رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى هشام التل يعهد إليه برئاسة محكمة التمييز والمجلس القضائي
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الأخ هشام التل حفظه الله،
رئيس محكمة التمييز، رئيس المجلس القضائي،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيطيب لنا أن نبعث إليك بأصدق تحياتنا وخالص أمنياتنا بدوام التوفيق والنجاح، وبعد:
فقد عرفناك منذ سنوات خلت جندياً مخلصاً من جنود الوطن، تحملت أمانة المسؤولية في العديد من المواقع بكل كفاءة واقتدار، وكنت مثالاً في الأمانة والإخلاص والتميز.
وعليه، فإننا نوكل إليك اليوم هذه المهمّة كرئيس لمحكمة التمييز والمجلس القضائي، في ظل هذه المرحلة التاريخية التي نمر بها، والتي يشكل القضاء فيها ركناً أساسياً من أركان الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن نظرتنا إلى القضاء ترتكز إلى قناعة راسخة بأن العدل هو أساس الحكم. واستنادا إلى ذلك، فإن القضاء الأردني الذي نريده نموذجا في النزاهة والشفافية والحياد، هو الضامن لسيادة القانون على الجميع، وهو الذي يكفل استقرار البلد وازدهاره، ويوفر الحماية الضرورية لكرامة المواطنين وحقوقهم، وصيانة المال العام، مما يعزز من مصداقية الدولة وثقة المواطن بها، وينشر جواً من الطمأنينة والأمان.
وانطلاقاً من هذه الثوابت، فقد حرصنا، ومنذ أن تولينا أمانة المسؤولية، على إعلاء شأن القضاء وتعزيز استقلاليته على الدوام. وقد تجلى هذا في التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخراً، والتي حرصنا من خلالها على ترسيخ استقلال السلطة القضائية، وتعزيز صلاحياتها حتى تظل قادرة على أداء رسالتها في صون حريات وحقوق المواطنين وحمايتهم من أي ظلم أو تعسف.
ونظراً لهذا الدور الهام للقضاء، وما له من أثر على جميع نواحي الحياة في وطننا العزيز، فإننا نؤكد ضرورة تطوير الجسم القضائي، مستلهمين ما تم إنجازه ومراكمته من جهود سابقة، خصوصاً إستراتيجية البناء للسلطة القضائية للأعوام 2012 – 2014، وبما يكفل البت في القضايا بكل حيادية تكريساً للقضاء العادل والحازم والناجز.
ونشدد هنا على ضرورة الاستمرار في صيانة وتطوير مرفق القضاء وسائر الأجهزة المساندة له، من خلال تواصل الجسم القضائي فيما بينه، والعمل على رفده بالخبرات والكفاءات المتميزة، وبناء قدرات القضاة من خلال وضع برامج متخصصة في التأهيل والتدريب، وتوفير البيئة التي تتواءم وطبيعة عملهم بما يوفر لهم الاستقرار الوظيفي والمالي، واعتماد مبدأ التخصص في فروع القانون للفصل في القضايا، وضرورة متابعة القضاة للتطورات العلمية والتقنية المتلاحقة في التشريع وأحكام الفقه ومجالات القضاء المختلفة، وبما يضمن حل جميع المشاكل الإجرائية والموضوعية حلاً جذرياً، وتسريع وتيسير عملية التقاضي، وتمكين المحاكم من البت بكفاءة وقدرة على الإنجاز في ما يعرض عليها من قضايا، ويضمن تنفيذ الأحكام دون عوائق، ويصون حقوق الناس من الهدر، ويحمي الحريات من أي تعسف، ويحقق العدالة للجميع في مناخ من الثقة والاطمئنان.
وفي ظل الحديث المتنامي في المجتمع عن الفساد، والذي نعتبره عدونا وعدو الأردنيين جميعاً، فإننا نؤكد أهمية أن يضطلع القضاء بدوره في الفصل العادل في قضايا الفساد، بناء على ما يتوافر من بيّنات ووفق أحكام القانون، بعيداً عن الإشاعات وغياب الحجة، فالقاضي يفصل في أي قضية حسب ما يستقر في وجدانه ويطمئن له دون شك أو ريب، وبعد فحص الأدلة وتطبيق القانون، وبمعزل عن أي ضغوطات.
إننا ونحن في طور استكمال تشريعات الإصلاح السياسي، ومواجهتنا لتحديات اقتصادية جمة، نؤمن أن القضاء المستقل والنزيه الذي تطمئن له النفوس أفرادا وجماعات، يشكل عماد استقرار الوطن وتعزيز مسيرته، بحيث نحافظ على مكتسباتنا الإصلاحية ونتفيأ الحق والحرية، في ظل مبدأ سيادة الدستور والقانون. فالقضاء الأردني العريق هو الملجأ الأخير للحقوق والحريات، وهو حامي المجتمع ومثله ومواطنيه وحضارته وإرثه واقتصاده. وهو أداة الإصلاح و التقويم لمن يسيء، ونريده سيفا على الفساد والفاسدين، يتصدر مؤسسات منظومة النزاهة ومكافحة الفساد، فالقضاء عنوان الحقيقة ورمز لصحة المجتمع.
سائلين المولى عز وجل أن يوفقكم ويعينكم، أنتم وزملاؤكم، حماة العدل، على النهوض بهذه المسؤوليات الجليلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اخوكم
عبد الله الثاني ابن الحسين