أمل السلام في الشرق الأوسط
في أوائل هذا الشهر، سافرت إلى شرم الشيخ للمشاركة في استضافة القمة التي تعهد فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون بإحياء خريطة الطريق لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وبعد ذلك بفترة وجيزة، رفعت سماعة الهاتف لإنهاء الترتيبات اللازمة للقائي هذا الأسبوع مع الرئيس جاك شيراك في باريس. وقد تضمنت المكالمة الهاتفية تأكيد الدور الأساسي لفرنسا في صياغة مستقبل إيجابي لمنطقتنا وللإنسانية جمعاء: مستقبل ملؤه الأمل الجديد، والسلام الحقيقي، والحرية العالمية.
وقد شهد العالم في شرم الشيخ التزاما مخلصا. لكن التاريخ يبين لنا أن الكلمات لا تشكل إلا البداية. ويجب علينا الآن وفي الأيام القادمة تحقيق إمكانيات السلام على ارض الواقع، ومثل هذا يتطلب الشجاعة، والتسويات، والعمل الجاد. ويحتاج أصدقاء السلام إلى الدعم العاجل من المجتمع الدولي. وليس هناك من بلد أكثر نفوذا في هذا التوجه من فرنسا، بما تحظى به من مكانة تاريخية مرموقة، وما تتصف به من عدل واحترام للدول الأخرى.
إن الدعم العالمي للسلام هو أكثر من مجرد كونه واجب أخلاقي. ذلك أن النزاع العربي- الإسرائيلي يبقى الأزمة المركزية في المنطقة، وعاملا على إحداث معاناة ودمار هائلين، ومعيقا لمسار التنمية الإقليمية. كما كان للنزاع أيضا أثر عالمي هائل، ساعد الإرهابيين والمتطرفين على تأجيج التوتر الثقافي والديني في أرجاء العالم.
وهكذا، فإن السلام يعتبر قضية عالمية. واليوم، وبفضل الدعم الفرنسي، فهناك خريطة طريق للسلام. وهي تعكس المبادرات السلمية الرائدة التي أقرتها الدول العربية في قمة بيروت عام 2002، والتي صادقت عليها اللجنة الرباعية (أوروبا وروسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية) ومجموعة الدول الصناعية الثماني الكبار.
توفر خارطة الطريق حلا شاملا يقوم على وجود دولتين، وهو النوع الوحيد من السلام الذي يمكن أن يكتب لـه الاستمرار: فهو يرتكز على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، ديمقراطية، وقابلة للحياة، وضمانات أمنية لإسرائيل؛ وعملية تقود إلى تسوية شاملة تبحث المسارين السوري واللبناني. وتدعو خريطة الطريق إلى تحقيق العدالة والأمن، جامعة المنطقة بأسرها، من المغرب إلى اليمن، في إطار عملية تعافٍ عمادها المصالحة والأمل.
وعلينا الآن أن نعمل معا للوفاء بذلك الوعد. ولفرنسا دور قيادي تقوم به في محيطها الأوروبي وفي العالم لضمان استئناف عملية السلام بفاعلية، إضافة إلى دعم جهود الرئيس محمود عباس وحكومته لإقامة المؤسسات اللازمة لتحقيق السلام، والأمن، والتنمية. سيكون هناك فرصة مهمة للمساعدة في ذلك خلال مؤتمر لندن الذي سيعقد في آذار/مارس المقبل، وهو المؤتمر الذي سينظم المساعدة الدولية للجهود الفلسطينية الرامية إلى إقامة المؤسسات الديمقراطية، ويناقش أيضا الدعم الاقتصادي، من القطاعين العام والخاص، الذي يحتاجه الفلسطينيون لينعموا بمستقبل ملؤه الأمل. وإذ نتطلع إلى هذا المؤتمر، وكذلك إلى مؤتمر القمة العربية في الجزائر، فإنني أرحب بالحوار المستمر وثيق الصلة مع الرئيس جاك شيراك.
تشكل عملية السلام العربية-الإسرائيلية بالطبع أحد المجالات الرئيسية التي نحتاج إليه بصورة ملحة لتعزيز الشراكة القائمة بيننا. فالأردن وفرنسا لهما اهتمام مشترك في دعم مستقبل لبنان السلمي الديمقراطي. كما نعمل معا أيضا على مساعدة العراق لتحقيق الأمن وإعادة الأمور إلى طبيعتها، وإعادة إعمار البلاد. وكان نجاح الانتخابات التي جرت أخيرا في العراق خطوة مهمة، ولكن علينا تشجيع استمرار المشاركة في صياغة الدستور والانتخابات التي ستجرى في نهاية هذا العام. والأردن مصمم أيضا على دعم فرنسا في معالجة همومها. ونعتز بأننا قمنا بدور في تأمين الإفراج عن الرهائن الفرنسيين خلال العام الماضي، ونقوم ثانية ببذل أقصى ما لدينا من جهد للإفراج عن الصحفية الفرنسية الأسيرة حاليا.
