مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع مجلة السياسة التركية (تي. بي. كيو.)
تي. بي. كيو.: ما هي المخاطر التي تراها مقبلة على المنطقة كنتيجة للربيع العربي وما هي القضايا الحرجة فيما يخص السياسات الأوروبية والأمريكية في هذا السياق؟
جلالة الملك: اتوقع أن تمر فترة يسود فيها اللا يقين وعدم الاستقرار، وهي نتيجة طبيعية للتغيرات التاريخية التي شهدناها، وسوف يستمر هذا الوضع حتى تترسخ أنظمة سياسية ومؤسسات جديدة.
وعلى المدى القصير قد تمر بعض الدول بالشتاء العربي قبل أن يزهر ربيعها لتصل إلى الصيف العربي. والتاريخ زاخر بالانتكاسات المؤقتة وذلك حتى في أقوى وأعظم الدول الديمقراطية القائمة حاليا. لكن المهم هو أننا تجاوزنا نقطة الانعطاف، فلا رجعة عن المطامح الشرعية للشعوب وحقها في أن يكون لها رأي أكبر في كيفية حكم وتنظيم مجتمعاتها.
أما على المدى الطويل فإنني واثق أننا سننظر خلفنا جميعا ذات يوم ونتفق على أن الربيع العربي كان أمرا جيدا وأنه قد جعل الحياة أفضل بالنسبة للعديد من العرب. وكلي ثقة أننا سوف نشهد في نهاية المطاف ظهور مجتمعات مدنية فاعلة ومنخرطة في الشأن العام، والمزيد من التعددية والديمقراطية والعدل والمساواة في العالم العربي.
ويتحمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مسؤولية أخلاقية لمساعدة ودعم الديمقراطيات العربية الوليدة. والمطلوب من أوروبا والولايات المتحدة في هذه المرحلة أن تحكم على الحكومات الجديدة الناشئة بنفس المعايير التي يستخدمها الناخبون للحكم على هذا الحكومات، وهي قدرتها على تحقيق الاستقرار والأمن والاصلاحات الديمقراطية والحقوق المدنية وإيجاد الوظائف وتحقيق النمو الاقتصادي. والإشارات مشجعة لغاية الآن، حيث نرى أن القوى السياسية والحكومات الناشئة من الربيع العربي تسعى لعلاقة سوية وحوار مفتوح مع الغرب، والعكس صحيح. ومن الخطوات الإيجابية المتخذة في هذا السياق قوة العمل لجنوب المتوسط التي شكلتها مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون العام الماضي وصندوق حوافز الشرق الأوسط الأمريكي الذي اقترحه الرئيس باراك أوباما مؤخرا.
تي. بي. كيو.: ما هو موقفك من الافتراض القائل إن الديمقراطية في معظم الدول المجاورة لكم ستحمل معها نهاية العلمانية لا محالة؟ هل سيكون هناك المزيد من القيود على الحريات الفردية قبل أن تتحسن؟
جلالة الملك: الربيع العربي دعوة للكرامة والعدل والحرية. وهو دعوة إلى التغيير الذي يستهدف كل القوى في الأنظمة القديمة، سواء كانت الحكومات أم المعارضة. أما الجماعات التي برزت في أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات التي تلت الانتفاضات الشعبية فقد فازت لأنها قدمت برامج قائمة على الاعتدال والتعددية واحترام الحريات. وهذه هي القيم التي يريد الناس الحفاظ عليها وترجمتها إلى سياسات على أيدي من تولوا السلطة بغض النظر عن لونهم السياسي. ولو تشكلت أنظمة خاضعة فعليا للمساءلة، فإن الفشل في حماية الحريات يعني أن هذه الأحزاب السياسية لن يعاد انتخابها في المرة القادمة. وتذكر أن هناك دائما "انتخابات قادمة" يحكم فيها على المرشحين على أساس التزامهم بالحريات الفردية والقيم الديمقراطية.
