مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي. ان. بي. سي. (الجزء الأول)
سي. ان. بي. سي.: الإرهابيون في العراق وسوريا يحققون مكاسب على الأرض، فهل يمكنك طمأنة المستثمرين أن الأردن آمن؟ وهل ستستمر الأزمات في هذين البلدين؟
جلالة الملك: أعتقد أن لدينا تاريخا على مدى عقود أثبت الأردن خلاله دائما قدرته على الحفاظ على استقراره في الإقليم، بغض النظر عن طبيعة الأزمات التي تمر بها المنطقة. وعليك أن تتذكري أنه مع كل ما جرى ويجري من حولنا، كان أداء الأردن مميزا. ومن ذلك أن اقتصادنا نما بنسبة تجاوزت 3 بالمئة في العامين الماضيين، ونحن نتوقع أن يبلغ معدل النمو 4 بالمئة خلال السنتين أو الثلاث القادمة. ومن الشواهد كذلك أن احتياطياتنا في البنك المركزي هي الأعلى تاريخيا.
وعندما ننظر إلى المنطقة، وتحديدا سوريا والعراق كما ذكرت، نجد أن العراق كان دائما سوقا قويا بالنسبة لنا. وأعتقد أن الحكومة العراقية، وبالتعاون مع قوات التحالف، سيفتحون الطريق بين عمان وبغداد هذا الصيف، ما سيفتح أبواب هذا السوق القوي أمام الأردن من جديد.
أعتقد أن أولئك الساعين للاستثمار في الأردن لن يستثمروا لأن السوق العراقي سيكون مفتوحا أمامهم فقط. لن يقف الأمر عند ذلك، لأنهم سيستفيدون من اتفاقيات التجارة بيننا وبين دول مجلس التعاون الخليجي، وهو سوق آخر مشرع الأبواب أمامهم. لقد امتد نطاق مساعينا دائما خارج المنطقة، فالمستثمر لا يبحث عن فرصته ضمن حدود الأردن وحسب، إذ أن لدينا اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا، وسوف يتبعها اتفاقية مع المكسيك لاحقا. لذلك فإن نطاق الاستثمار سيكون مفتوحا للمهتمين بالقارة الأمريكية أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد نشطنا في مساعينا باتجاه آسيا، ونتحدث هنا عن الهند وما وراءها.
ونظرا لعملية التطوير التي تشهدها موانئ العقبة، فإن المحطة التالية هي القرن الأفريقي، حيث سننظر في كيفية تطوير العلاقات التجارية مع بلدان شرق أفريقيا. وعليه فإن الفرص وافرة، وهذا ما يجعل المستثمرين يطرقون أبواب الأردن.
سي. ان. بي. سي.: اسمح لي أن نتطرق إلى التحديات الداخلية، حيث يشكل اللاجئون إليكم 20 بالمئة من السكان. ولديكم أيضا أزمة مياه، وتتعاملون مع حقيقة أنكم تستوردون كل احتياجاتكم من الطاقة. ما الذي تقومون به لحل هذه المشاكل؟
جلالة الملك: بالنسبة للتحدي الناشئ عن وجود لاجئين يشكلون 20 بالمئة من السكان، فإننا لا نحصل على ما يكفي من الدعم من المجتمع الدولي. وأعتقد أن معظم الناس لا يدركون أن 85 بالمئة من اللاجئين لا يعيشون في مخيمات اللاجئين، بل خارجها في الواقع، ما يشكل عبئا على الاقتصاد الأردني. فما يقرب من 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي يوجه للتعامل مع عبء رعاية اللاجئين. وهذا تحد يفوق طاقتنا.
أما بالنسبة لاحتياجاتنا من الطاقة، فإن سبب المشكلة التي نواجهها هو انقطاع إمدادات الغاز الذي كنا نحصل عليه من مصر، ولذلك كان علينا أن نتحرك بسرعة. وهذا هو سر الأردن دائما، وهو قدرته على التكيف مع جميع التحديات التي تواجهه. وهذا سبب تدفق استثمارات كبيرة في مجال الطاقة البديلة.
سي. ان. بي. سي.: هل مفاد رسالتك للمستثمرين هو: لا تدعوا الفوضى في المنطقة تحط من عزيمتكم؟
جلالة الملك: حسنا، أؤكد دائما أن الأردن لا يستسلم للمشاكل في المنطقة كذريعة لتعطيل مسيرة التقدم، سواء في الإصلاح الاقتصادي أو السياسي، وأقول دائما أن أعمالنا تسير كالمعتاد، وعلينا أن لا نتخلى عن طموحاتنا. وفي الواقع، عندما تبرز الأزمات، نجد أن هذا هو الوقت المناسب لدفع عجلة التقدم إلى الأمام.
سي. ان. بي. سي.: ما هي المزايا التي توفرونها لرجال الأعمال الرياديين وللمستثمرين عندما يأتون إلى الأردن؟ لماذا عليهم أن يختاروا الأردن بدلا من دبي، على سبيل المثال؟
جلالة الملك: سر نجاح الأردن هو الاستثمار في رأس المال البشري، وهو أهم صادراتنا، وتتمحور رؤيتي بعيدة المدى بكاملها حول إعادة تلك القوة إلى الأردن، حيث أن المواهب الأردنية تحظى باحترام العديد من البلدان في المنطقة وتعمل هناك. هذا هو رأسمالنا. وأعتقد أن هذا ما يميزنا عن الدول الأخرى.
فعندما تنظرين إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تعلمين أن 70-75 بالمئة من المحتوى العربي على الشبكة هو في الواقع صادر من الأردن. وبلدنا من أفضل عشر دول لإنشاء الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا. وعندما تنظرين أيضا إلى السياحة الطبية، فنحن في المرتبة الخامسة عالميا. والفضل يعود في كل هذا إلى المواهب الأردنية. وما يميز الأردن عن البلدان الأخرى، في اعتقادي، هو أنها مواهب محلية غير مستوردة.
لذلك عندما يأتي رجال الأعمال من الخارج للاستثمار في الأردن، يجدون لهم في المملكة شركاء من الشباب، وهم شركاء قادرون وبارعون جدا في التكنولوجيا ويمكن الاستثمار معهم. أعتقد أن هذا ما يميز الأردن عن العديد من دول المنطقة.