كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام مجلس الشؤون العالمية لشمال كاليفورنيا ونادي الكومنولث في سان فرانسيسكو
كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام مجلس الشؤون العالمية لشمال كاليفورنيا ونادي الكومنولث في سان فرانسيسكو
اشكرك روبرت.. واشكركم جميعا..
انه لمن دواعي سروري ان اعود ثانية الى سان فرانسيسكو.. ويشرفني ان أحظى بهذا الاستقبال الحار من قبل مؤسستين كبيرتين: مجلس الشؤون العالمية ونادي الكومونولث.
ان اعضاء المؤسستين يمثلون الروح المدنية الامريكية في أفضل احوالها المبادرة التي تجمع الناس ليناقشوا ويفهموا قضايا اليوم واذا ما قدر ان يكون هناك احساس حقيقي بالمواطنة العالمية المشتركة فان ذلك يعتمد على جهود امثالكم وانا سعيد بالانضمام اليكم اليوم.
كما تعرفون، كنت في واشنطن في اوائل هذا الاسبوع حيث تحدثت مع الرئيس بوش واخرين في الادارة الامريكية حول الخطوات الملحة التالية في الشرق الأوسط.. وانا اود ان اشارككم وباختصار بعض الافكار وامل بعدها ان تتاح لنا الفرصة للتحاور من خلال الاسئلة والاجوبة.
عندما كنت هنا في سان فرانسيسكو في شهر نيسان الماضي اقترحت بان الوقت قد حان لتحقيق اختراقات حقيقية في الشرق الاوسط؛ ومن الواضح اليوم اننا وصلنا الى لحظة حافلة بالإمكانات الكبيرة؛ فهنالك انتخابات مقررة في الاراضي الفلسطينية ؛ وفي العراق؛ وتسعى اسرائيل لفك الارتباط واللجنة الرباعية: الولايات المتحدة؛ اوروبا؛ وروسيا؛ والامم المتحدة تجدد التزامها بعملية سلام "خارطة الطريق؛" وفي الوقت ذاته فان المنطقة باسرها تشهد تحركا نحو الاصلاح والتنمية.
تعلمنا التجربة ان من الاسهل ملاحظة الاختراقات التاريخية بعد حدوثها وليس قبلها. لكن الامر المؤكد هو ان الشهور الحاسمة القليلة المقبلة سوف ترسم مسار وسرعة التقدم لفترة طويلة مقبلة.
لقد بدأت رحلة واعدة لكنها صعبة للغاية ونجاحها يتطلب الدعم الكامل والفاعل من جانب المجتمع الدولي ويمكنكم القول ان القارب بدا يبتعد عن رصيف الميناء؛ ونحتاج ان يكون على متنه كل صديق للسلام والتقدم.
ان للولايات المتحدة دورا قياديا مركزيا؛ وليس هنالك ما هو اهم من مواجهة تحدي المنطقة الجوهري: الصراع العربي الاسرائيلي حيث تظل دوامة العنف هذا الحاجز الرئيس امام الاستقرار والتقدم في منطقتنا فقد ولدت الغضب العالمي والعنف المتطرف.
ان الاطراف والمنطقة والعالم باسره بحاجة ماسة الى حل عادل وشامل حل ينهي معاناة الاسرائيليين والفلسطينيين؛ ويفتح الابواب امام تقدم جديد في المنطقة ويعيد الثقة في نظام العدالة الدولي.
كما يعرف الكثير منكم فان الارضية متوفرة؛ ففي عام 2002 في بيروت التزمت الدول العربية بمعلم بارز وشامل: حل الدولتين؛ وشروطه واضحة ومباشرة: فلسطين مستقلة وديمقراطية وقابلة للحياة؛ وضمانات امنية لإسرائيل لتعيش بسلام مع جيرانها وعملية تؤدي الى تسوية شاملة تتناول المسارين السوري واللبناني.
في حزيران عام 2002 اتفقت الاطراف في اجتماع تاريخي مع الرئيس بوش في العقبة وتبنت دول مجموعة الثماني واللجنة الرباعية خطة خارطة الطريق. واسمحوا لي ان اقول كلمة حول عملية "خارطة الطريق" ففي كل مناقشاتي في الشهور التي سبقت لقاءات العقبة بينت انه لإنجاح عملية السلام فلا بد ان تحظى بالثقة على الارض الامر الذي يتطلب نتائج واضحة تأتي في وقتها. جميعكم تعرفون مدى استفادة مجال الاعمال من معايير الاداء والمعالم الهامة والمساءلة الحقيقية.
ان الذين يسعون منا الى السلام يحتاجون الى بذل العمل الجاد ولهذا السبب تصر "خارطة الطريق"؛ ويجب ان تصر على نتائج راسخة قابلة للقياس تؤدي الى تسوية نهائية في إطار زمني محدد.
لا احتاج لإعلامكم بان العملية قد اضاعت بعض الفرص والمحطات الهامة ولا ينبغي ان يكون ذلك مقبولا لاحد لان كل يوم من العنف المستمر يخدم اعداء التنمية: الديمقراطية لفلسطين؛ والأمن لإسرائيل.
لقد حان الوقت للتحرك الجاد نحو حل الدولتين والذي هو اساس الحل النهائي الدائم وهذا يستدعي العمل وتقديم التنازلات من كلا الجانبين يمكن ان تكون خطة اسرائيل لفك الارتباط جزءا بناء من خارطة الطريق لكنها ليست سوى جزء؛ فالعالم ينظر الى اسرائيل للالتزام مجددا بخارطة الطريق واتخاذ تدابير حقيقية لبناء الثقة ويجب على الفلسطينيين ايضا ان يواجهوا تحدي القيادة المسؤولة وهذا يعني الوفاء بالإصلاحات التي تتطلبها الدولة.. الحكم الجيد؛ الامن الفعال؛ وشراكة حقيقية على طاولة المفاوضات.
