لنبني الأمل
يوشك الصراع السوري على الدخول في سنة دامية سادسة، بعد مقتل 250 ألف سوري، وتشريد أكثر من نصف سكان هذا البلد. وحتى الآن، فإن الغالبية ممن هجروا وطنهم يسعون للأمن والأمان في دول مجاورة، خاصة الأردن، لكن أعدادا متزايدة من اللاجئين السوريين بدأوا يقصدون أوروبا. وقد ولّد هذا الوضع، المليء بالإحباط واليأس، ضغوطاً هائلة على نظامنا العالمي، فاصطدمت المخاوف المجتمعية [من موجات اللجوء] مع قيم اجتماعية أساسية، فبات مبدأ "الاتحاد في التنوع" على محك صعب. وفي نهاية المطاف، فإن هذا المبدأ ليس مجرد شعار للاتحاد الأوروبي، بل هو مبدأ جوهري ترتكز عليه قيم التعايش في العالم أجمع.
إن الدرس الذي تعلمناه من المنظر المؤلم لجثث الأطفال الأبرياء التي جرفتها الأمواج إلى شواطئ أوروبا، هو أن النهج الحالي الذي نطبقه في معالجة أزمات اللاجئين غير ناجع. وقد حان الوقت لاستجابة جديدة تقوم على فهم أفضل للحقائق التي نواجهها.
فهذه الظروف الاستثنائية تتطلب تدابير استثنائية. وغدا، سوف تجتمع دول العالم في لندن لمناقشة أزمة اللاجئين السوريين. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في منعطف حرج، إذ يمثل فرصة ليس فقط للتخفيف من معاناة اللاجئين التي تدمي القلوب، بل فرصةً لحماية مستقبل منطقتنا وأوروبا أيضاً.
كما يمثل هذا المؤتمر فرصة لإظهار عزمنا ومسؤوليتنا تجاه دعم استقرار المنطقة وإحلال السلام في سوريا. وهو يمثل امتحاناً لإرادتنا وقدرتنا على العمل متحدين لإنقاذ أرواح الناس، وحماية كرامتهم الإنسانية، وبذلك ننقذ مستقبلنا المشترك.
وهذا يتطلب منا بناء نموذج عمل جديد. ولأننا ندرك أن الأزمة معقدة وطويلة الأمد، يجب ألا تركز استراتيجيتنا بعد الآن على الاستجابة لحالات الطوارئ والإغاثة الإنسانية فحسب، بل أن تستند إلى خطة لتحقيق التنمية المستدامة.
إن نجاح هذا النموذج يتطلب تحقيق ثلاثة أركان: أولها أن تكون الاستجابة الدولية مستدامة وعلى مدى أطول، فهذه الأزمة أكبر وأوسع نطاقا من أن تنتهي قريبا، حتى لو تحقق تقدم في العملية السياسية الهادفة للتوصل إلى تسوية في سوريا. ثانيا، يجب أن تشتمل استجابتنا على النظر للأردن كأحد البلدان الرئيسة المستضيفة للاجئين في الإقليم، والتي تشكل الدعامة الأساسية في الاستجابة الدولية لهذا التحدي، فالاستثمار في دعم خطة الأردن للاستجابة لأزمة اللاجئين يمثل دعما لحليف يتحمل أعباء كانت لتنعكس على بلدان أخرى. أما ثالثا، فيجب أن تكون مبادراتنا شاملة، بحيث تكون قادرة على مواجهة أزمة اللجوء المعقدة، وتمهد الطريق الذي يقودنا إلى المستقبل الإيجابي المنشود.
وحتى لو أحرز مؤتمر جنيف للسلام تقدماً، وحتى لو هزمنا عصابة داعش الإرهابية والعصابات المرتبطة بها، فإننا، على الأرجح، سنحتاج لسنوات لحل مشكلة اللاجئين. وهذا يعني سنوات إضافية أخرى من الضغط المستمر على اللاجئين والمجتمعات والبلدان التي تستضيفهم. ولذا يجب تلبية احتياجات كلا الطرفين على أساس مستقر ومستدام.
تستهلك كلفة استضافة اللاجئين حاليا 25 بالمئة من موازنة الدولة الأردنية. ويبلغ حجم اقتصاد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين أكثر من 35 تريليون دولار، ومع ذلك فهما يواجهان بصعوبة تدفق قرابة مليون لاجئ إليهما.
وعلى سبيل المقارنة، فإن حجم الاقتصاد الأردني هو أقل من 0.001 بالمئة من حجم اقتصاد كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجتمعين، ومع ذلك فإن اقتصادنا يواجه تحديا أكبر يتمثل في استضافة 3ر1 مليون لاجئ سوري، ناهيك عن اللاجئين الذين استقبلهم الأردن خلال صراعات أخرى في الماضي والحاضر القريب. إن حجم الصدمات الخارجية، التي تعرضنا لها عبر العقود الماضية، من كوارث وحروب لا حصر لها، لم يسبق له مثيل. ورغم أنه لم يكن لدينا أي دور فيها، لكننا أجبرنا على التعامل مع تبعاتها.
ولضمان قدرة الأردن على مواصلة تحمل عبء اللاجئين السوريين، فمن المهم جدا توفير الدعم الفوري للبنية التحتية في بلدنا. ومن الضروري أيضا التأكد من أن قيامنا بالعمل الصحيح لن يتأتى على حساب شباب الأردن وفرص أجيال المستقبل بحياة كريمة. وأخيرا، فإن توفير فرص عمل جديدة من خلال قطاعات الصناعة والتجارة والاستثمار هو جزء أساسي من نهجنا الشامل، الآن وفي المستقبل.
يجب على العالم أن يبني الأمل لمن نستضيف من لاجئين، حتى يكونوا مواطنين فاعلين في جهود بناء سوريا المستقبل، مسلحين بالعلم والمهارات والفرص. أما البديل عن ذلك فهو أن يجبر اللاجئون على التوجه نحو اليأس والجريمة والاتكالية. وهو بديل لا يمكننا التعايش معه، لا في منطقتنا، ولا في أوروبا، ولا في أي مكان في العالم.
إن الاستثمار في السلام، ومساعدة الأردن بطريقة ملموسة حقيقية هو دعم لبلدنا الذي تعرض لاختبارات على امتداد تاريخه، ونجح في كل مرة بالنهوض من كل اختبار أكثر قوة ومنعة، ليحقق ما فيه خير أبناء وبنات شعبه، وأصدقائنا والمنطقة والعالم أجمع.