مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي. ان. بي. سي.

أجرى المقابلة: 
هادلي غامبل
For: 
شبكة سي. ان. بي. سي.
22 أيار/مايو 2015
(مترجم عن الإنجليزية)

سي. ان. بي. سي.: صاحب الجلالة، شكرا جزيلا لكم على الانضمام إلينا في سي أن بي سي.

جلالة الملك: شكرا لك.

سي. ان. بي. سي.: أود من جلالتكم أن تبدأوا بالحديث عن ما يمر به الأردن. لديكم فرص استثمارية قادمة تقدر بالمليارات من الدولارات، وأنتم تحاولون في الحقيقة إنعاش الاقتصاد الأردني. ما هي خطتكم لتحقيق ذلك؟

جلالة الملك: إنها ليست عملية إنعاش بالمعنى الحرفي للكلمة. ففي كل مرة تمر بها المنطقة بأزمة، يسعى الأردن إلى التكيف مع التحديات الإقليمية. لقد كنا دائما بلدا مستقرا، بل أكثر استقرارا من غيرنا نسبيا قياسا بكل ما يجري. وما يسعى إليه الأردن الآن هو تحقيق انطلاقة جديدة تمتد إلى السنوات العشر المقبلة، وهو مسعى يعتمد على مدى قدرتنا في استغلال إمكانياتنا لخدمة شعبنا والمنطقة.

وسوف نبدأ بالقطاعات التقليدية، وهي السياحة والصناعات الدوائية والتعليم، ولكن بعد ذلك، سوف نطرق مجالات جديدة، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة المتجددة، والتي أعتقد أنها ستكون ضمن المحركات الرئيسية الدافعة لعجلة التقدم في الأردن، والتي ستحمل معها مفاجآت طيبة.

سي. ان. بي. سي.: يبحث رجال الأعمال عن مكان لاستثمار رؤوس أموالهم، ويدرسون مكامن الخطر على استثماراتهم. لكن الإرهابيون في العراق وسوريا يحققون مكاسب على الأرض، فهل يمكنك طمأنة المستثمرين أن الأردن آمن؟ وهل ستستمر الأزمات في هذين البلدين؟

جلالة الملك: أعتقد أن لدينا تاريخا على مدى عدة عقود أثبت الأردن خلاله دائما قدرته على الحفاظ على استقراره في الإقليم، بغض النظر عن طبيعة الأزمات التي تمر بها المنطقة. وعليك أن تتذكري أنه مع كل ما جرى ويجري من حولنا، كان أداء الأردن مميزا. ومن ذلك أن اقتصادنا نما بنسبة تجاوزت 3 بالمئة في العامين الماضيين، ونحن نتوقع أن يبلغ معدل النمو 4 بالمئة في السنتين أو الثلاث القادمة. ومن الشواهد كذلك أن احتياطياتنا في البنك المركزي هي الأعلى تاريخيا.

وعندما ننظر إلى المنطقة، وتحديدا سوريا والعراق كما ذكرت، نجد أن العراق كان دائما سوقا قويا بالنسبة لنا. وأعتقد أن الحكومة العراقية، وبالتعاون مع قوات التحالف، سيفتحون الطريق بين عمان وبغداد هذا الصيف، ما سيفتح أبواب هذا السوق القوي أمام الأردن من جديد.

أعتقد أن أولئك الساعين للاستثمار في الأردن لن يستثمروا في الأردن لأن السوق العراقي سيكون مفتوحا أمامهم فقط، حيث لن يقف الأمر عند ذلك، لأنهم سيستفيدون من اتفاقيات التجارة الحرة بيننا وبين دول مجلس التعاون الخليجي، وهو سوق آخر مشرع الأبواب أمامهم. وقد امتد نطاق مساعينا دائما خارج المنطقة، فالمستثمر لا يبحث عن فرصته ضمن حدود الأردن فحسب، إذ أن لدينا اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا، وسوف يتبعها اتفاقية مع المكسيك لاحقا. لذلك فإن نطاق الاستثمار سيكون مفتوحا للمهتمين بالقارة الأمريكية أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد نشطنا في مساعينا باتجاه آسيا، ونتحدث هنا عن الهند وما وراءها.

