مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع صحف الرأي والدستور والعرب اليوم والغد والجوردن تايمز
سؤال: جلالة الملك، تقوم إسرائيل بهجمة واسعة لتهويد القدس وتغيير هويتها. انطلاقا من الدور التاريخي الهاشمي في حماية المقدسات والحفاظ على عروبة المدينة، هل هناك خطوات سيقوم بها الأردن مع الدول العربية وعلى الساحة الدولية للتصدي لهذا الخطر، خاصة وأن جلالتكم أكدتم في أكثر من مناسبة أن القدس خط أحمر؟
جلالة الملك: القدس جزء من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وهي تتعرض، مثل باقي الأراضي الفلسطينية، لإجراءات أحادية إسرائيلية غير شرعية وغير قانونية ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الأزمات والصراع. لقد حذرنا أكثر من مرة، من أن إسرائيل تلعب بالنار، وأن الأردن يرفض ويدين كل المواقف والإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف تغيير معالم القدس وتفريغها من أهلها العرب المسيحيين والمسلمين.
وسنواصل دورنا في حماية الأماكن المقدسة، الإسلامية والمسيحية، فهذه أمانة حملناها أبا عن جد وسنستمر في أدائها بكل إمكانياتنا وقدراتنا.
جهودنا لحماية القدس مستمرة. على الأرض، نفعل كل ما باستطاعتنا لتمكين الأشقاء المقدسيين وتثبيتهم على أرضهم، وتزويد القائمين على خدمة الأماكن المقدسة بكل ما يحتاجونه. وإسرائيل تعرف موقفنا من القدس جيدا: القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة التي يجب أن تقوم وبأسرع وقت ممكن لأن ذلك هو السبيل الوحيد لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتحقيق السلام.
وقد حذرت في كل الاجتماعات التي تمت مع المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين والمسؤولين الدوليين من أن الاستمرار في الاعتداء على القدس وعلى مقدساتها سيشعل المنطقة برمتها. فللقدس خصوصية عند الفلسطينيين والأردنيين وكل العرب والمسلمين. والممارسات الإسرائيلية، كما قلت في مقابلة مع صحيفة إسرائيلية منذ أشهر، تهدد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وهي علاقات باردة كما تعلمون بسبب الممارسات الإسرائيلية التي تحول دون إنصاف الفلسطينيين وتحقيق السلام، وتهدد أيضا بإشعال الشرق الأوسط برمته وتقويض كل جهودنا لتحقيق السلام في المنطقة.
ونحن نعمل مع أشقائنا العرب من أجل بلورة موقف فاعل لحماية القدس، وموضوع القدس هو في مقدمة أولوياتنا في كل اتصالاتنا مع المجتمع الدولي. وكما تلاحظون فهنالك تطور جيد في الموقف الدولي، في الموقف الأوروبي، وموقف الرباعية الدولية، والموقف الأميركي، إزاء الممارسات الإسرائيلية في القدس وفي باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تقولون إن كل ذلك لم يؤدِّ إلى وقف الممارسات الإسرائيلية، وهذا صحيح، وهذه مشكلتنا ومشكلة المجتمع الدولي مع الحكومة الإسرائيلية. ولن نتوقف عن ممارسة كل الضغوط المتاحة لحماية القدس وللوصول للسلام الذي ينصف الفلسطينيين ويعيد كل الحقوق العربية. وفي ما يتعلق بالقدس تحديدا، فكل الخيارات السياسية والقانونية والدبلوماسية مفتوحة للتعامل مع الإجراءات الإسرائيلية المرفوضة ومنع إسرائيل من الوصول إلى غايتها.
سؤال: ما هي نظرة جلالتكم المستقبلية للعملية السلمية في ظل عدم وجود شريك إسرائيلي ملتزم بقرارات الشرعية الدولية، وهل المنطقة فعلاً باتت على شفير دوامة جديدة من الصراع والعنف؟
جلالة الملك: العملية السلمية تقف على مفترق طرق الآن. والناس سئمت من عملية مفتوحة لا تؤدي إلى نتائج. وأعتقد أن العالم جميعه يواجه لحظة الحقيقة: فإما تقدم فعلي وملموس وسريع لحل الصراع على أساس حل الدولتين وفي السياق الإقليمي الشامل الذي توفره مبادرة السلام العربية، وإما الدخول في دوامة جديدة من الصراع والعنف الذي ستدفع ثمنه المنطقة والعالم. لا مجال لإضاعة المزيد من الوقت. العملية السلمية مستمرة في فقدان مصداقيتها، والإجراءات الإسرائيلية الأحادية، خصوصا بناء المستوطنات، تقوض إمكانية قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة. وكما قلت سابقا فإننا نقترب من وضع على الأرض تصنعه إسرائيل لن يكون من الممكن في ظله قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة. وهذا يعني فقدان الأمل وبالتالي حتما تفجر الأوضاع في أي لحظة.
وعلى إسرائيل أن تختار فيما إذا كانت تريد الصراع أو تريد السلام. فإذا كانت حقيقة تريد السلام فعليها أن تثبت ذلك بعمل ملموس من خلال التوقف عن كل الإجراءات التي تحول دون تحقيق السلام والبدء بخطوات عملية لإنهاء الاحتلال والتعامل مع الجهود السلمية بالالتزام والجدية التي توصل إلى حل الدولتين. فالسلام طريقه واضحة وهو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، عبر مفاوضات جادة وفاعلة ومحكومة بجدول زمني محدد وعلى أساس المرجعيات المعتمدة، وإما الاستمرار في العيش قلعة معزولة في جوارها ومرفوضة في منطقة تواجه احتمال الغرق في المزيد من العنف والصراع.