تي. بي. كيو.: التقيت مؤخرا مع زعيم حماس خالد مشعل، وكانت الغاية من اللقاء رسميا "فتح صفحة جديدة في العلاقة بين الأردن وحماس". لماذا تعيد عمان فتح العلاقات مع حماس في هذه المرحلة؟ هل نشهد تغيرا في سياسة الأردن نحو الجماعات الإسلامية في ضوء الربيع العربي؟
جلالة الملك: لقد كانت الأردن دوما في مقدمة الساعين إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهذا يشتمل من ناحيتنا على الحديث مع كل الفصائل الفلسطينية. وحماس جزء من النسيج السياسي الفلسطيني. وقد كان لدينا مع حماس تحديدا اتصالات منذ زمن طويل على الأرض من خلال المستشفى الميداني الأردني في غزة. لن تعيد حماس فتح مكاتبها في الأردن وليس هناك تغيير في هذا السياسة.
أما بالنسبة للاجتماع بيني وبين خالد مشعل وولي عهد قطر في أواخر كانون الثاني فقد جاء في إطار دعم الأردن لجهود السلام والمصالحة الفلسطينية وجهود السلطة الوطنية الفلسطينية لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني. وقد أكدت على موقف الأردن من أن المفاوضات، بدعم من المجتمع الدولي، هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني. ولذا فلا تغيير في هذه الاستراتيجية أيضا.
تي. بي. كيو.: كيف أثرت الانتفاضات العربية على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة وما تأثير التغيرات في المواقف التركية على التوازنات الجديدة؟
لقد كانت تركيا دائما أحد اللاعبين الأساسيين، وقد بدأت تكثف من ظهورها الإقليمي قبل الربيع العربي بفترة طويلة، والفضل في ذلك لمواقفها الإيجابية وسياساتها التي تصدر في الوقت المناسب. ولكن من المبكر توقع التوازنات الجيوسياسية الجديدة لأن التغيرات الإقليمية لا تزال متوالية من حولنا.
ومن الواضح أن الانتفاضات العربية قد زادت من عزلة إسرائيل، وهذا ما اثبتته فورا حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة العام الماضي.
ومن العوامل الجيوسياسية الأخرى هو أن مصر منشغلة بوضعها الداخلي وما تشهده من مرحلة انتقالية. وهذا يعني أن على دول أخرى، ومنها الأردن، أن تزيد من حجم مساهمتها خصوصا في دفع عملية السلام قدما والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وهدفهم المشروع لتأسيس الدولة الفلسطينية التي تعيش بجوار إسرائيل آمنة. وقد كانت مصر كدولة قوية داعما كبيرا للدبلوماسية العربية والتنسيق العربي-العربي ونحن واثقون أنها مسالة وقت قبل أن تعود مصر للعب دورها التقليدي إقليميا ودوليا.
أما سوريا فهي علامة الاستفهام الأكبر في هذه اللحظة، ومن المستحيل التنبؤ بكيفية تطور الوضع السوري أو إجراء تقييم واف وشامل لنتائج هذه التطورات على إيران وحزب الله وحماس والعراق وكل اللاعبين الآخرين ودول الشرق الأوسط. والشيء الوحيد المؤكد هو أن الأزمة في سوريا تزيد من أعباء ومسؤوليات جيرانها، وتحديدا تركيا والأردن، بما في ذلك الأزمة الإنسانية المتوقعة بكل جوانبها.
تي. بي. كيو.: كيف تحاول الأردن تحديد موقعها في خضم الديناميات المتغيرة إقليميا؟
جلالة الملك: إننا نحاول إن نكون مبادرين إيجابيين لا مجرد مستجيبين للتطورات. ونسعى كي نؤثر في مسار التغيير بما يخدم السلام والاستقرار ويدفع باتجاه التعاون الإقليمي الأوسع، وأن نخلص لمبدأنا الراسخ والمتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى.