ونظرا لعملية التطوير التي تشهدها موانئ العقبة، فإن المحطة التالية هي القرن الأفريقي، حيث سننظر في كيفية تطوير العلاقات التجارية مع بلدان شرق أفريقيا. وعليه فإن الفرص وافرة، وهذا ما يجعل المستثمرين يطرقون أبواب الأردن.

سي. ان. بي. سي.: اسمح لي أن نتطرق إلى التحديات الداخلية، حيث يشكل اللاجئون إليكم 20 بالمئة من السكان. ولديكم أيضا أزمة مياه، وتتعاملون مع حقيقة أنكم تستوردون كل احتياجاتكم من الطاقة. ما الذي تقومون به لإيجاد حل لهذه المشاكل؟

جلالة الملك: بالنسبة للتحدي الناشئ عن وجود لاجئين يشكلون 20 بالمئة من السكان، فإننا لا نحصل على ما يكفي من الدعم من المجتمع الدولي. وأعتقد أن معظم الناس لا يدركون أن 85 بالمئة من اللاجئين لا يعيشون في مخيمات اللاجئين، بل خارجها في الواقع، ما يشكل عبئا على الاقتصاد الأردني. فما يقرب من 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي يوجه للتعامل مع عبء رعاية اللاجئين. وهذا تحد يفوق طاقتنا.

أما بالنسبة لاحتياجاتنا من الطاقة، فإن سبب المشكلة التي نواجهها هو انقطاع إمدادات الغاز الذي كنا نحصل عليه من مصر، ولذلك كان علينا أن نتحرك بسرعة. وهذا هو سر الأردن دائما، وهو قدرته على التكيف مع جميع التحديات التي تواجهه. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نشهد استثمارات كبيرة في مجال الطاقة البديلة.

ونحن مقبلون على عقد صفقة ضخمة مع الصينيين للاستفادة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بقدرة 1000 ميجاوات. وهذه هي الغاية التي يتجه الأردن نحوها، وسوف نشهد قفزة هائلة في مجال الطاقة المتجددة في الأردن في المستقبل القريب.

سي. ان. بي. سي.: أرجو أن تتحدث بتفصيل أكبر حول تلك الصفقات الاستراتيجية. كنت تتحدث عن صفقة مع الصينيين، وهي في غاية الأهمية بالنسبة للأردن. ما هي الصفقات الأخرى التي سوف نشهدها في القريب العاجل؟

جلالة الملك: لدينا كما هو معلوم مشروع الطاقة النووية، والذي يتضمن بناء محطتين لتوليد الطاقة. وهناك اتفاقيات طاقة متجددة مع العديد من الدول، ولكن أكبرها، في هذه المرحلة، هي الاتفاقية مع الصينيين. ونحن بالتأكيد أول دولة في المنطقة ستعتمد استخدام المركبات الكهربائية كليا، في الحكومة، وكذلك في الديوان الملكي الهاشمي، وفي معظم المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية.

ولدينا مبادرة أطلقناها مؤخرا لاستخدام الطاقة المتجددة في 50 مدرسة كبداية. ولكنها ستشمل خلال العامين المقبلين جميع المدارس الحكومية في الأردن والبالغ عددها 3000 مدرسة. وأعتقد أن ذلك يوضح كيف نفكر، وكيف نتكيف.

سي. ان. بي. سي.: هذه أرقام رائعة. هل مفاد رسالتك للمستثمرين هو: لا تدعوا الفوضى في المنطقة تحط من عزيمتكم؟

جلالة الملك: حسنا، كنت أؤكد دائما أن الأردن لا يستسلم للمشاكل في المنطقة كذريعة لتعطيل مسيرة التقدم، سواء في الإصلاح الاقتصادي أو السياسي، وأقول دائما أن أعمالنا تسير كالمعتاد، وعلينا أن لا نتخلى عن طموحاتنا. وفي الواقع، عندما تبرز الأزمات، نجد أن هذا هو الوقت المناسب لدفع عجلة التقدم إلى الأمام. وعليه، فأنا أعتقد أنك سوف تشهدين حضورا قويا للقطاع الخاص من جميع أنحاء العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي سوف يعلنها المنتدى والتي تبلغ قيمتها من 17 إلى 19 مليار دولار.