المبادرة العربية توفر فرصة غير مسبوقة لتحقيق السلام الشامل بين إسرائيل وجميع الدول العربية والإسلامية التي تؤيد المبادرة وأكدت التزامها بها أكثر من مرة. جميع الدول العربية ملتزمة بالسلام الذي يعيد الحقوق العربية، ويوفر لإسرائيل الأمن والقبول. العالم كله يجمع على ضرورة تحقيق السلام وعلى أن قيام الدولة الفلسطينية هو أساس التوصل لذلك. لكن المشكلة في إسرائيل. وما يجب أن تعرفه إسرائيل أن أمنها لن يتحقق عبر استمرار الاحتلال وبناء الجدران وعبر الاعتماد على القوة العسكرية. الأمن الحقيقي يتأتى من إنهاء الاحتلال ومن السلام ومن بناء علاقات طبيعية في محيطها ومع جيرانها.
ودعني هنا أقول للشعب الإسرائيلي إن فرصة تحقيق السلام الحقيقي والأمن الحقيقي والعيش بسلام مع جيرانكم متاحة الآن، فاغتنموها من أجل مستقبل آمن لكم ولكل أبناء المنطقة، من خلال إنهاء الاحتلال والتوصل إلى اتفاقية سلام تضمن حصول الفلسطينيين على حقهم في الدولة والاستقلال، وتوفر لكم ضمانات أمنية أقوى من كل الجيوش وكل الجدران. فالوقت ليس في صالح أحد.
علينا أن نقرأ الموقف بدقة. هنالك ضغط دولي متصاعد على الحكومة الإسرائيلية ورافض لمواقفها وسياساتها التي تقوض الجهود السلمية، وما تريده الحكومة الإسرائيلية هي إزالة هذا الضغط عبر استفزاز الفلسطينيين والعرب لاتخاذ قرار بالانسحاب من الجهود السلمية حتى تقول للعالم إن العرب لا يريدون السلام ولا يوجد شريك فلسطيني وعربي في المفاوضات. يجب أن لا نسمح لإسرائيل بتحقيق هدفها، وعلينا التمسك بخيار السلام وفق الأسس والمرجعيات التي تضمن استعادة كل الحقوق العربية، وخصوصا حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
سؤال: لكن جلالة الملك هناك من يقول إن إسرائيل تراهن على الخيار الأردني وعلى قيام الأردن بدور أمني في الضفة الغربية وبالتالي ليست مضطرة لقبول حل الدولتين.
جلالة الملك: هذه أوهام. أكدت مرارا وأعود وأقول الآن لا يوجد شيء اسمه الخيار الأردني. ولا يستطيع أحد أن يفرض مثل هذا الحل، ومن يتحدث بهذه الأوهام يتحدث عن شيء مستحيل حدوثه. الفلسطينيون يريدون دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، والأردنيون يقفون بكل قوتهم خلف هذا الحق الفلسطيني. ونحن نرفض وبشكل مطلق أي دور في الضفة الغربية سوى مساعدة الأشقاء لبناء دولتهم المستقلة. وكما قلت سابقا لن نستبدل الدبابات الإسرائيلية في الضفة بالدبابات الأردنية، ولن نسمح لإسرائيل أن تحل مشكلة احتلالها للضفة الغربية والمعاناة والظلم الذي نتج عنه على حساب الأردن. وهذا أمر غير قابل حتى للنقاش.
ولنتحدث بشيء أكثر من التفصيل هنا. قل لي كيف يمكن لأحد أن يفرض هذا الوهم. أعرف أن هناك أصوات غير منطقية تدعي أنه سيتم فرض ما يسمى بالخيار الأردني عبر ممارسة ضغوط اقتصادية علينا ووقف المساعدات إلى غيره من هذا الكلام. طيب، نتيجة وقف المساعدات سيكون هناك صعوبات اقتصادية، بينما القبول بموضوع ما تسميه الخيار الأردني، وأنا لا أسميه خيارا، لأنه ليس خيارا، سيعني الانتحار للبلد. فهل نتحمل الصعوبات، وإحنا يا ما تحملنا صعوبات وتحديات وتجاوزناها وانتصرنا عليها، أم نقبل انتحار البلد؟ يعني لا أعتقد أن الموضوع يحتاج إلى نقاش.
وأيضا هناك من يقول إن إسرائيل ستهجّر الفلسطينيين إلى الأردن وسوريا ولبنان وتفرض الحل. طيب السؤال كيف ستفعل إسرائيل ذلك؟ هذا سيعني الحرب والدمار للمنطقة كلها. ولنفترض حتى نخلص من النقاش في هذا الموضوع، أنه بمعجزة ما نجحت إسرائيل في ذلك، هل هذا سيحل المشكلة؟ بالطبع لا، فما سيؤدي إليه ذلك هو تعميق الصراع وإدخال المنطقة في دوامة جديدة من العنف والحروب.
لا يوجد أي منطق في هذه الأحاديث، وموقفنا واضح لا يقبل الجدل، ولا داعي إلى إضاعة الوقت والجهد في مناقشة أوهام لن تتحقق أبدا. وعلينا في الأردن أن لا نسمح للبعض الذي يحاول ترويج هذه الأوهام لخدمة مصالحه الضيقة والتي لا علاقة لها بمصالح الأردن، بأن ينجح في مخططاته.
حل الدولتين هو الحل الوحيد، وبديله برأي الكثيرين الآن هو حل الدولة الواحدة، أي حصول الفلسطينيين على حقوق المواطنة وعلى حقوق سياسية كاملة في إسرائيل، وفي تلك الحال على إسرائيل أن تعطي الفلسطينيين الذين سيكونون الأكثرية هذه الحقوق، أو تطبيق نظام الأبارثايد ، التمييز العنصري، والعيش مع كل ما يمثله ذلك وما يحمله من أخطار.