وكما ذكرت آنفا، فإن عملية السلام تظل بالنسبة إلينا أولوية وقضية مركزية، ذلك أن تحقيق السلام الدائم الذي يؤدي إلى استعادة حقوق الفلسطينيين المشروعة هو ليس هدفا سياسيا إقليميا فحسب، بل أيضا مصلحة وطنية بالنسبة للأردن. بالمقابل، فإن فرصة السلام القائمة حاليا تتلاشى بسرعة، والخيارات تنفد منا جميعا — فلسطينيين وإسرائيليين ومجتمع دولي. وهذا هو السبب الذي جعلنا نضاعف جهودنا، واستطعنا في وقت سابق من هذا العام أن نجمع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين في عمان لأول مرة خلال 16 شهرا. لقد كانت مجرد مباحثات استكشافية، ولكن لا يوجد صراع تم التوصل إلى حل له بدون المفاوضات.
تي. بي. كيو.: لقد حذرتم جلالتكم قبل ما يقرب من العقد من هلال شيعي— ما مدى ما تشعر به من قلق حيال تأثير إيران في المنطقة؟ وفي العراق؟ وهل يمكن أن نشهد صراعا طائفيا أوسع في المنطقة، نظرا لما نجد فيها من استقطاب كبير؟ وما هو الحل لتجنب حدوث اسوأ السيناريوهات؟
جلالة الملك: إحياء عملية السلام عنصر أساسي لنزع فتيل أية مواجهة مع إيران. فعلينا أن نعاود التركيز على حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يوفر هذا الصراع القائم مادة دسمة لأي كيان يريد كسب التأييد العاطفي من قبل مليار مسلم حول العالم.
ويظل الأردن من ناحيته حاسما في موقفه، والمتمثل في أنه بينما يجب على إيران أن تظهر نية حقيقية في تنفيذ التزاماتها الدولية، فإن أي عمل عسكري ضد إيران قد يفاقم حالة انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ويكون له نتائج سلبية على الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. والمنطقة لا تحتاج إلى أزمة جديدة في هذه المرحلة.
أما بالنسبة للعراق، فهو جار مهم جدا، وبالتأكيد فإن الأردن يراقب الوضع هناك عن كثب بعد الانسحاب الأمريكي. والمصالحة وبناء الدولة أمران أساسيان بالنسبة للعراق في هذه المرحلة، ونحن مستعدون لدعم أي حوار أو مساع جماعية لتحقيق الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي والرفاه العام للشعب العراقي.
تي. بي. كيو.: من خلال تقييمكم، هل ساعد الربيع العربي في تمكين الجناح الأكثر تقدمية في حكومتكم وكذلك في تطور الأردن؟
جلالة الملك: لقد شكل الربيع العربي فرصة رائعة بالنسبة للأردن. وقد كنا نتحدث عن الأصلاح خلال السنوات الإثنتي عشرة التي سبقته، من تحرير القطاعات الاقتصادية الرئيسية، بما فيها الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتجارة الحرة، حيث كنا أول دولة عربية توقع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة عام 2000، وكذلك وقعنا اتفاقية ماثلة مع تركيا عام 2009 ومع العديد من الدول.، بالإضافة إلى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وكان الهدف من جميع هذه الخطوات التمهيد لبروز الطبقة الوسطى الآمنة والمنتجة والواثقة لتكون حجر الزاوية في التنمية الأردنية والعمود الفقري للحياة السياسية والاقتصادية. ولا يمكن للطبقة الوسطى أن تزدهر إلا في ظل نظام ديمقراطي، وقد كان من الواضح لي وللعديد من الأردنيين رجالا ونساء الذين قادوا التغيير عبر السنوات العديدة الماضية أن أصلاحنا الاقتصادي المتنوع والشامل يجب أن يتكامل مع إصلاح سياسي متنوع وشامل بنفس الدرجة.
ولكن فيما يتعلق بالإصلاح السياسي الجوهري، فقد كنا نجد دائما مقاومة وممانعة شديدة من الداخل. وقد أطلق البعض على هؤلاء: الحرس القديم، وهو الوصف الذي استخدمته شخصيا، فيما أشار آخرون إلى مصالح راسخة، وتحدث غيرهم عن الخوف من التغيير. ولهذا قلت شخصيا إن الإصلاح في الأردن ظل يتقدم حتى نهاية العام الماضي "خطوتين إلى الأمام ويتراجع خطوة إلى الخلف".