سي. ان. بي. سي.: وأخيرا، ما هي المزايا التي توفرونها لرجال الأعمال الرياديين وللمستثمرين عندما يأتون إلى الأردن؟ لماذا عليهم أن يختاروا الأردن بدلا من دبي، على سبيل المثال؟

جلالة الملك: سر نجاح الأردن هو الاستثمار في رأس المال البشري، وهو أهم صادراتنا، وتدور رؤيتي بعيدة المدى بكاملها حول إعادة تلك الميزة إلى الأردن، حيث أن المواهب الأردنية تحظى باحترام العديد من البلدان في المنطقة وتعمل هناك. هذا هو رأسمالنا. وأعتقد أن هذا ما يميزنا عن الدول الأخرى.

فعندما تنظرين إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعلمين أن 70-75 بالمئة من المحتوى العربي على الشبكة هو في الواقع صادر من الأردن. وبلدنا من أفضل عشر دول لإنشاء الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا. وعندما تنظرين أيضا إلى السياحة الطبية، فنحن في المرتبة الخامسة عالميا. والفضل يعود في كل هذا إلى المواهب الأردنية. وما يميز الأردن عن البلدان أخرى، في اعتقادي، هو أنها مواهب محلية غير مستوردة.

لذلك عندما يأتي شركاء من الخارج للاستثمار في الأردن، يجدون لهم في المملكة شركاء هم الشباب، وهم شركاء قادرون وبارعون جدا في التكنولوجيا ويمكن الاستثمار فيهم. أعتقد أن هذا ما يميز الأردن عن العديد من دول المنطقة.

سي. ان. بي. سي.: ما هو تصوركم للأردن بعد عشر سنوات، وما دور ولي العهد في ذلك؟

جلالة الملك: تعلمين أن ولدي يكرس جهده في تنمية قطاع الشباب. ونحن نسعى إلى الابتكار والتقدم في مجال التكنولوجيا الحديثة، وقد ناقشنا مؤخرا موضوع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة المتجددة. لذلك فإن الأردن سيركز على التميز في هذا المجال، وذلك بالبناء على ما أنجز، خصوصا أن غالبية شعبنا يافع ومثقف بدرجة عالية.

ولذا أعتقد أن الأردن سيستمر في كونه موئلا للأفكار والتنمية، سواء كان ذلك في صناعة الأفلام أوغيرها من القطاعات التي تطبق التقنيات المبتكرة. وأنا أعلم أن آخرين يحاولون تقليد ما نقوم به، ولكن ما يثلج صدورنا أن الأردنيين يفاجؤننا دائما بتفوقهم على غيرهم. فنحن نبتكر التطبيقات الذكية، ونعقد منافسات بين طلاب المدارس الثانوية في تصميم هذه التطبيقات. إننا البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يفعل ذلك، وفي هذا مؤشر على استمرارنا في الاستثمار في جيل الشباب، بحيث نكون دائما سباقين.

سي. ان. بي. سي.: بما أن شعبكم يافع ومتنام، وما يمكن لذلك أن يولده من فرص، ما مدى أهمية النجاح في هذا المجال بوجود كل هذه الاضطرابات في المنطقة؟

جلالة الملك: هذا أمر مهم جدا، ومرة أخرى، فقد أثرت قضية يجب على العالم أن يفهمها لفهم المنطقة بأسرها. لدينا أكبر نسبة من الشباب في التاريخ، وهؤلاء يدخلون معترك الحياة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، حيث يعيش 350 مليون نسمة، ويبدأون بالبحث عن فرص عمل. إذا أخذنا خطوة واحدة إلى الوراء ونظرنا في التحديات التي تواجه الشرق الأوسط، نجد أن خلق فرص العمل للشباب ومنحهم الأمل بالمستقبل هو شيء على المجتمع الدولي أن يعمل على تحقيقه. وبينما نواجه مشكلة عدم الاستقرار في المنطقة، والتحدي المتمثل في الإرهاب العالمي، علينا أن نجد شركاء أقوياء في العالم لأنه علينا أن نزود هؤلاء الشباب بالثقة في المستقبل.

لذلك بالنسبة لنا في الأردن، وهذا أمر مهم جدا، علينا أن نتأكد من تأمين الشباب بالمستقبل الذي يحتاجون إليه، وعلينا أن نعمم ذلك في الشرق الأوسط.

سي. ان. بي. سي.: جلالة الملك، شكرا جزيلا لكم للانضمام إلينا في سي أن بي سي.

جلالة الملك: شكرا جزيلا.