سؤال: هل تعتقدون جلالتكم أن الإدارة الأمريكية اقتربت من فقدان مصداقيتها في القيام بدور مثمر في عملية السلام؟
جلالة الملك: في البداية أنا واثق من التزام الرئيس الأمريكي بارك أوباما بإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين. والرئيس الأميركي أعلن أن حل الصراع هو من الأمن القومي الأميركي. والحقيقة أنه لا يمكن التوصل إلى حل من دون دور أمريكي قيادي وفاعل في المفاوضات. ونحن نتطلع إلى أن تعطي الولايات المتحدة الجهود السلمية اهتماما كافيا من أجل تحقيق التقدم المطلوب، ووفق معايير وخطط وجدول زمني واضح. تعثر المفاوضات يؤثر بالتأكيد على مصداقية الولايات المتحدة، وعلى مصداقية كل الدول التي تتبنى التوصل إلى حل سلمي عبر المفاوضات.
سؤال: التناحر الفلسطيني بين رام الله وغزة ما زال قائماً للأسف. كيف يرى جلالة الملك سبل مساعدة الفلسطينيين للخروج من دوامة الاختلاف والتناحر؟ وفي السياق نفسه، تمثّل الأوضاع في الضفّة الغربية مصلحة أمنية وحيوية أردنية، وثمة مخاوف على الاستقرار السياسي والأمني هناك، تحت وطأة السياسات الإسرائيلية، فإلى أي مدى يمكن للسياسة الأردنية القيام بدور لتعزيز الصمود الفلسطيني والحوار الداخلي بين فتح وحماس والقوى الأخرى؟
جلالة الملك: حالة الانقسام الفلسطيني لا ترضي أحدا، وضحيتها الأولى هي المصالح الوطنية الفلسطينية. ونحن دعونا منذ اليوم الأول لتجاوز الخلافات وتوحيد كل الجهود الفلسطينية لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بالحصول على الحرية والاستقلال وتوفير العيش الكريم لأبناء الشعب الفلسطيني. ونبذل أقصى جهودنا من أجل مساعدة الأشقاء الفلسطينيين بجميع السبل الإنسانية والسياسية. فكل إمكانياتنا تحت تصرف الشعب الفلسطيني من أجل المساعدة على تجاوز محنتهم وإقامة دولتهم وبناء مؤسساتهم القادرة على خدمتهم. الفلسطينيون هم أهلنا ومعاناتهم هي معاناتنا ونريد لأطفالهم وشبابهم المستقبل الخيّر الآمن الذي نريده لأبنائنا وشبابنا.
نأمل أن يتمكن الفلسطينيون من التوصل إلى المصالحة الوطنية قريبا، وسيبقى الأردن كما كان دائما إلى جانبهم. نحن على اتصال دائم مع الرئيس محمود عباس ومع مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وفي تشاور مستمر من أجل تقديم الدعم والعون لهم. ونحن نكرر الدعوة إلى الأشقاء لتحقيق المصالحة والعمل مجتمعين من أجل حقوق شعبهم.
وفي غزة هناك مأساة إنسانية على العالم أن يتحرك من أجل إنهائها، ولا يجوز السكوت عليها. وكما تعلمون فنحن نقوم بكل ما نستطيعه لتقديم الدعم والعون لأهلنا في غزة. وأنا أوعزت للحكومة ولكل الجهات المعنية بتقديم كل العون الذي يحتاجه الأشقاء. المستشفى العسكري الميداني ما يزال يعمل في غزة والمساعدات مستمرة. ونحن نطالب المجتمع الدولي بشكل دائم لرفع الحصار غير الإنساني المفروض على القطاع، وإنهاء المعاناة. ورفع الحصار مسؤولية سياسية وقانونية وأخلاقية وإنسانية على الجميع في المجتمع الدولي.
سؤال: كيف ينظر الأردن للانتخابات العراقية؟ وكيف يمكن وصف تطور العلاقات الأردنية العراقية؟
جلالة الملك: نحن دعمنا دائما العملية السياسية في العراق انطلاقا من إيماننا من أن العملية السياسية التي تشرك جميع مكونات الشعب العراقي فيها وتفتح المجال أمام جميع العراقيين للمساهمة في بناء وطنهم وضمان أمنه واستقراره على أسس المواطنة والمساواة هي أفضل سبيل لتجاوز محنة الشعب العراقي.
نأمل أن تكون الانتخابات خطوة على هذا الطريق، وقد دعمنا الانتخابات من خلال توفير أفضل الظروف لتمكين ضيوفنا من أشقائنا العراقيين للإدلاء بأصواتهم في الأردن. واستقرار العراق وأمنه عامل رئيسي لأمن واستقرار المنطقة. والصحيح أننا كعرب قصرنا في حق العراق، ويجب علينا أن نفعل أكثر بكثير مما قمنا به اتجاه العراق. ونحن سنظل نقف إلى جانب أشقائنا العراقيين، وعلاقاتنا، والحمد الله، تتطور بالشكل الصحيح، ونحن حريصون على تقويتها وعلى زيادة التعاون مع العراق في كل المجالات.
سؤال: لا تزال العلاقات العربية - العربية اليوم بحاجة إلى مضاعفة الجهود لتنقية الأجواء وتوحيد الصف العربي، وتعزيز علاقات الأخوة والعمل، ما هي رؤية سيدنا بهذا الخصوص ونحن مقبلون على القمة العربية في ليبيا؟
جلالة الملك: رؤيتنا واضحة ومرتكزة على سياسة ثابتة في تجاوز كل الخلافات العربية وبناء التضامن العربي على أسس مؤسسية تضمن أعلى حد من التعاون والتنسيق، وبناء شراكات حقيقية تنعكس بشكل مباشر على مصالح المواطن العربي في كل مكان. وقد شهدت المرحلة السابقة، خصوصا بعد مبادرة خادم الحرمين في قمة الكويت، تحسنا ملحوظا نأمل أن يستمر ويترجم على الأرض تعاونا مؤسسيا دائما في جميع المجالات. فكلما اقترب العرب من بعضهم البعض وكلما تجاوزوا خلافاتهم، كلما استطعنا أن نواجه التحديات المشتركة بشكل أفضل، وأن نخدم شعوبنا بشكل أفضل، وهذا حق لمواطنينا علينا.