ثم جاء الربيع العربي ومكننا من التغلب على المقاومة لإحداث التغيير والمضي بإصلاح طموح متسارع وأكثر شمولية.
تي. بي. كيو.: هل لك أن توضح الإصلاحات الديمقراطية التي تم تنفيذها في بلدك في الماضي وتصف آثارها التي تحققت لغاية الآن؟ كيف ترى ما سيتحقق مثاليا فيما تبقى من عام 2012 من حيث الانتخابات والإصلاحات السياسية في الأردن؟
جلالة الملك: أنا متفاءل حيال 2012 وواثق أنه سيكون عام الإصلاحات الرئيسية. فنحن نملك خارطة طريق واضحة وهدف نهائي متفق عليه، وهو الحكومة البرلمانية. وقد تحدد البرنامج الزمني لتحقيق ذلك، وأمام الحكومة والبرلمان مهمة شاقة متمثلة في عشرات القوانين السياسية التي يجب صياغتها وسنها. ولكنهم يسيرون حسب الجدول لغاية الآن، ولن أمل من القول إن هذه التغييرات ما هي إلا البداية، لا النهاية.
وقد بدأنا في أوائل عام 2011 بإنشاء لجنة الحوار الوطني التي أعطيت صلاحية إصدار توصيات تتعلق بقانوني الانتخابات والأحزاب السياسية الجديدين. وعلى مسار مواز تقريبا قامت مجموعة من كبار رجال الدولة الأردنيين ضمن لجنة ملكية، بإجراء تعديلات مقترحة على الدستور. وقد ناقش البرلمان هذه التعديلات وأقرها في أيلول 2011. ونحن نتحدث هنا عن 42 تعديلا من مجموع المواد الدستورية البالغ 131 مادة، أي أن التعديل طال ثلث الدستور. وهناك محكمة دستورية ولجنة انتخابات مستقلة في طور الإنشاء. وقد أدخلت ضمانات حقوق إنسان فعالة وتم تقييد قدرة الحكومة على إصدار قوانين مؤقتة ووضع آليات للتدقيق والمسائلة.
وكانت هذه التعديلات الدستورية العلامة البارزة الأولى في الطريق، وكان المعلم الثاني مسودة قانون أحزاب سياسية رفعت للبرلمان مؤخرا. ومن أعمدة استراتيجة الإصلاح لدينا تقوية الأحزاب السياسية بهدف تنمية الحياة الحزبية وإنشاء نظام حزبي ناضج وفعال.
أما الخطوة الرئيسية التالية فهي قانون انتخاب جديد يتوقع تقديمه للبرلمان في آذار. وهذا التشريع وقوانين أخرى سوف تمهد الطريق أمام إجراء انتخابات بلدية وبرلمانية أكثر شفافية وحرية ونزاهة.
تي. بي. كيو.: هل هناك ما يبرر ما يظهره جزء من الشعب من نفاد صبر على بطء تقدم الإصلاحات؟
جلالة الملك: أنا نفسي لا أطيق صبرا. لكن علينا أن نعترف أن أمام الحكومة والبرلمان مهمة شاقة، فعليهما تسريع الإصلاحات من ناحية، وإشراك الجميع في العملية من ناحية أخرى. وأنا اقدر تماما أن الاصلاح الشامل المنفتح الذي ينخرط الجميع فيه عملية تحتاج إلى وقت. ولكني أحث البرلمان والحكومة على التحرك بالسرعة الممكنة، خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية لأننا نريد للزخم أن يستمر، إذ ليس بمقدورنا أن نخيب أمل الناس ونخاطر بصدقية عملية الإصلاح. ونحن كذلك أمام فرصة غير مسبوقة لنقدم نموذجا إقليميا في التحول الديمقراطي السلمي والتوافقي ولا نريد أن نفوت هذه الفرصة.
