التحدي الجماعي الذي يواجهنا
نعيش اليوم لحظات وظروفا تؤكّد أهمية الشراكة بين دولنا في الجوار الأورومتوسطي، إذ تجمعنا المصالح ذاتها، ونواجه نفس التحديات. فالجرائم الإرهابية البشعة والجبانة التي ضربت باريس الاسبوع الماضي، كما ضربت عاصمتنا عمّان منذ 10 سنوات خلت، تؤكّد بكل وضوح أن هؤلاء الإرهابيين لا يستهدفون الأبرياء فقط، بل يريدون النيل من قيم العيش المشترك وجسور الثقة التي تقوم عليها أسس المنعة والازدهار في منطقتينا. لقد باتت الحرب على الإرهاب فعلاً حرباً عالمية علينا أن نتحد في خوضها.
كما أن جيراننا الأوروبيين يواجهون اليوم تحدي اللاجئين الذي يعيشه الأردن منذ سنوات عديدة، حيث تسبّبت النزاعات الإقليمية الدائرة والعنف واليأس بلجوء الملايين إلى بلدنا الآمن، الأردن، وعلى نحو متزايد إلى أوروبا مؤخراً.
إلا أن التغلب على هذا التحدي لن يكون أمراً سهلاً أو سريعاً، لكن هذه الحقيقة لا تعني أن العمل الجادّ يحتمل التأخير، فهناك سلسلة من الإجراءات الفورية الممكنة للتعامل مع أزمة اللاجئين، ومنع تفاقمها.
يتحمّل الأردن جزءاً كبيراً من عبء أزمة اللاجئين. فالمملكة، التي يقل عدد سكّانها عن النمسا، تستضيف الآن نحو 1.4 مليون من السوريين، أي ما نسبته 20 بالمئة من عدد السكان، إضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين، مسلمين ومسيحيين، من العراق واليمن وليبيا وغيرها من الدول، ما يجعل الأردن ثاني أكبر مستضيف للاجئين في العالم، بالنسبة إلى عدد السكان.
إن تقديم الرعاية للمستضعفين والمظلومين الذي يحتاجون العون، بالنسبة لنا كأردنيين، هو واجب أخلاقي وجزء أصيل من هويتنا الوطنية. لكن عبء استضافة اللاجئين بات اليوم يضغط بشكل متسارع على مواردنا الوطنية المحدودة أصلا. وما صور مخيمات اللاجئين الهائلة إلا جزء بسيط من المشهد الكلي. فهي تحتضن 10 بالمئة فقط من اللاجئين السوريين، فيما يعيش أكثر من 90 بالمئة منهم في المدن والمجتمعات المحلية في الأردن، الأمر الذي يرهق المدارس والخدمات الصحية، وموارد المياه الشحيحة أصلا، إضافة إلى منافسة الشباب الأردني على فرص العمل المحدودة.
وعليه، فإن الآثار المركبة لهذه الأزمة، في الأردن وخارجه، تتطلب استجابة واسعة النطاق وعلى عدة مستويات. فقد حان الوقت لمنطقتينا لتجاوز التفكير بأسلوب الفزعة نحو اعتماد نهج مستدام، يسهم في إطلاق مبادرات تنموية شاملة ومتوسطة المدى، لا تقتصر على تلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين والبلدان المستضيفة - كالأردن ولبنان - فحسب، بل تستجيب لأعباء هذا اللجوء وتبعاته، خصوصا الحاجة لتوفير فرص العمل، وتوسيع البنى التحتية الضرورية لقطاع الخدمات، وكذلك الدعم المالي. ومن شأن ذلك كله ترسيخ الشعور بالثقة وتعزيز الاستقرار لدينا جميعا.
وتتمثل الخطوة الأولى والمفصلية في تغطية النقص الحاد في المساعدات الدولية، وتزويد الدول الإقليمية المستضيفة، والمُثقلة بالأعباء، بحلول مُستدامة تحسّن فرص هذه الدول في التجارة، والاستثمارات، والتمويل، والمنح المُيسّرة لرفع كفاءة البنية التحتية في قطاعات الصحة والمياه والتعليم.
وأحذر هنا من أن الفشل في تلبية هذه الالتزامات الآنية والملحة سيرفع من تكاليف معالجتها في المستقبل القريب. وحريٌّ بالعالم أن لا يترك بلداً كالأردن، والمشهود له بالاستقرار والاعتدال والسجل الحافل بالإصلاحات الاقتصادية والنمو، وحيداً في مواجهة هذا العبء. عبء يحمله الأردن نيابة عن العالم أجمع، ويستهلك 26 بالمئة من ميزانيته السنوية، ما يتسبب بارتفاع المديونية، في سبيل الوفاء بهذه المسؤولية الدولية.
كما يجب أن تقترن الاستجابة للتحديات الاقتصادية بجهود دبلوماسية حازمة تقود إلى حل للأزمة السورية. فالمباحثات الأخيرة في فيينا مهدت الطريق لمرحلة جديدة من الانخراط الدولي الهادف لجمع كل الأطراف السورية ضمن عملية سياسية تُفضي، كما نأمل، إلى مستقبل يسوده الأمل، واحتضان الجميع، بعيدا عن الطائفية؛ مستقبل يحفظ وحدة سوريا واستقلالها. وينبغي علينا البناء على هذه الفرصة لتحقيق نتائج ملموسة.
وأخيراً، يتحتّم علينا أيضاً مواصلة العمل، يدا بيد، لهزيمة الجماعات الإرهابية، والخوارج منها، الذين يبثون الكراهية والخوف على امتداد العالم. ولابد من أن نخوض هذه الحرب كجبهة واحدة ضد هذا الخطر الذي يهدد إنسانيتنا المشتركة.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن الاستجابة الدولية لأزمة اللاجئين لا توفر حلا لمُعاناة آنية وحسب، بل هي الأساس للوصول إلى المستقبل المنشود. مستقبل يتطلب الإعداد لمرحلة سوريا ما بعد الأزمة، ولإقليم مستقر يحتضن جميع أبنائه وبناته. ويبقى التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل الكريم الأدوات الأساسية لتمكين شعوبنا من بناء مستقبل مزدهر، يقود إلى تعزيز الاستقرار والأمن في منطقتنا كما في جارتنا التاريخية: أوروبا.