الخلافات العربية لا تخدم إلا أعداء الأمة، وكثيرا ما تتحدثون عن تدخل الآخرين في شؤوننا، وأقول هنا أن الآخرين لا يتدخلون في شؤوننا إلا إذا سمحنا لهم بذلك.
هنالك قمة عربية تستضيفها الشقيقة ليبيا بعد أيام، ونحن نتطلع إلى أن تكون هذه القمة محطة مهمة على طريق تنقية العلاقات العربية، وتعزيز آليات العمل العربي المشترك، ووضع الخطط العملية لخدمة المصالح العربية. ونحن واثقون بقدرة الأشقاء في ليبيا، بقيادة الأخ القائد معمر القذافي، على إدارة هذه القمة بنجاح وبشكل ينعكس إيجابيا على مستقبل العلاقات العربية.
وبالنسبة لنا في الأردن، فعلاقاتنا والحمد الله متميزة مع جميع الأشقاء وتتطور بشكل مستمر، سواء من ناحية التنسيق السياسي للتعامل مع التحديات المشتركة، أو لناحية التعاون الاقتصادي. وهنالك الكثير من المشاريع الرئيسية التي نعمل على إقامتها بالتعاون مع الأشقاء العرب، تكريسا لقناعتنا بأنه في بناء التكامل العربي مصلحة حيوية مشتركة وضرورة لمواجهة التحديات في مستقبل يتطلب النجاح فيه بناء أطر التعاون الإقليمي الفاعل.
سؤال: يشهد الملف الإيراني تصعيداً من جميع الأطراف في التعامل مع الحلول الدبلوماسية المطروحة عالميا. كيف يرى جلالة الملك آفاق الحل المقترح لهذا الملف؟
جلالة الملك: لن يخدم التصعيد أحدا، وموقفنا هو ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي لهذه المشكلة، ونحن نرفض أي محاولة لحل هذه المشكلة عسكريا لأن ذلك سيؤدي إلى كارثة في المنطقة. الموضوع النووي موضوع شائك ولا بد من التعامل معه بشفافية مطلقة، تضمن حق جميع الدول في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية، على أساس الالتزام الكامل بالاتفاقيات والمعايير الدولية. ونحن عندما نتحدث عن الشفافية، نؤكد أنها يجب أن تنطبق على جميع الدول، بما فيها إسرائيل.
المنطقة لا تحتمل حروب جديدة. ونتائج أي عمل عسكري ستنعكس بشكل خطير على كل دول المنطقة، وعلى الاقتصاد العالمي. وبالتالي الحل الوحيد الذي نراه هو الحل الدبلوماسي. وعلى الجميع أن يدرك أن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع في المنطقة. وعليه، فكل الجهود يجب أن تنصب على حلها، لأن هذا الحل هو مدخل التعامل مع جميع أزمات المنطقة.
سؤال: يواجه الأردن ظروفا اقتصادية صعبة انعكست بشكل واضح على العجز في الموازنة. كيف يمكن التعامل مع هذه الأوضاع؟
جلالة الملك: نعم هناك ظروف اقتصادية صعبة، نتجت بشكل رئيسي عن الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية العالمية، وأثرت على كل دول العالم. ونحن نعمل كل ما في وسعنا للتخفيف من أثار هذه الظروف على المواطنين، خصوصا الفقراء وأصحاب الدخل المحدود. وكما تعرفون فإن تحسين أداء الاقتصاد الوطني وتوفير الحياة الكريمة لمواطنينا أولوية لنا منذ اليوم الأول لتسلمي أمانة المسؤولية.
على المدى البعيد، يكون حل هذه الأزمة عبر السياسات والبرامج التي ترفع من تنافسية اقتصادنا وتسلح شبابنا وقوانا العاملة بالعلم والمعرفة والمهارات الضرورية، وتوفر فرص العمل وتضمن نموا اقتصاديا مستمرا. والحمد الله، تم على مدى السنوات الماضية تحقيق نمو اقتصادي جيد، وشهد الأردن قفزات نوعية في قطاعات اقتصادية مختلفة. لكن هذا بالطبع لا يكفي، وهناك حاجة لتحقيق المزيد.
نحن نحاول توظيف كل علاقاتنا الدولية من أجل خدمة اقتصادنا وجلب الاستثمارات التي توفر فرص العمل وتطلق المشاريع الاقتصادية في البلد. منهجيتنا اعتمدت على تحسين البيئة الاستثمارية وتطوير قوانا البشرية، وضمان قدرة الأردن على الإفادة من الاقتصاد العالمي والتفاعل معه. ووقعنا في هذا السياق اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والكثير من الدول بهدف فتح الأسواق أمام صادراتنا، وجلب التكنولوجيا التي تسهم في تطوير صناعاتنا ومنتوجاتنا. وتم أيضا إحداث الكثير من التعديلات التشريعية وتطوير القوانين لإيجاد البيئة التشريعية الجاذبة للاستثمار والمحفزة للنمو الاقتصادي.