يمكن ان تكون الانتخابات الفلسطينية المقبلة معلما هاما؛ فالفلسطينيون يحتاجون الى دعمنا جميعا. لقد التقيت مع الاتحاد الاوروبي في الشهر الماضي؛ ومع القيادة في واشنطن في هذا الاسبوع وطلبت كل المساعدة الممكنة للفلسطينيين لإعادة البناء والاصلاح وعملية الانتخابات.. وانا سعيد ومفعم بالأمل ازاء الرد الايجابي.
ان الصراع العربي الاسرائيلي بطبيعة الحال ليس محور الاهتمام الاقليمي الوحيد؛ فالعنف والفوضى في العراق يشكلان تهديدا ليس ـ فقط ـ لمستقبل هذا البلد بل لمستقبل العالم.
ان الاستقرار الاقليمي والعالمي يستدعي اعادة بناء عراق ديمقراطي ولتحقيق ذلك فان على المجتمع الدولي ان يكون شريكا فاعلا ليس ـ فقط ـ في المساعدة الانسانية؛ بل ايضا في مساعدة العراق على تحقيق الامن والتوافق وهذا يشمل اجراءات عملية فاعلة لإعادة بناء المؤسسات السياسية واحياء اقتصاد فاعل واحياء الثقة.
ان العراق بحاجة ماسة الى نظام سياسي شامل وذي شرعية؛ ومن المهم عقد الانتخابات المقبلة بأسرع وقت ممكن؛ ومن المهم ـ ايضا ـ ان تكون هذه الانتخابات شاملة؛ ومن اجل بناء الثقة يتوجب ان يقترن حكم الاغلبية بحقوق الاقلية؛ وعلى العراقيين الشيعة والسنة ان يحافظوا على قدسية انتماء العراق الى الامة العربية؛ وعلى جميع العراقيين ان يرفضوا أي تدخل خارجي في امورهم الداخلية.
دعونا نبقي هذا الهدف نصب اعيننا: عراق ذو سيادة يتمتع بالتعددية متحرر من العنف يمنح شعبه مستقبلا مشرقا. ان هذا من مصلحتنا جميعا؛ وانه العمل السليم الذي علينا ان نقوم به: ان نعمل معا لدعم ومساعدة هذه العملية.
ان الاردن كجار قريب ملتزم بالقيام بكل ما يستطيع لمساعدة ودعم مستقبل العراق؛ فهذا بالنسبة لنا جزء من مسؤولية أكبر: تعزيز الوحدة والتقدم والتنمية في كل ارجاء العالم العربي. يعتمد المستقبل الافضل لمنطقتنا على الاصلاح: الحكم الجيد النمو الاقتصادي والتنمية الوطنية. يجب ان ينبثق هذا العمل من المنطقة نفسها؛ وان فرض عملية الاصلاح من الخارج لا يمكن ان يخلق الالتزام الذي يستدعيه التغير الحقيقي؛ لكن المجتمع الدولي يستطيع ان يساعد الاصلاح على النمو والنجاح بالمشاركة معنا ونحن نمضي قدما.
تتقدم عملية الاصلاح في الاردن تقدما حثيثا؛ وقد حقق بلدنا تغييرات هيكلية لترسيخ حقوق الانسان وبناء حياة سياسية ديمقراطية. وفي مجال الاقتصاد شجعنا الابداع والشراكة مع القطاع الخاص. وقد كان الاردن اول بلد عربي يوقع اتفاقية منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة؛ وهذه ساهمت بشكل كبير في النمو الاقتصادي وايجاد الفرص.
ان رؤيتنا تتمثل في مجتمع مدني منفتح وعصري متجذر في القيم العربية الاسلامية الحقيقية: التسامح واحترام الاخرين؛ الايمان بحكم القانون؛ كرامة جميع الناس على نحو متكافئ؛ والسعي الى التميز.
قد يعرف بعضكم اننا اصدرنا في الشهر الماضي "رسالة عمان"؛ وهي بيان هام حول الاسلام؛ وهي تبرز الصورة المشرقة والحقيقية للإسلام الذي يدعو للاعتدال والتسامح والسلام. وضم مؤتمر أردني حول "رسالة عمان" قادة ورجال دين ومعلمين من انحاء العالم. وقد أخبرني زعماء مسلمون في اوروبا ان الرسالة كانت اساسية لمواجهة التعاليم الزائفة للمتطرفين؛ وهذه ليست سوى خطوات نحو اعطاء الاسلام المعتدل الصوت والاهمية البارزة اللذين يستحقهما على صعيد العالم.
اصدقائي،
ان من علماء الدين ورواد القطاع الخاص والمعلمين والاخصائيين الاجتماعيين والمحترفين في التكنولوجيا المتقدمة يجري بناء العالم العربي من قبل اناس مبدعين يعملون بجد لتحقيق وعد منطقتنا.
ان مستقبلنا بأيديهم؛ يمكنكم مساعدتهم؛ يمكنكم مساعدة العالم الذي نشترك فيه من خلال شراكتكم ودعمكم. نستطيع معا ان نخلق عالما يكون السلام فيه حقيقيا.. عالما يمكن كل انسان من الازدهار فيه.. عالما يشارك فيه الجميع في وعد هذا القرن.
انني اؤمن ان بإمكاننا ان ننجح..
شكرا جزيلا لكم،،