتراوح بين 60-80 نائبا.
وسيكون هناك تنسيق بين لجنة الاجندة الوطنية ولجنة الاقاليم، وسنضيف الى اللجنة الاخيرة بعض اعضاء لجنة الاجندة بعد ان تنتهي من انجاز مهمتها، وسندرس موعد الانتخابات القادمة، ولن يكون هناك حل مفاجىء لمجلس النواب، وستكون انتخابات مجالس الاقاليم قبل الانتخابات النيابية المقبلة.
العرب اليوم: على اي اساس ستتم انتخابات مجالس الاقاليم؟
جلالة الملك: هذا الامر يرجع الى لجنة الاقاليم وحاليا يعمل اعضاؤها والصورة لم تتضح حول عدد اعضاء مجالس الاقاليم وعددها الكلي.
ما أود قوله ان البرنامج الاصلاحي الذي نقوم به ونعمل على تنفيذه يسير باتجاهين الاول: اعادة العمل بالتقسيمات الادارية بهدف بناء مجالس اقاليم محلية منتخبة لزيادة وتيرة التنمية الاقتصادية في المحافظات وسيكون دور مجلس النواب سياسيا وتشريعيا ويساعد في تطوير الحياة السياسية.
الشق الثاني هو الاجندة الوطنية التي تقوم باعداد مجموعة من المحاور بهدف تحقيق التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها ضمن معايير ومؤشرات محددة، وستقوم الحكومات بتحقيق هذه الاهداف.
العرب اليوم: هناك تخوفات حقيقية بأن تقسيم الاردن الى ثلاثة اقاليم سيضعف مجلس النواب، وان اصلاح القطاع العام سيؤدي الى اضعاف رئاسة الحكومة فما هو مستقبل المؤسسات التشريعية والتنفيذية في اطار خطة الاصلاح؟
جلالة الملك: هناك تقصير من الطرفين من الحكومة واللجان بتوضيح الصورة لدى الرأي العام، وقد طلبت من لجنة الاجندة الوطنية ان تشرح لوسائل الاعلام طبيعة عملها واهدافها حتى نبدد الشكوك حول اهدافنا الاصلاحية الوطنية والعمل على طمأنة المواطن بان ما تسعى اليه لجنة الاجندة الوطنية ولجنة الاقاليم هو لمصلحة الاردن اولاً واخيراً ولقاءاتنا المقبلة مع الاعيان والنواب ستكون بهدف توضيح اعمال هذه اللجان بشكل واضح للرأي العام.
ان المرجعية الدستورية للحكومة ومجلس النواب محددة في الدستور، ومجالس الاقاليم. تستمد شرعيتها وعملها من موازنة الدولة التي يقرها مجلس النواب، وبالتالي فان دور مجلس النواب سيبقى دورا مركزياً في عملية الرقابة على المصادر المالية.
لدينا استراتيجية وطنية وموازنة لكل اقليم ضمن الشروط المرجعية التي ستضعها لجنة الاجندة، لذلك فان المواطن في تلك الاقاليم سيعرف احتياجات اقليمه ومنطقته بشكل واضح.
الدستور: بالنسبة للموضوع الاقتصادي والذي يشكل تحديا كبيرا للسياسة الاردنية من حيث توفير فرص العمل ومعالجة تضخم الفاتورة النفطية ومعالجة المديونية التي سيكون لها استحقاقات اضافية في عام 2007؟
جلالة الملك: لنا اتصالات وثيقة مع جميع الاصدقاء، ونتطلع جاهدين لمعالجة تلك المشكلات بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، ونعمل بشكل كبير على جلب المساعدات المطلوبة لتحقيق اهدافنا التنموية.
ايضا هناك اتصالات وثيقة مع الدول الصناعية لمعالجة المديونية الاردنية، بعدة وسائل مثل عمليات مبادلة الديون او شرائها.
الدستور: هناك إقبال، كبير من المستثمرين على قطاع الاستثمار في المملكة خاصة قطاع العقارات؟
جلالة الملك: ما شهدناه هو البداية من قدوم المستثمرين امثال مجموعة الحريري ومستثمرين قطريين وكويتيين وبحرينيين وسعوديين كذلك، واعتقد ان عامي 2005 و 2006 سيكونان عامين جيدين جدا بالنسبة لهذا الاستثمار في هذا القطاع.
العرب اليوم: هل هناك مشاريع استثمارية مطروحة في المحافظات كما هو موجود في العاصمة عمان؟
جلالة الملك: هناك مشاريع متعددة في قطاع العقارات بمختلف انحاء المحافظات، حيث توجد مشاريع سياحية كبيرة ومنتجعات في محافظة عجلون واربد وجرش اضافة الى اقامة مشاريع صناعية في معان مثل ميناء بري للحاويات، كذلك مشروع ضخم لتطوير ميناء العقبة وانشاء سكة حديد بين العقبة ومعان، تخدم مختلف الاغراض التنموية في البلاد، وهذه ستوفر آلاف من فرص العمل.
العرب اليوم: هناك تخوف لدى الاردنيين من ارتفاع تكلفة التعليم والتأمين العلاجي ماهي خططكم في ذلك؟
جلالة الملك: لذلك نحن نريد ان نسير قدما في عملية الاصلاح لوزارة المالية لأن جزءاً كبيراً من المساعدات تذهب للتعليم والصحة، ونحن سندرس مع الحكومة كافة الاساليب لتنظيم هذه المساعدات وتعكف الحكومة على دراسة الآلية الكفيلة بتوفير التأمين الصحي الشامل للاردنيين، وان نسبة عالية من خريجي الجامعات لا يجدون عملاً لان تخصصاتهم لاتتواءم مع حاجات السوق الاردني ولهذا فان التركيز سينصب على التخصصات المهنية لان كل المبالغ التي ننفقها تتجه نحو تطوير المناهج والجامعات.
العرب اليوم: هناك انفتاح من دائرة المخابرات على الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني. هل هذا تعبير عن نهج جديد؟
جلالة الملك: نعم هناك انفتاح ايجابي من قبل المخابرات على مؤسسات المجتمع المدني كافة، وانا مرتاح جداً لهذا النهج.