إنساننا الأردني هو ثروتنا الأكبر. وواجبنا هو استمرار الاستثمار في تأهيله وتمكينه، وفتح أفاق الإنجاز والتميز أمامه. ومن هنا يأتي تركيزنا على التعليم وتطوير البيئة التربوية، وأيضا على توفير التدريب المهني لقوانا العاملة.
فالتعليم هو الأساس. وهناك جهود كبيرة لتحسين العملية التعليمية، من خلال تحسين البيئة التربوية وتطوير المناهج وتحسين المدارس. لكن الأهم هو المعلم، فهو أساس العملية التربوية ومحورها. ومهما فعلنا فلن نوفي المعلم حقه. أنا أعرف الظروف الصعبة التي يمر بها المعلمون. وتوجيهاتي للحكومات دائما هي عمل أقصى ما تستطيعه من أجل تحسين ظروف حياة المعلمين، توفير السكن الكريم، وتحسين الرواتب وتقديم كل ما تسمح به الإمكانات لتلبية احتياجاتهم.
هذا الموضوع أولوية بالنسبة لي، وكذلك بالنسبة للملكة رانيا التي تبذل جهودا كبيرة من أجل المعلم والعملية التربوية. وبرنامج الحكومة يدرك أهمية عمل كل ما تسمح به الإمكانات من أجل تحسين ظروف المعلمين. وواجبنا جميعا في مؤسسات الدولة وفي المجتمع، التعامل مع المعلمين بالاحترام والتقدير الذي بتناسب مع دورهم الأساسي في بناء أجيال المستقبل ومع رسالتهم المقدسة. مسؤوليات المعلمين ورسالتهم تجاه الطلبة كبيرة، وعلينا جميعا أن نعمل من أجل أفضل عملية تربوية، ومن أجل توفير كل الظروف التي تساعد المعلم على أداء رسالته، وتضمن حصول أبنائنا وبناتنا على أحسن مستويات التعليم.
سؤال: تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، تقوم الحكومة حاليا بصياغة قانون انتخاب جديد. كيف يرى جلالة الملك عملية صياغة هذا القانون وما هي أبرز ملامحه؟
جلالة الملك: لقد دعونا إلى انتخابات نيابية مبكرة تكون نموذجا في النزاهة والحيادية والشفافية، ونقلة نوعية في مسيرة التطوير والتحديث التي نقوم بها من أجل بناء المستقبل الأفضل للأردن، وبحيث يتمكن كل أردني وكل أردنية من ممارسة حقهم في الترشح وتأدية واجبهم في انتخاب مجلس نيابي يمارس دوره الدستوري الكامل في الرقابة والتشريع، ويسهم في مسيرة البناء وتكريس الديمقراطية ثقافة وممارسة.
ونحن كلفنا الحكومة باتخاذ جميع الخطوات اللازمة، وفي مقدمتها تعديل قانون الانتخاب وتطوير جميع إجراءات العملية الانتخابية. ما نريده هو عمل برلماني فاعل وزيادة مشاركة المواطنين في الانتخابات. ووجهنا الحكومة للإعداد لإجراء الانتخابات في الربع الأخير من العام الحالي. والحكومة تقوم الآن بواجبها الدستوري في تعديل القانون والإعداد للانتخابات التي ستجري في الفترة التي حددناها في الربع الأخير من هذا العام. وآمل أن يسهم الجميع في إنجاح هذه العملية: الحكومة تقوم بدورها بالإعداد للانتخابات بشكل يضمن شفافيتها ونزاهتها، والمواطنون يقومون بدورهم من خلال المشاركة في العملية الانتخابية، وانتخاب الأكثر قدرة على خدمتهم وخدمة مصالح الأردن. ونحن ننتظر انتهاء الحكومة من إنجاز القانون المعدل.
نريد آن يشارك الجميع بالانتخابات، رجالا ونساء. وأنا قلت كثيرا أنني أريد أن يتطور العمل الحزبي والسياسي، بحيث يكون التنافس في الانتخابات على أساس البرامج والخطط، وليس على أسس الشخصنة والاعتبارات الضيقة. البرلمان ركيزة أساسية من ركائز العمل السياسي في الأردن، ونريد لهذا البرلمان أن يمارس صلاحياته الدستورية بشكل كامل.
سؤال: في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية، دأبتم جلالة الملك على حث الأردنيين، خاصة الشباب، على المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. ماذا تقولون للشباب ونحن على مسافة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية؟
جلالة الملك: أقول للشباب ساهموا في صناعة مستقبلكم، مارسوا حقكم في الانتخاب، انتخبوا من تعتقدون أنه الأقدر، والأكثر كفاءة على تحقيق طموحاتكم وبناء أردن المستقبل الآمن المنجز القادر على تلبية أمالكم.
كلما زادت المشاركة في الانتخاب، كلما زاد التنافس وبالتالي كلما زادت القدرة على وصول الأفضل لمجلس النواب. عندنا مشكلة في البلد أن هنالك الكثيرين، ممن لا يمارسون إلا النقد السلبي، وأنا أقول إن الانتخابات النيابية تفتح الباب للجميع للمشاركة في العمل العام، وتصحيح الأخطاء وتطوير الأداء. ونحن نرحب بالنقد البناء وندعو الجميع إلى المساهمة في عملية تنمية البلد وتطويره. لكن ما نرفضه، حرصا على مصلحة الأردن ومستقبله، هو الأصوات السلبية التي لا تعترف بالإنجاز ولا تتقن إلا الانتقاص من منجزات هذا الوطن. ومسؤولية الشباب هي التصدي لهذه السلبية عبر الإسهام في بناء مجتمعهم، ومطالبة جميع المرشحين بتقديم برامجهم وخططهم لتطوير البلد، لتكون هذه الخطط والبرامج الأساس الذي يمنحون بموجبه أصواتهم للمرشحين.