تي. بي. كيو.: كيف استطاع الأردن التوفيق بين الإسلام والعلمانية وكيف اثر ذلك على جهود بناء الدولة فيه؟
جلالة الملك: لقد ظل الأردن منذ تأسيسه، بلدا وشعبا، مؤمنا برسالة الإسلام الحقيقية، وهي رسالة سلام وتسامح واحترام. وتحديدا بسبب تراثه وهويته الإسلامية فإن الأردن نموذج فريد على التنوع الثقافي والعرقي والديني، فهو فسيفساء مكونة من المسلمين والمسيحيين، وكل يتمتع بحقوقه وحرياته.
وليس هناك من تناقض بين الإسلام والتنمية والتحديث والعدالة الاجتماعية والديمقراطية واحترام الآخرين والقيم الأخرى التي تؤمن بها مجتمعات أخرى ممن تصنف كمجتمعات علمانية. والافتراض القائل إن الإسلام لا يتوافق مع الحياة الحديثة أو انه يجب "مصالحته" معها هو افتراض غير صحيح.
في عام 2004 أطلقت رسالة عمان، وكان الهدف الرئيس أن نوضح للعالم الحديث الطبيعة الحقيقية للإسلام وطبيعة الإسلام الحنيف. ولأول مرة في التاريخ، أجمع 500 عالم مسلم من كافة أرجاء العالم الإسلامي، بمن فيهم علماء من تركيا، على إعلان ينص على ما هو الإسلام الحقيقي دون غيره، وما هي الأفعال الذي تمثله وتلك التي لا صلة لها به.
تي. بي. كيو.: أين دور المرأة في الانتفاضات العربية وفي الحياة السياسية المحلية والمستقبلية في الأردن؟
جلالة الملك: أشكرك على هذا السؤال. إننا لم نعط دور المرأة التقدير الذي يستحق بعد. وأنا لا اعتقد أن الحراك الذي حصل في ميدان التحرير وكل الحراكات الأخرى في المنطقة كان يمكن أن يكون بهذا التأثير أو النجاح بدون المشاركة الفاعلة والشجاعة من النساء. ولا يمكن تحقيق أي تغيير إيجابي دائم بدون أن تكون المرأة جزء لا يتجزأ منه.
ومما يؤسف له أن عدد النساء الأردنيات المشاركات في الحياة العامة والسياسية لا يزال اقل من طموحاتنا. لقد أزلنا العديد من الحواجز القانونية أمام المساواة بين الجنسين وكان التقدم الذي تحقق في السنوات الأخيرة مثيرا للإعجاب. كذلك فقد ضاعفنا الكوتا النسائية في مجلس النواب قبل الانتخابات السابقة عام 2010 وهناك نساء أعضاء في مجلس الأعيان ومجلس الوزراء منذ زمن طويل، ويرتفع عدد القضاة من النساء بشكل مضطرد. لكن لا تزال الطريق أمامنا طويلة. لن أستهين بصعوبة العوائق القائمة، لكنني لن أخفي ثقتي بالمستقبل أيضا، فهناك 55 بالمئة من طلبة الأردن من الإناث، وهذه نسبة تبشر بالخير في مستقبل بلدنا.
تي. بي. كيو.: إذا استطاعت الأردن أن تدير التغير التدريجي يمكن لذلك أن يمكن الزعماء الآخرين الساعين لتحسين وضع حقوق الإنسان ومستويات المعيشة تدريجيا. هل تعتقد أن الأردن ستكون أيضا نموذجا لدول خارج العالم العربي؟
جلالة الملك: أسمح لي أن أقتبس عن والدي جلالة الملك الحسين رحمه الله واقول إننا نسعى جاهدين لنقدم نموذجا— ليس فقط ليحتذي به الآخرون، بل نموذجا يلهمهم لبناء مستقبل أفضل ضمن حدود دولهم. لن يستطيع أي بلد الادعاء أن لديه وصفة سحرية يأخذ بها الآخرون، خصوصا فيما يتعلق بالديمقراطية والحاكمية. وسوف يحدد كل بلد في العالم العربي وخارجه مساره الخاص به والسرعة التي يسير بها. لا بد للتغيير أن يكون نابعا من الداخل حتى يدوم. وبناء عليه فإننا نأمل بالطبع أن ينظر الآخرون إلى قصة الأردن ويستقون منها ما شاؤا من عبر يجدونها مفيدة وقابلة للتطبيق.