إن الجهود المبذولة لإنهاء النزاع في منطقتنا يجب أن توازيها جهود أخرى لإحداث التنمية المستدامة، بحيث يمنح الذين يعانون من الحرمان حاليا حصتهم في مستقبل سلمي. واليوم، يحتاج شعبنا، وخاصة الشبان منهم، بصورة ملحة إلى أن تتوافر لهم إمكانية الوصول إلى الحرية والازدهار ومجالات التقدم في القرن الحادي والعشرين. ولتحقيق ذلك، فهناك اتفاق على نطاق واسع في العالم العربي على الحاجة إلى الإصلاح: الذي يستند على الحكم سريع الاستجابة المتسم بالشفافية؛ ويقوم على الأنظمة التربوية المكرسة لتحقيق التميز، والتقدم الملموس في التنمية البشرية؛ ووجود قطاع خاص يتصف بالحيوية يمكن أن يساعد في إحداث الإبداع والنمو الاقتصادي.
الأردن قد أعلن التزامه بهذه الأمور. وقد عمل بلدنا على إحداث تغييرات هيكلية لإقامة الحياة السياسية الديمقراطية، وتجذير حقوق الإنسان، وتوفير إمكانية الوصول للفرص المتاحة على جميع المستويات في المجتمع. ففي مجال الاقتصاد، شجعنا الإبداع والشراكة مع القطاع الخاص. وقام الاستثمار الفرنسي بلعب دور مهم يحظى لدينا بكل الترحيب. لقد كرّم الأردن بأن كان أول دولة مشرقية توقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ونعمل بصورة وثيقة مع فرنسا ودول أوروبية أخرى من خلال "عملية برشلونة".
إن رؤية بلادي تتمثل في إيجاد مجتمع مدني حديث منفتح، متجذر في القيم العربية-الإسلامية: التي ترتكز على السلام، والمساواة في الكرامة بين جميع الناس، وسيادة القانون، والسعي نحو التميز. ونحن نؤمن بقوة بالتسامح واحترام الآخرين. وقد أطلق الأردن في تشرين ثاني/نوفمبر الماضي "رسالة عمان" الموجهة إلى المسلمين وغيرهم في جميع أرجاء العالم، للتأكيد مرة أخرى على صورة الإسلام الحقيقية التي تقوم على السلام والاعتدال والتقدم.
ونحن نؤمن أن النموذج الأردني النابع من الداخل ملائم للمنطقة بأسرها لإحداث التنمية، ومكافحة التطرف، وبعث الأمل من جديد. إن مبادرة "رؤية 2010 للعالم العربي"، التي ستطلق في المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت الذي سيعقد في الأردن في أيار/مايو المقبل ستجمع قادة القطاع الخاص والمجتمع المدني من جميع أرجاء العالم العربي للخروج بخطة عمل إقليمية عملية.
ونحن ممتنون لفرنسا، التي اتخذت موقفا صارما يقوم على احترام العملية التي تنبع من الذات في منطقتنا، وعلى تشجيع الآخرين على دعمها. كما قام الرئيس جاك شيراك أيضا بدور قيادي بارز لدى أعضاء مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبار في التصدي لقضية عدم كفاية التمويل الدولي المخصص للتنمية. فمثل هذه الجهود يمكن أن توفر إطارا عالميا لزيادة التمويل التنموي للبلدان التي تبدي إرادة قوية للسير قدما، مما يحفز التغيير الإيجابي.
إنني أعتز بمشاركتي في الحوار المستمر بين فرنسا والأردن. فمنذ عهد المغفور له جلالة الملك الحسين-رحمه الله- عملنا على بناء شراكة قوية تستمر ليومنا هذا تستند الى المصالح المشتركة، وتتجذر في صميم المثل المشتركة. واليوم، يبدو أن المزيد من الحرية، والأمن أصبحا قريبي المنال بصورة مذهلة للمزيد من البشر. وأؤمن أننا، بعملنا معا، يمكننا أن ننتقل من مرحلة الوعد إلى مرحلة الإنجاز.