سؤال: تحدثنا كثيراً عن عملية الإصلاح الشامل، أين نقف الآن كأردنيين بقيادة جلالتكم من الإصلاح؟
جلالة الملك: الإصلاح والتطوير والتحديث مسيرة مستمرة وهو ضرورة تفرضها مصلحة الأردن. وقد حققنا والحمد لله خطوات كثيرة في هذا المجال. لكن الطريق لا تزال طويلة. ولا بد من تكاتف جميع الجهود من أجل دفع عملية الإصلاح إلى الأمام. قلت أكثر من مرة إننا ملتزمون بالإصلاح بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، انطلاقا من قناعتنا بأنه متطلب حتمي لتطوير الوطن وإطلاق طاقات الأردنيين. وكما قلت في كتاب التكليف للحكومة، إننا إذ نعتبر الإصلاح الاقتصادي أولوية لأثره المباشر على حياة المواطنين، فنحن مقتنعون بأن الإصلاح الاقتصادي لن يحقق النتائج التي نريدها إذا لم يكن جزءا من منظومة إصلاح سياسية اجتماعية إدارية شاملة، تضمن أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار، عبر مؤسسات قادرة تعمل بشفافية على تعظيم الإنجاز والتصدي للقصور والتقصير أينما كان.
أنا أقول إن مسيرة الإصلاح لم تسر بالسرعة التي أريدها. وكنا في أحيان كثيرة نتقدم خطوتين للأمام ونتراجع خطوة للوراء لأسباب كثيرة، جزء منها مرتبط بالوضع الإقليمي، وجزء آخر مرتبط بمقاومة الإصلاح من فئات رفضته لأنها أعتقدت أنه يشكل خطرا على مكتسباتها ومصالحها، وفئات أخرى كانت دائما تخشى التغيير، أو مجموعات تريد أن تبقي رؤوسها مدفونة في الرمال، وأن لا تواكب التطورات التي يشهدها العالم. وأحيانا كان أيضا هناك قصور أو تردد من مسؤوليين أنيطت بهم المسؤولية.
قلت في السابق، إن أكبر تحدي واجهته في سنوات تحمل المسؤولية هو مواجهة السلبية التي يتعامل بها البعض في المجتمع عند كل خطوة كبيرة نحاول أن نقوم بها من أجل خدمة الأردن. التحدي كان هو أن لا أحبط في مواجهة أولئك الذين يقولون "لا" لكل شيء، و"ما بنقدر" عند كل خطوة كبيرة. لكننا لم نحبط، ولن نحبط، وسنستمر في الإصلاح الذي يضمن المستقبل الأفضل للأردن، وبعزم كل الأردنيين، سنتجاوز الأصوات السلبية في المجتمع وسنسير إلى الأمام.
وبالمناسبة، أنا عندما أقول إن أولويتي هي بناء وتقوية الطبقة الوسطى، فأنا أنطلق في ذلك من قناعتي بأن الطبقة الوسطى هي القادرة على التقدم بالإصلاح، وبدفع مسيرة التحديث والتطوير، لأن الطبقة الوسطى هي التي تنتج مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، وهي التي تمتلك القدرة على مساءلة المسؤوليين، وعلى المطالبة بتحديث القوانين وتطبيقها، وهي التي تشكل عامل الضغط الأكبر من أجل التقدم في عملية الإصلاح السياسي.
الديمقراطية ثقافة، والمساءلة هي بنية اجتماعية ومؤسساتية ناضجة، والطبقة الوسطى هي القادرة على تكريس هذه البنية. وبالنسبة لأصحاب نظريات المؤامرة ولأولئك الذين يشككون في كل خطوة ويقفون بوجه المستقبل، أقول إن الإصلاح الذي نريده ونعمل على تحقيقه هو إصلاح منطلق من حاجاتنا كوطن، ومبني على مصالحنا، إصلاح لا يلتفت إلا إلى مصالح الأردن وحاجاته وقناعاته.
ونحن الآن في مرحلة جديدة عنوانها العمل الجاد المبني على البرامج والخطط، والمحكوم بأهداف محددة ومعايير قياس واضحة. لقد كان كتاب التكليف للحكومة واضحا في أننا نريد هذه المرحلة مرحلة عمل وإنجاز وتقدم في المسيرة التطويرية التحديثية، عمل لا مكان فيه للتلكؤ أو التراخي، ومتحرر من سياسة المهادنة والاسترضاء، وخاضع للمساءلة وفق خطط وبرامج معلنة للمواطنين، بحيث يعرف المواطن الأسس التي يقيم أداء الحكومة عليها. وأنا متفائل أن الحكومة ستقوم بالواجبات التي كلفت بها، وهي وتدرك تماما حجم المسؤولية الواقعة عليها، وضرورة أن يشعر المواطن بالجدية المطلقة في تنفيذ كتاب التكليف، وفي ضمان أعلى درجات الفاعلية والشفافية في إدارة الشأن العام، خصوصا في إنجاز عملية الإصلاح الشامل التي أعلناها وجهة حتمية للأردن.
سؤال: جلالة الملك، الفساد أحد المعيقات الرئيسية للإصلاح الاقتصادي والسياسي، كيف يمكن للأردن مواجهة ومحاصرة هذه الظاهرة؟ وما هو المطلوب من الحكومة لتحقيق ما وعدت به في ردها على كتاب التكليف من جهود لمكافحة الفساد؟
جلالة الملك: مكافحة جميع أشكال الفساد هو تكليف واضح للحكومة ولكل الحكومات التي سبقتها. ووجهنا الحكومة إلى عدم التغاضي عن أية شبهة فساد تتوفر الأدلة القانونية للتعامل معها. الفساد بكل أشكاله، مهما صغر أو كبر، وسواء كان ماديا أو إداريا، آفة سنحاربها بكل السبل. وبدأت الحكومة عملها بإصدار ميثاق شرف يلتزم فيه الجميع، وتعرف أننا لا نريد أي تهاون في هذا الموضوع، وتعهدت بشكل واضح أن تنفذ توجيهاتنا في هذا المجال. وجدية الحكومة وإجراءاتها في مكافحة الفساد واضحة وأعتقد أنكم تلمسونها.