ولو شئت وصف كل الجهود والمكونات في العملية الإصلاحية في الأردن بكلمة واحدة لقلت: "الحوار"، فلقد بدأ الإصلاح المتسارع التوافقي والتدريجي بلجنة الحوار الوطني، والحوار الوطني عندنا لا ينحصر بلجنة وينقضي بانقضاء مهمتها، بل نريده متأصلا في حياتنا السياسية.
تي. بي. كيو.: هل كان يمكن لأردن وتركيا لو عملا بتنسيق أكبر أن يوجها التطورات في المنطقة في العام الماضي بشكل أكثر فاعلية. هل ترى فرصة ضائعة بهذا المعنى؟
جلالة الملك: أنا راض عن مستوى التعاون التركي-الأردني و تجمعنا علاقات وثيقة ومستوى طيب من التنسيق.
لكن العام الماضي شهد حالة من عدم اليقين سادت المنطقة، وفي مثل هذه البيئة العصية على التنبؤ ، يستمر الأردن بالتنسيق مع كل جيرانه والتصرف ضمن إطار الإجماع العربي.
تي. بي. كيو.: هل أثر تراجع العلاقات التركية-الإسرائيلية على فرص الحل السلمي للمسألة الفلسطينية-الإسرائيلية سلبا أم إيجابا؟
جلالة الملك: قبل عدة سنوات قال لي الرئيس كلينتون أن الإسرائيليين لن يفاوضوا إلا من موقف قوة. وليس الإسرائيليون الآن في موقف قوة، فهم كما تذكر التقارير مختلفون مع الولايات المتحدة حول إيران، وأضروا بعلاقاتهم مع تركيا، ويواجهون مشاعر استياء شعبية متنامية وعزلة بين جيرانهم العرب، بما فيها الدول المعتدلة جدا.
لكن أمام الحكومة الإسرائيلية خيار، فبإمكانها أن ترى في هذا الإقليم المتغير سببا مقنعا للانخراط في مفاوضات سلام ذات معنى لحل جميع قضايا الوضع النهائي وتحقيق حل الدولتين، وبإمكانها أن تلزم موقف العناد بناء على حجة زائفة وهي أن التغيرات الإقليمية تعيق المفاوضات السلمية. ويمكن لهذا الموقف الأخير أن ينطوي على آثار خطيرة بالنسبة لإسرائيل ومكانها المستقبلي في المنطقة في أعقاب الربيع العربي.
تي. بي. كيو.: في مقابلة سابقة، أشرت إلى الأردن باعتبارها "الرجل الصامد الأخير" من ناحية استمراره بالعلاقة مع إسرائيل. ما هو دور الأردن إقليميا ودوليا في جهود االسلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟ وما هي الضغوط التي يواجهها بلدكم من حيث علاقتكم بإسرائيل؟
جلالة الملك: حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين هو مصلحة وطنية للأردن وهو أيضا يصب في مصلحة المنطقة والعالم. ولم يأل الأردن جهدا لتحقيق السلام وسوف يستمر في العمل من أجل حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وأنا أكرر دائما القول إن ثمرة السلام هي السلام ، وسيظل السلام بالنسبة إلينا خيارا استراتيجيا. لكن الإحباط الشعبي بسبب السياسات الإسرائيلية في أوجه في كافة أنحاء المنطقة، وحتى الأحزاب والجماعات المعتدلة تاريخيا قد بدأت تتساءل إعن جدوى التوصل إلى سلام مع إسرائيل أو الحفاظ عليه.
تي. بي. كيو.: بدون السلام في الشرق الأوسط، هل يستطيع الربيع العربي أن يجلب أنظمة مسؤولة أمام شعوبها على أساس الحاكمية الرشيدة؟
جلالة الملك: السلام متطلب مسبق للاستقرار والتنمية، وهذان عنصران ضروريان للديمقراطية والحاكمية الرشيدة. فبدون السلام، لن يكون من الممكن تحقيق كامل القدرات الكامنة للمنطقة، وتاريخنا الحديث يشهد بذلك.