مثل إي دولة في العالم، لا شك أن في الأردن حالات فساد وممارسات فاسدة. لكن علينا أن نكون واقعيين في التعامل مع هذه الظاهرة، بحيث لا نبالغ في وجودها. أحيانا هناك مبالغات كثيرة في حجم الفساد ومدى انتشاره. ولو كان الفساد منتشرا بالصورة التي يقدمها البعض، لما استطاع الأردن أن يحقق كل هذه الإنجازات. وأنتم تعرفون أنه حتى في التقارير الدولية وضعنا والحمد لله جيد.
سؤال: مثّل الإرهاب تحدياً أمنياً مباشراً للأردن خلال السنوات الأخيرة، وقد نبّهتم جلالتكم إلى أنّ أحد روافد الإرهاب هو الفكر المتطرف، فوُلدت "رسالة عمان" لتمثل جزءاً من إستراتيجية وقائية ثقافية لبناء الحصانة الذاتية من التطرف والإرهاب. إلى أي مدى تشعر جلالتكم بالرضا عمّا تم إنجازه في مجال مكافحة الإرهاب؟
جلالة الملك: سنحمي مواطننا وسنحمي أمننا من أي أعمال إرهابية ومن أي جهة. وكلنا نذكر الجرائم البشعة التي ارتكبها الإرهابيون ضد الأبرياء في عمان في التاسع من تشرين الثاني عام 2005، حيث فقدنا 60 شخصا وجرح ما يزيد عن 100. والإرهاب استهدف الأردن من سنوات طويلة وقبل جريمة تفجير الفنادق. وأنا قلت إننا سنحمي بلدنا وأننا لن ننتظر أن يأتي الإرهابيون إلينا لقتل أبنائنا، ولكن سنطارد كل من يخطط للاعتداء على بلدنا ومواطنينا أينما كانوا. وأنا فخور بأجهزتنا الأمنية وبجهودها لحماية الوطن من جرائم الإرهابيين. الإرهاب عدو للأردن وعدو للعرب وعدو للإنسانية وهو قبل ذلك عدو لديننا الحنيف، والذي هو بريء من كل ما يقوم به الإرهابيون من أعمال لا تمت له ولتعاليمه السمحة بصلة.
وواجبنا أن نحمي ديننا من محاولات تشويهه. وكما تعلمون لقد عمل الأردن خلال السنوات الماضية على محاربة الإرهاب فكريا وثقافيا من خلال العديد من المبادرات، ومنها "رسالة عمان"، التي أشرتم إليها، والتي أطلقتها المملكة عام 2004 لبيان القيم العظيمة لديننا الإسلامي، وأيضا "كلمة سواء" التي انطلقت من الأردن للتقريب بين أتباع الديانات السماوية. سنبقى نحارب الفكر الإرهابي من خلال تقديم الصورة الحقيقية لديننا ولقيمه، ولا شك أنه عليكم أنتم كوسائل إعلام دور كبير في محاربة هذا الفكر وتعريته وتحصين المجتمع ضده. وبصراحة، مطلوب منكم جهد أكبر في التصدي لمحاولات الإرهابيين تضليل عقول الشباب وتشويه ديننا وقضايانا العادلة.
سؤال: ركزتم جلالتكم في العديد من الخطابات وكتب التكليف للحكومات المتعاقبة بضرورة الحد من مشكلتي الفقر والبطالة. هل يرتقي مستوى عمل الحكومات إلى تطلعاتكم في تقليص حجم هاتين المشكلتين الآخذتين في الاتساع؟
جلالة الملك: مهما عملنا في هذا الاتجاه ليس كافيا ولا بد من عمل المزيد. الفقر والبطالة من أكثر القضايا التي تؤرقني وذلك لتأثيرها المباشر على الأسرة الأردنية ومستوى معيشتها. أنتم تعرفون أن الظروف الاقتصادية لا تسمح بحل المشكلة بالكامل. لكننا نسعى بكل قدرتنا لمواجهتها والتخفيف منها. ما في شيء أهم عندي من راحة المواطن ومن تأمين العيش الكريم له. ومن هنا يأتي تركيزي الدائم على تحسين أداء الاقتصاد وعلى ضرورة جذب الاستثمار وإقامة مشاريع جديدة توفر فرص عمل، التي هي أنجع وسيلة لمحاربة البطالة، وبالتالي الحد من الفقر وتداعياته.
ولدينا الآن العديد من المشاريع التي ستحسّن الأوضاع على المدى البعيد، المشاريع الاقتصادية الكبرى التي نعمل على إقامتها لحماية مستقبل الأردن الاقتصادي وتحقيق الأمن الغذائي والمائي وتلبية احتياجات المملكة من مصادر الطاقة. همي الأول هو توفير الحياة الكريمة للإنسان الأردني، وأعرف الظروف الصعبة التي تواجه المواطنين، ولكن تأكدوا أننا نفعل كل ما باستطاعتنا لضمان أن يحصل كل طفل على التعليم الذي يستحقه، وكل شاب على فرصة عمل، وأن يتمكن كل أب وكل أم من توفير متطلبات أسرهم. ووجهنا الحكومة إلى ضمان أفضل إدارة ممكنة للموارد وأن تكون السياسات والإجراءات الاقتصادية مبنية على برامج واضحة ومحددة الأهداف، بحيث لا ينفق أي مورد إلا في مكانه وأن تكون الإدارة الحكومية بشفافيتها وعدالتها ونجاعتها مثالا للجميع.
أنا متفائل بالمستقبل. وثقتي بشعبي كبيرة، ومطمئن إلى أنه من خلال التخطيط الجيد والعمل البرامجي المرتكز على آليات عمل واضحة، وشفافة وفاعلة، وبهمة الأردنيين جميعا، سنكون قادرين على تجاوز هذه الظروف الصعبة وتحويل التحديات إلى فرص، وبناء المستقبل الأفضل.
والواقع أن الحكومة لن تستطيع لوحدها معالجة هذه المشكلة أو تحقيق النمو الاقتصادي الذي نريده. وأكون سعيد جدا حين أرى القطاع الخاص يسهم في التصدي لمشكلة البطالة من خلال إقامة مشاريع توجد فرص عمل جديدة، وحين أرى شراكة حقيقية ومنتجة بين القطاعين العام والخاص لتنمية الوطن وزيادة إنجازه.
سؤال: جلالة الملك، لكم موقف واضح من دعم حريات التعبير والصحافة والرأي وفي أكثر من مناسبة أكدتم على موقفكم الرافض لوقف الصحفيين وتقييد حريتهم. في ضوء ذلك، ما هي قراءتكم للوضع الراهن لمستوى الحريات الإعلامية في الأردن؟
جلالة الملك: أنتم تعرفون موقفي وسمعتموه أكثر من مرة. ما نريده هو صحافة حرة محترفة مستقلة تقوم بدورها بشكل كامل ومن دون أية عوائق، صحافة تكتب وتنتقد بحرية وبمهنية وتسهم بالتالي في مسيرتنا التنموية والتحديثية. وأنا وجهت الحكومة في كتاب التكليف إلى اتخاذ جميع الخطوات التي تضمن العمل الصحفي الحر والمهني، والتي تسهم في تطوير صناعة الإعلام.
وفي الوقت الذي مطلوب فيه من المسؤولين أن ينفتحوا على الصحافة ويضمنوا تدفق المعلومات ويحترموا حق الصحافة في الحصول على المعلومة والعمل بحرية، أعتقد أنكم تتفقون معي أنه مطلوب من الصحافة أن تلتزم بأخلاقيات مهنتها وقواعدها المهنية. وأنتم في الوسط الصحفي أعلنتم رفضكم لممارسات غير مهنية وغير أخلاقية تقوم بها بعض الفئات وتسيء لمهنة الصحافة وللمجتمع وللوطن وللمواطنين. وعليكم أنتم دور في حماية مهنتكم وفي حماية الناس من الابتزاز من القلة التي تسيء للمهنة وتعتدي على حقوق المواطنين وتحاول تشويه سمعتهم من دون أدنى التفات للحقيقة ولأخلاقيات المهنة.
الحكومة تبنت مدونة سلوكية لتنظيم العلاقة مع الصحافة بحيث تمارسون دوركم بكل حرية. والقانون ينص على عدم توقيف الصحفي. والآن تم أيضا تعديل القانون بحيث يتم النظر في قضايا الصحافة في محكمة البداية فقط، ضمن رؤيتنا التي تريد بيئة تشريعية واضحة تحمي العمل الصحفي المهني وتطلق الحريات الصحفية.
وبصراحة كان هناك في فترات سابقة ممارسات غير مقبولة، مهادنة واسترضاء، على حساب الحقيقة وعلى حساب المهنية وعلى حساب الوطن وعلى حساب المواطنين. لكن كل هذا توقف الآن، ومدونة السلوك تلزم المسؤولين بمعايير مهنية وأخلاقية وقانونية واضحة في التعامل مع الصحافة. وعليكم أنتم في النقابة والمؤسسات الصحفية ضمان التزام كل من يمارس المهنة بمدونة السلوك الخاصة بكم وفق معايير المهنة المعتمدة من قبلكم.
الصحافة الحرة والمستقلة والمهنية ضرورة للبلد. وفي نفس الوقت، يجب أن يكون هنالك آلية قانونية شفافة ومنسجمة مع أفضل المعايير الدولية لحماية حقوق الناس وسمعتهم، بحيث يحفظ لهم حق التقاضي ضد أي اتهامات باطلة وادعاءات غير صحيحة تضر بهم وبسمعتهم.
سؤال: برز مؤخراً اهتمام إعلامي ملحوظ باتجاه المرأة والطفل. والعديد من الناشطين في مجال الدفاع عن هاتين الفئتين يركزون على ضرورة توفير قدر أكبر من الحماية القانونية لهما. ما هو تعليقكم؟
جلالة الملك: لا أقبل بأي اعتداء على حقوق المرأة والطفل. ووجهت الحكومة إلى اتخاذ جميع الإجراءات والقيام بكل التعديلات القانونية المطلوبة لضمان هذه الحقوق. والحمد لله هناك تقدم في هذا المجال. لكن ما يزال هناك الكثير الذي يجب عمله. هناك نقص تشريعي كبير في ما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، والحكومة تعمل الآن على معالجته.
العدالة لا تُجزأ. فإذا كنّا، في الأردن، مجتمعاً عادلاً فعلاً، فعلينا جميعاً أن نعمل لحماية جميع فئات المجتمع. المرأة في الأردن هي نصف المجتمع، وحمايتها وتمكينها تعني حماية ودعم نصف الأردن. والأطفال هم مستقبل الأردن وحمايتهم استثمارٌ في مستقبلنا. ولا بد من الاستمرار في ترسيخ البيئة التشريعية والثقافية التي تكفل صيانة حقوق المرأة والطفل، ووقف أي تجاوزات على حق المرأة والطفل وأي اعتداءات عليهم وبأي مسمى ترتكب.